تحفيزات التضخم أم تداعيات الفائدة.. من يقود رحلة الذهب الجامحة؟

كتب – حسام عيد

في الآونة الأخيرة، تصاعد الحديث عن الذهب إلى حد الهيمنة على سلوك المستثمرين، وكذلك الأفراد، في أسواق العالم أجمع، وذلك بعد إعلان مجلس الاحتياطي الفيدرالي في أغسطس الماضي نيته بتقليص برنامج التحفيز الكمي الذي دشنته الولايات المتحدة بغرض تعافي الاقتصاد من تداعيات جائحة “كوفيد-19” الوبائية، وعاد في اجتماع سبتمبر ليؤكد أن البدء في خفض التيسير الكمي سيبدأ منتصف نوفمبر، وربما يصاحبه رفع في أسعار الفائدة، وحال حدوث ذلك؛ ربما نشهد رواج تجارة الفائدة وتهافت البعض على ضخ أمواله في البنوك سواء في شكل ودائع أو شهادات استثمار، ومن ثم حدوث هزة في أسعار الذهب، لكن كان لبيانات التضخم الأمريكي -الأعلى في 13 عامًا- رأي آخر، فالذهب ربما يسجل قفزات متتالية خلال الفترة المقبلة لتلامس الأسعار معه مستويات الـ1900 دولار للأوقية، مدفوعة بهاجس بات يؤرق حكومات العالم وبنوكها المركزية، وهو الضغوط التضخمية المتسارعة بفعل إضطرابات سلاسل الأمداد والأسعار الجنونية للسلع الأولية والأساسية.

الذهب عند 1800 دولار

وقد سجلت أسعار الذهب خلال تعاملات يوم الخميس الموافق 14 أكتوبر 2021، وتخطى المعدن حاجز 1800 دولار للأوقية بعد صدور بيانات اقتصادية، وهو المستوى الأعلى في 7 أشهر.

وتراجعت طلبات إعانة البطالة في أمريكا أدنى 300 ألف للمرة للأولى منذ بداية الجائحة في الأسبوع الماضي، فيما كشفت بيانات أسعار المنتجين نمو المؤشر بأبطأ وتيرة منذ ديسمبر في سبتمبر الماضي وذلك بنحو 0.5% على أساس شهري.

وكشف محضر الاحتياطي الفيدرالي أن مسؤولي البنك يدرسون البدء في تقليص برنامج شراء الأصول البالغ 120 مليار دولار بحلول منتصف نوفمبر المقبل. وناقش المسؤولون مسارًا توضيحيًا تنازليًا بتخفيضات شهرية في وتيرة شراء الأصول، بمقدار 10 مليارات دولار في حالة سندات الخزانة المالية و5 مليارات دولار في حالة الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري للوكالة.

وعلى صعيد التداولات، استقرت العقود الآجلة للذهب تسليم ديسمبر عند 1800.50 دولار للأوقية، فيما زاد سعر التسليم الفوري للمعدن الأصفر بنسبة 0.3% إلى 1799.11 دولار للأوقية.

فيما تراجع مؤشر الدولار الرئيسي الذي يقيس أداء العملة الأمريكية أمام سلة من ست عملات بنحو 0.2% عند 93.880 نقطة.

البيئة التضخمية العالمية.. ورواج المعدن الأصفر

على أرض الواقع، أظهر محضر اجتماع مجلس الاحتياطى الفيدرالى الذي عقد في 21-22 سبتمبر الماضي ونُشر الأربعاء 13 أكتوبر 2021، أن المسؤولين اتفقوا على نطاق واسع على ضرورة البدء فى تخفيض مشتريات السندات فى منتصف نوفمبر أو منتصف ديسمبر وسط مخاوف متزايدة بشأن التضخم.

وتعتبر إجراءات التحفيز فى عصر الوباء أحد الركائز الأساسية فى ارتفاع السبائك إلى مستوى قياسى العام الماضى.

وقال جون فينى، مدير تطوير الأعمال فى شركة تجارة السبائك، جارديان جولد أستراليا: “قد يستمر الذهب فى الارتفاع إذا استمر التضخم على المنوال نفسه، وهو تحول كبير عما كان عليه فى وقت سابق من العام”.

وأضاف فينى: “تاريخيًا، يميل الذهب إلى الأداء الجيد للغاية فى البيئات التضخمية، لذلك من المنطقى أن يتحول السوق إلى الاتجاه الصعودى إذا استمر التضخم فى الارتفاع”.

قفزات في الأفق.. والأسعار قد تلامس مستويات الـ1900 دولار

قبل أسابيع، كانت الأسعار قابعة في المستويات المتوسطة إلى الأدنى من 1700 دولار، لكن مع إعلان وزارة العمل الأمريكية صعود مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.4% في سبتمبر مقارنة بأغسطس، وبلوغه 5.4% على أساس سنوي، وهو أكبر ارتفاع منذ عام 2008، ساعدت تلك الخطوة في التحقق إلى حد ما من صحة تسميات “الملاذ الآمن” و”التحوط من التضخم” المطبقة عادةً على المعدن الأصفر، والتي يرى العديد من المستثمرين أنها الملاذ الأخير في أوقات الاضطرابات السياسية والمالية.

وقد صرح إد مويا، المحلل لدى مؤسسة أواندا، في إشارة إلى تقرير مؤشر أسعار المستهلكين أنه: “أرسل تقرير التضخم أسعار الذهب في رحلة جامحة”. “وقد انتقل التضخم طويل الأمد للتو من التسرع في رفع أسعار الفائدة إلى زعزعة استقرار أجزاء كبيرة من الانتعاش الاقتصادي العالمي”.

يمكن القول؛ إن التضخم والوظائف الضعيفة وتراجع مؤشرات الاقتصاد الأمريكي مؤخرًا جعلوا الذهب يستفاد أعلي دعم 1750 دولار ويعود من جديد في محاولات لتجاوز 1800 دولار.

ويبقى صراع الذهب مع قرارات الفيدرالي بتقليص التيسير الكمي من جهة وصراع التضخم وتراجع المؤشرات من جهة أخرى، بمثابة فرصه للذهب لمواصلة الصعود والاستفادة من المخاوف الحالية للتضخم لزيارة مستويات 1850 ثم 1900 دولار للأونصة من جديد قبل عودة تقليل أحجام التيسير الكمي التي تدعم موقف الفيدرالي في محاربة التضخم، ومن ثم حرب أخرى على الذهب برفع أسعار الفائدة آخر عام 2022.

وختامًا، الذهب ينتظره 6 أشهر هامة في مستقبله القريب والبعيد، إما أن يصعد به التضخم لسقف أسعار تنافسية غير متوقعة، أو تدفعه الفائدة لموجة انهيار متسارع على غرار الفترة بين 2013 و2015 .

ربما يعجبك أيضا