مركز الإنذار المبكر: هل تتسبب السياسات الأمريكية في إفساح المجال للنفوذين الصيني والروسي بالشرق الأوسط؟

يوسف بنده

رؤية

الإجابة الأكثر مباشرة على هذا التساؤل هي بالإيجاب؛ فسوء إدارة الولايات المتحدة لأمن وصراعات المنطقة منح القوى الدولية المنافسة؛ أي الصين وروسيا الفرصة لتوسيع دوائر نفوذهما في المنطقة في ظل الانسحاب الأمريكي. إلا أن الإجابة الأعقد ستشير إلى عدة حقائق، أولها أن الولايات المتحدة لم تنسحب كليًّا من المنطقة، وأن الشرق الأوسط، كما النظام العالمي، يمر بمرحلة انتقالية لم تسفر بعد عن بنية أمنية مستقرة، وأن القوى المنافسة للولايات المتحدة، على الرغم مما حققته من تقدم ملحوظ في التأثير على صراعات المنطقة، إلا أنها لم تمتلك بعد استراتيجية شاملة وأدوات كافية للحلول محل الولايات المتحدة. الأهم من هذا أن تغير بنية النظام الإقليمي، وفي القلب منه دور الولايات المتحدة، قد يمنح دول المنطقة فرصة تاريخية لإعادة ترتيب أمنها وفقًا لضروراتها وحقائقها، لا على وقع صراعات القوى الدولية. 

لا شك أن تغير الدور الأمريكي يمنح منافسيها فرصة أكبر لملء الفراغ الذي تتركه في المنطقة. وهو ما اتضح في الدور الكبير الي أصبحت تلعبه موسكو في إدارة الصراع في سوريا مع الشركاء الإقليميين خاصة إيران وتركيا، وكذلك دورها المؤثر على ساحة الصراع الليبي، وسعيها إلى بناء شركات مع حلفاء واشنطن التقليديين؛ في الخليج وإسرائيل، وزيادة اهتمامها بملفات الطاقة في المنطقة الممتدة من شمالي العراق إلى جنوب ليبيا مرورًا بشرق المتوسط. كذلك، برزت في الآونة الأخيرة زيادة الاهتمام الصيني بالمنطقة على أساس جيواقتصادي يرتكز على محورية النفط والطاقة بالنسبة لسياسة الصين الشرق الأوسطية بالإضافة إلى وقوع ممرات المنطقة في القلب من مبادرة الحزام والطريق. فضلاً عن هذا، تراكمت إشارات عن اهتمام الصين بأمن المنطقة الذي قد يتماس مع مصالحها الاقتصادية الرئيسة فيها.

ومع ذلك، لا تسعى أي من القوتين إلى الهيمنة على المنطقة أو لعب الدور الذي قامت به الولايات المتحدة، أو بمعنى آخر، ارتكاب الأخطاء التـي ارتكبتها واشنطن، حتـى لو امتلكت كل منهما الأدوات اللازمة لذلك. وفي الحقيقة، تفتقد كلتا القوتين لمثل هذه الأدوات والموارد اللازمة للقيام بدور المهيمن. فمن ناحية، وكما أوضحنا في موضع آخر، لا تمتلك موسكو القوة الاقتصادية الكافية لدعم اقتصادات المنطقة خاصة تلك في البلاد الممزقة بسبب الصراعات. ومن ناحية أخرى، تفتقد بيجين القوة العسكرية الضرورية لفرض السلام أو حل الأزمات، أو الرغبة في إنفاق الموارد الاقتصادية في منطقة لا تتماس مباشرة مع حدود أمنها القومي. على الأرجح أن كلتا القوتين ستسعيان للحفاظ على مصالحهما في المنطقة دون تجاوز ذلك لمحاولة إعادة تشكيل المنطقة.

للاطلاع على التقرير الأصلي، اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا