البروفيسور السارق والسيكوباتي الوسيم .. لماذا نحب الأشرار؟

كتبت – علياء عصام الدين

يقول الكاتب (جراهام جونستون) نحن اليوم أمام ظاهرة عكسيَّة؛ حيث صار أبطال الحداثة هم أشرار ما بعد الحداثة، وأشرار الحداثة صاروا أبطال ما بعد الحداثة.

بملامح غاية في الوسامة تلك التي تستبعد معها أية مخاوف وشكوك، وبطباع المثقف القارئ النهم يظهر لنا “جو” بطل مسلسل “أنت”، you في سمات يستبعد معها المشاهد أن تكون هذه التركيبة الخجولة الهادئة مرهفة الحس التي لا تتوقع منها أن تقتل بعوضة تحمل في طياتها طوفانًا من الإجرام.

لقد أضحى الإبداع الفني في رسم شخصية الشرير المعقدة والمركبة أحد أهم الأسباب التي تجعلنا فريسة سهلة نقع دون أن نشعر في حب البطل الشرير، ويصاحب تلك السقطة أزمة ثقة وعلامات استفهام كثيرة حول قناعاتنا وخطوطنا الحمراء ومبادئنا حتى سلامتنا النفسية.

فهل نتغير؟ هل نتخلى عن مبادئنا لماذا نحب الأشرار؟

ENrrAeGUYAAFW 4

جو.. السيكوباتي المحبوب

في مسلسل (أنت) والمقتبس عن رواية حقيقية تنهش أفكار البطل ومشاعره الجارفة كل ما هو منطقي، والمتأمل في الطريقة التي يتسلل بها الحب إلى قلب بطلنا والتغير الذي يطرأ عليه بشكل كامل، ومع تتبع مشاعر الخوف التي تظهر على ملامح وجهه عندما يفقد السيطرة في موقف ما، ومتابعه رعبه من فقدان حبيبته وطريقة حبه الجنونية، وطريقة تعبيره عن مشاعره -تلك التي تتشابه معنا في كثير من الأحيان- ذلك الاحتياج الشره للحب في داخله ودواخلنا، كل ذلك جعلنا نسقط في شرك شخصية عبقرية أبدعت في رسمها الكاتبة كارولين كيبنيس.

فشخصية (جو) بتلقائيته وتحوله المفاجئ للحب في لحظة معينة بكل صدق جعلتنا نتخبط لنهرول وراءه فنفقد قدرتنا على الحكم والتمييز بين الصواب والخطأ، مصداقية الشخصية وتعقيدها وحضور فكرة الجانب المظلم بقوة في ذواتنا جعلت شخصية البطل قابلة للإسقاط على أي واحد منا، تلك التركيبة الجامعة بين الخير والشر الحب والكره جعلتنا نلتمس الأعذار ونبرر لجو تصرفاته.

وعلى الرغم من إدراكنا تمام الإدراك مع الموسم الثاني أن “جو” قاتل متسلسل وسيكوباتي مريض تورط في قتل العشرات لم نتمكن من كرهه أبدًا.

لا كاسا

سيرجيو.. السارق البطل

بعيدًا عن اتسامه بالذكاء الحاد كونه أحد العوامل التي جعلتنا نقع في حب البروفيسور، وبالتغاضي عن جاذبيته وما يتمتع به من كاريزما عالية إلا أن “سيرجيو” في مسلسل “لاكاسا دي بابيل” أو بيت المال ملك قلوبنا وحاز على تعاطفنا لقد أحببناه حقًا لأنه شخصية من الناحية الدرامية مرسومة بدقة شديدة، تصارعت في داخلها صفات الخير والشر معًا، فليس هو شرير بالمطلق ولا خير بالمطلق.

