بسبب «سقف الديون».. كارثة اقتصادية تطرق أبواب أمريكا

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

أكبر اقتصاد في العالم مهدد بكارثة شبه مؤكدة خلال مدة أقل من 30 يوما، ففي حال لم يتوصل الكونجرس الأمريكي إلى اتفاق بشأن أزمة سقف الديون فستعلن وزارة الخزانة الأمريكية عدم قدرتها على الوفاء بالتزامات البلاد المالية وفي مقدماتها فوائد السندات وفي مدة قصرية سيتم التوقف عن دفع رواتب غالبية الموظفين الفيدراليين وكذلك أموال الضمان الاجتماعي، ما يعني أن الاقتصاد الأمريكي سيصبح مهددا بركود عميق.. فماذا يعني رفع أو تعليق سقف الديون الأمريكية وهل تؤثر الأزمة على الأسواق العالمية؟

تحذيرات من كارثة اقتصادية

في رسالتها إلى رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي قالت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين: إن الكونجرس لديه أقل من ثلاثة أسابيع لحل أزمة سقف الديون وتجنب كارثة اقتصادية.. نحن نقدر الآن أنه من المرجح أن تستنفد وزارة الخزانة إجراءاتها الاستثنائية إذا لم يتخذ الكونجرس تدابير لرفع أو تعليق سقف الديون بحلول الثامن عشر من أكتوبر المقبل.

وفي رسالة منفصلة للمشرعين قالت يلين: من الضروري أن يعالج الكونجرس بسرعة أزمة سقف الديون، إذا لم يحدث ذلك فسوف تتخلف أمريكا عن سداد ديونها للمرة الأولى في التاريخ، وحينها قد تواجه بلادنا أزمة مالية وركودا اقتصاديا.

يقصد بسقف الدين الأمريكي، المبلغ الإجمالي الذي يمكن أن تقترضه الحكومة الأمريكية أو مقدار الديون “غير المسددة” الذي يمكن السماح به مقابل الناتج المحلي الإجمالي – منذ العام الماضي وصل حجم الدين العام الأمريكي إلى 102% من الناتج المحلي وارتفع إلى أكثر من 28 تريليون دولار- ولا يمكن للحكومة تجاوز سقف الدين إلا بموافقة من الكونجرس، وفي حال عدم الموافقة تصبح الحكومة عاجزة عن سداد التزاماتها الخارجية والداخلية وبالنهاية تصاب البلد بالركود، يشار هنا إلى أن أمريكا تجاوزت فنيا سقف الدين الوطني مطلع أغسطس الماضي، إلا أن وزارة الخزانة اعتمدت بعض الإجراءات الاستثنائية لعدم التعثر في سداد الديون.

لماذا تلجأ أمريكا إلى رفع سقف الديون؟.. منذ نحو 20 عاما تعاني أمريكا من عجز في الموازنة العامة، ولسنوات كان هذا العجز أقل من سقف تريليون دولار، لكن في ظل جائحة كورونا تجاوز الـ3 تريليونات دولار في 2020، ويتم تمويل هذا العجز -ونتيجة لمتانة الاقتصاد الأمريكية وما يتمتع به من ثقة في أسواق الدين العالمية- غالبا من خلال الاقتراض “إصدار سندات  الخزانة الأمريكية” والتي تحظى بقبول واسع داخليا وخارجيا وبالنسبة للحكومة فهي أداة سريعة ومنخفضة التكلفة للحصول على المال المطلوب لسد العجز.

الجمهوريون يعقدون الأزمة

نتيجة للصراع الحزبي بين الجمهوريين والديمقراطيين، وسعي كل حزب لخدمة أجندته السياسية، كان من الطبيعي أن يقدم الجمهوريون أمس الثلاثاء، على عرقة تحرك الديمقراطيين لرفع سقف الديون، إذ رفض زعيمهم في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل دعم مقترح رفع سقف الديون، بدون إعادة النظر في حزمة الإنفاق الاجتماعي الضخمة التي يرغب الديمقراطيون في تمريرها وفصلها عن مسألة سقف الدين.

ومن جهة أخرى رفض زعيم الديمقراطيين تشاك شومر تمرير قانون رفع سقف الديون بدون موافقة الجمهوريين، معتبرًا أن ذلك سيكون أمرا محفوفا بالمخاطر.

