فمن ثقلت موازينه.. محرك موازين القوى في النظام العالمي الجديد

كتبت – علياء عصام الدين

درس قاس في الواقعية السياسية ذلك الذي وجهه الرئيس الأمريكي للقارة العجوز، فعلى الرغم من أن بايدن دأب على التحدث عن تعزيز العلاقات بين ضفتي الأطلسي منذ بداية حملته الانتخابية في كل مناسبة، إلا أنه انتهج نهجًا يخالف ذلك تمامًا، ووجه لأوروبا صفعة قوية قد تدفع الأخيرة إلى التخلص من تبعية واشنطن التاريخية.

فالمصالح الاقتصادية والاستراتيجية في عالم السياسة لا تتغير إلا ببطء شديد، وتغير الإدارة الأمريكية صاحبه تغير على مستوى الخطاب فقط لا على مستوى التنفيذ، وقد صدقت أوروبا بسذاجة وعود بايدن الواهية التي سرعان ما ذرتها الرياح.

لم تعد موازين القوى في النظام العالمي الحالي تعتمد على الثقل العسكري والترسانات النووية والنفوذ السياسي فقط، بل أصبح للوزن الاقتصادي واعتبارات المصالح والتوازنات، الأثر الأول والأكبر في تحديد موازين القوى، فمن ثقلت موازينه الاقتصادية أصبح في مصاف القوى العظمى، ومن خفت موازينه الاقتصادية تراجع إلى الهامش.

حلفاء الأمس أعداء اليوم

طعنة في الظهر وجهتها واشنطن لحليفتها فرنسا في الـ15 من سبتمبر الفائت بإعلانها عن الاتحاد (الأنجلوسكسوني) بشأن صفقة الغواصات النووية الأمريكية البريطانية الأسترالية المشتركة لا تزال باريس تأن على أعتابها.

لمعرفة المزيد عن الاتحاد طالع :-

هل يطوق اتحاد «أوكوس» التنين الصيني؟

هكذا أضحى السعي الدولي للتمكين الاقتصادي بُغية تحصيل مكان في موازين القوى العالمية هو المطلب الأول والأخير.

تشهد العلاقات بين باريس وواشنطن أزمة دبلوماسية حادة وتوترًا متصاعدًا، فقد دعا ماكرون الثلاثاء عقب صفقة عسكرية جديدة مع اليونان -تعد خطوة أولى جريئة نحو استقلالية استراتيجية أوروبية- الأوروبيين إلى التخلي عن ما وصفه “بالسذاجة” أمام استراتيجيات واشنطن الجديدة.

وأقر ماكرون أن أمريكا صديق تاريخي كبير وحليف قيم، لكنها ركزت في الآونة الأخيرة على نفسها ومصالحها الاستراتيجية، وبنفس الروح البرجماتية والوضوح ذاته علينا كأوروبيين تحمل قسطنا من المسؤولية في تأمين حمايتنا الخاصة.

وأكد ماكرون أن أوروبا تحتاج إلى تطوير قدراتها الدفاعية الخاصة بها، والتقليل من الاعتماد على واشنطن.

وعلى الجانب الآخر تشهد فرنسا توترًا في العلاقات مع أستراليا وبريطانيا بعد توقيع الشراكة الدفاعية والأمنية سابقة الذكر التي انسحبت استراليا على إثره من اتفاقية لشراء غواصات بقيمة 56 مليار يورو من الشركة الفرنسية للصناعات البحرية.

وقررت باريس أمس إعادة النظر في علاقاتها التجارية مع لندن وضرورة إعادة النظر في التعاون مع كانبيرا بعد استدعاء فرنسا لسفيرها جان بيير ثيبولت قبل حوالي أسبوعين، في إيماءة نادرة بين الحلفاء تهدف إلى إظهار الغضب الفرنسي من استبعاد باريس من تحالف دفاعي تم تشكيله سرا بين أستراليا وبريطانيا وواشنطن.

هل تتعلم القارة العجوز الدرس الأمريكي؟

سلسلة من الانتقادات واجهها الرئيس الأمريكي خلال الأسابيع الماضية حيث اتهمه قادة الاتحاد الأوروبي بعدم الولاء للتحالف عبر الأطلسي معتبرين التحالف الجديد طعنة في الظهر وعودة إلى كابوس ترامب بمراوغة من الأبواب الخلفية.

لقد فضحت الشراكة الاستراتيجية الجديدة التي عقدها بايدن مع بريطانيا وأستراليا في المحيطين الهندي والهادئ النفاق السياسي للرئيس الأمريكي.

ويرى مراقبون أن هذه الشراكة بمثابة تهميش صريح ومقصود للاتحاد الأوروبي، عكس الإحباط الأمريكي المتزايد من نهج الاتحاد الأكثر ليونة تجاه بكين.

إن نقطة الانطلاق التي حددتها واشنطن لمجابهة طموحات التنين الصيني في قلب منطقة حيوية بالنسبة لبكين وعلى حدود نفوذها البحري لن تتوقف عند حدود صفقة الغواصات بل ستتصاعد في الأيام المقبلة لتضع العلاقة بين أمريكا وأوروبا على المحك، الأمر الذي قد يحدث انشطارًا في موازين القوى في المنطقة برمتها، وقد تنتعش الطموحات الأوروبية للإنفكاك عن الحليف الاستراتيجي بعد دعوة ماكرون للتعامل بالمثل والتخلي عن السذاجة والالتفات للمصالح الأوروبية.

لا يعلم بايدن الذي يبتغي تقويض التنين الصيني أن هذا التحرك هذا قد يصب في صالح بكين، ويفضي إلى نتائج عكسية، فإذا ما تصاعدت الخلافات الأوروبية الأمريكية ستتحرك المنظومة الأوروبية لا محالة لمزيد من الانفتاح والتعاون مع موسكو والصين وإن كره البيت الأبيض.

تلاحق هذه التحالفات الاستراتيجية لن يتوقف عند هذا المستوى وستضطر أمريكا لبناء تحالفات أخرى، هذا الوضع المتصاعد سوف يهدد السلام في المنطقة لا محالة، لذا ينبغي لكل من أمريكا وبكين تجنب تشكيل تكتلات في المنطقة من شأنها أن تهدد السلام العالمي.

ومن الأحقية بمكان عندما يتحرك ميزان القوى بشكل استراتيجي أن نعيد ترتيب أولوياتنا لنتهيأ للتفاعل آنيا، لا أن نتحرك بشكل انفعالي بعد فوات الأوان، فمن شأن هذه التحولات أن تمنح باريس سلاحا جديدا لإعادة نفوذها في الشرق الأوسط وملء الفراغ العسكري الأمريكي في كل من سوريا والعراق.

ربما يعجبك أيضا

1