أطلقنا أحكامنا عليه انطلاقًا من الإطار الدرامي الذي قدم فيه ومن خلاله، لقد تمكن سيرجيو من كشف الستار عن فساد الحكومة فرأيناه بطلًا لا لصًا، اعتمادًا على فكرة أن سرقة السارق ليست بسرقة، نحن لا نبرر السرقة في حد ذاتها لكننا سنحتفي بكل من سيتمكن من المواجهة، سندعم كل من سيقف بندية أمام سطوة الدولة وإذلالها على اعتبار أن الغاية إن كانت سامية ستبرر الوسيلة، نلمح هذه الفكرة أيضا في فيلم “في فور فينديتا” الذي يدعم فكرة الفوضى الخلاقة في مقابل الثورة من أجل بلوغ الحرية.

تطرح هذه التركيبات النفسية في المسلسلات والأفلام والدراما بشكل عام السؤال بإلحاح.. لماذا نقع في حب الشرير ونتعاطف معه.

قصة قابيل وهابيل2

الشر منبعًا للدراما

لا شك أن الشر هو المحرك الأول للحضارة الإنسانية ففي البدء كان الخير والسلام والهدوء والملل ؟ لقد بدأت الدراما الحقيقية مع لحظة انبثاق الشرور لحظة العصيان، بدأت الحبكة عندما أقدم قابيل على قتل أخيه هابيل.

فبعد كل شرور تندفع البشرية إلى الأمام بقوة وتلك الحرب الأزلية التي نشأت بين الخير والشر هي الباعث الحقيقي لاستمرار الحياة.

وبما أن الشرور جزء لا يتجزأ من الواقع وباعتبار أن الفن مرآة المجتمع ذلك الذي ينهشنا باستمرار والحياة تلك التي لا تتورع عن تحطيمنا كل صباح، نحاول نحن كمشاهدين الفكاك من هذا الواقع الطاحن فنعجب بالشرير لأنه تمكن من مواجهة ما لم نتمكن نحن من مواجهته، نتعاطف مع الشرير لأنه وصل لما نصبو نحن إليه ولم يحالفنا الحظ، نعجب بالشرير لأنه تمكن من المواجهة وتحقيق ما لم نتمكن نحن على مثاليتنا الحمقاء من تحقيقه في الواقع.

لقد قامت الدراما ونجحت بالفعل في تحطيم وكسر صنم فكرة الخير المطلق.

نحن نبرر تصرفات البطل الشرير، على الرغم من معرفتنا بأنه شرير، وننبذ طريقته في أعماقنا لكننا لأسباب نفسية واجتماعية نقدس (الغاية) بالتالي فالمبررات حاضرة في أذهاننا بكثافة.

يقول الكاتب د. محمد الهمشري في كتابه” الأشرار كيف أصبحنا نحب أشرار السينما “لأن التسويغ أسهلُ من تغيير القناعات، فتجد الشخص صاحبَ الإشكال يُسوّغ للشرير أفعاله تلك لأجل إنهاء حالة التنافر وإسكات الضمير والحفاظ على قناعاته الشخصية .”

لكل منا جانبه المظلم والشرير هذا ما يجعلنا نحب الأشرار، نتعاطف معهم كونهم أحرار في حين نحن مكبلون ومقيدون بقوانين المجتمع والحلال والحرام.

تساهم شهوه الانتقام في الإنسان في تعاطفه مع البطل الشرير، فالشخصية الشريرة في الدراما ليست شريرة بالمطلق كما كانت قديمًا بل أضحت أكثر تعقيدًا وتركيبًا وتداخلًا.

أن نعرف تفاصيل المشهد برمته ونعيشه مع البطل يساعدنا ذلك في الحكم عليه بشكل أكثر عدلًا، كما أن نسبية ما بعد الحداثة والتي قاضتنا لنتيجة مفادها أنه ليس هناك شر مطلق وخير محض ولا تحدد الألوان بين الأسود والأبيض فقط، جعلت من الشرير يقع في تلك النقطة الرمادية لا السوداء ليصبح لكل شرير جانبه الخير أيضًا.

ربما يعجبك أيضا