قد يستمر الكباش بين الحزبين في الكونجرس إلى اللحظة الأخيرة “18 أكتوبر” وقد يتم تعليق العمل بسقف الدين إلى نوفمبر المقبل، وفي الحالتين ستكون الحكومة مهددة بإغلاق جزئي في نهاية الشهر الجاري إذا لم يتم سريعا تمرير مشروع قانون الإنفاق المتضمن تخصيص الأموال اللازمة لتمويل الحكومة الفيدرالية حتى الثالث من ديسمبر المقبل، ورفع سقف الدين “حد الاقتراض”.

وفي عهد ترامب كثيرا ما وصلت أزمة الإغلاق الحكومي إلى جدار مسدود بسبب الجمود السياسي بين الحزبين، وكان أخر إغلاق حكومي في أمريكا عام 2019 واستمر لنحو 35 يوما، الآن يمكن تجاوز هذه الأزمة عبر اتفاق الحزبين على تمرير قانون تمويل الحكومة بمعزل عن ملف سقف الدين أو الوصول لاتفاق بشأن خفض فاتورة الإنفاق الحكومي البالغة 3.5 تريليون دولار مع تعليق سقف الدين.

ويريد الجمهوريون من الديمقراطيين فصل مسألة رفع أو تعليق سقف الديون عن قانون الإنفاق، مع إلزام الديمقراطيين بالتعامل مع “سقف الدين” كقضية منفصلة يتحملون مسؤوليتها وحدهم أمام الناخب الأمريكي، وهذا قد يحدث في نهاية المطاف.

تداعيات كارثية على الاقتصاد الأمريكي وأسواق العالم

منذ أيام قالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني -في تحليل- إذا فشل المشرعون في زيادة أو تعليق سقف الدين، سيكون من الصعب تحمل الفوضى الناتجة عن الأمر في الأسواق المالية العالمية، خاصة مع استمرار تعافي الاقتصادات الكبرى من أزمة الوباء.

وأضافت إذا استمر المأزق حتى نوفمبر المقبل، سيخسر الاقتصاد نحو ​ 5 ملايين وظيفة وترتفع البطالة إلى 9%، كما سينخفض ​​الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4% على المدى القريب، وقد يؤدي المأزق الأمريكي إلى واحدة من أكبر الانهيارات في سوق الأسهم في التاريخ وسيمحو أيضا تريليونات الدولارات من ثروات الأسر الأمريكية.

وأشارت إلى أن التخلف عن سداد الديون الأمريكية قد يؤدي إلى حدوث انكماش مشابه للركود الكبير للعام 2008.

في عام 2013، عندما انتظر الكونجرس حتى اللحظة الأخيرة لرفع سقف الديون، ارتفعت أسعار سندات الخزانة المقرر أن تستحق بالقرب من تاريخ الوصول إلى الحد الأقصى للدين الوطني بنسبة تراوحت بين 21 و46 نقطة أساس، كما انخفضت الأسهم بنحو 30% والدولار بـ10%.

في حال فشل الكونجرس في رفع سقف الدين قبل 18 أكتوبر المقبل، فإن الحكومة الأمريكية ستفتقر إلى السيولة النقدية اللازمة لدفع جميع التزاماتها، وستتوقف للمرة الأولى في تاريخها عن سداد ديونها، ما سيقوض الثقة العالمية في الاقتصاد الأمريكي وسيضر بصناديق المعاشات والفيدرالي الأمريكي باعتبارهما من أهم المقرضين للحكومة وسيؤثر سلبا على معنويات قطاع الأعمال وثقة المستهلكين، كما سترتفع “الفائدة” على سندات الخزانة الصادرة حديثا وقد نشاهد موجة انسحاب قوية من السندات الأمريكية ومع الوقت سيواجه قطاع كبير من المواطنين ألما اقتصاديا مع تأخر مدفوعات الرعاية الاجتماعية أو تقليصها لسداد عجز الموازنة، وفي ظل الجائحة هذه الاضطرابات سيكون لها عواقب اقتصادية وصحية هائلة، ومع الوقت ستؤدي التخفيضات العميقة في الإنفاق – من 1.7 تريليون دولار حاليا إلى نحو 118 مليار دولار خلال الأشهر المقبلة- إلى ركود عميق، إلا أن هذه السيناريو مستبعد ففي نهاية الأمر سيجد الحزبان طريقة لمنع الكارثة سواء بالتوافق معا أو بتدخل آحادي للأغلبية الديمقراطية باتجاه إقرار رفع سقف الدين كسبيل وحيد لمعالجة أزمة عجز الميزانية إلى حين معالجة أزمة الإنفاق التوسعي وزيادة عائدات الضرائب.

image 2021 09 29 133652

ربما يعجبك أيضا