خلال الربع الثالث من 2021.. لماذا تعثر التنين الصيني؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

سجل الاقتصاد الصيني خلال الربع الثالث من العام الجاري، أبطأ وتيرة للنمو خلال عام، مخالفا التوقعات التي كانت تشير إلى نمو بأكثر من 5%، ليعزز المخاوف العالمية بشأن تباطؤ وتيرة التعافي الاقتصادي من تداعيات جائحة كورونا ويثير تساؤلات حول قدرة ثاني أكبر اقتصاد في العالم على إنهاء العام بنمو قياسي بنسبة 8% في حال استمرار الأزمات الراهنة التي ظهرت تداعياتها بوضوح خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر الماضي، وهذه الأزمات تأتي تحت ثلاثة عناوين رئيسية هي نقص الكهرباء واضطرابات سوق العقارات وتعطل سلاسل التوريد العالمية، فضلا عن تأثر الصين كغيرها من البلدان بحالة عدم اليقين بشأن الجائحة وقدرة العالم على عدم العودة إلى مربع الإغلاقات الوطنية مرة أخرى.

نتائج مخيبة للآمال في الربع الثالث

الإثنين الماضي، أفادت الهيئة الوطنية للإحصاء في الصين، بأن إجمالي الناتج المحلي بالبلاد نما بنسبة 4.9% على أساس سنوي خلال الربع الثالث، وهي وتيرة أبطأ من نمو نسبته 18.3 بالمائة خلال الربع الأول ونمو نسبته 7.9 بالمائة خلال الربع الثاني، كما أنها أضعف أداء للاقتصاد منذ الربع الثالث من 2020، وتخالف توقعات لـ”رويترز” بنمو نسبته 5.2%.

رقم أخر شكل صدمة أعلنت عنه الهيئة، هو نمو الناتج الصناعي الإجمالي بنسبة 3.1٪ على أساس سنوي في سبتمبر الماضي، وتعد هذه أبطأ وتيرة نمو منذ مارس 2020، أي في خضم الموجة الأولى من الجائحة.

لكن المتحدث باسم الهيئة فو لينغ هوي أكد أن الاقتصاد الصيني حافظ على زخم الانتعاش في الأرباع الثلاثة الأولى من العام، لافتا إلى الناتج الصناعي ذو القيمة المضافة نما بنسبة 11.8 % على أساس سنوي خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2021، كما نما إجمالي الناتج المحلي نما بنسبة 9.8% على أساس سنوي خلال الفترة نفسها، ما وضع متوسط النمو في الأرباع الثلاثة الأولى خلال العامين الماضيين عند 5.2 %.

إلا أن “لينغ هوي” لم يستطع إنكار حقيقة واحدة وهي أن الانتعاش الاقتصادي المحلي ما يزال غير مستقر، محذرا من تداعيات حالة عدم اليقين المتصاعدة في البيئة الدولية بشأن النمو العالمي والجائحة، لكنه أكد أن الدولة الصينية ستتخذ تدابير منوعة للحفاظ على نمو الاقتصاد في نطاق مناسب.

والنطاق المناسب هنا على الأغلب يقصد به الحد الذي يتوقعه المركزي الصيني “بنك الشعب الصيني” للنمو هذا العام وهو في حدود 6 إلى 8%، وهو رقم أيضا أكدته تقديرات صندوق النقد الصادرة هذا الشهر بعد خفض سقف التوقعات لنمو ثاني أكبر اقتصاد بالعام بنحو 0.4%.

لماذا تعثر الاقتصاد الصيني في الربع الثالث؟

الاقتصاد الصيني كان الاقتصاد الكبير الوحيد الذي أنهى عام الوباء بنمو جيد، صحيح لم يتجاوز الـ3% وكان الأضعف منذ عقد تقريبا، إلا أنه نجح في النجاة من شبح الركود، وفي الربع الأول من عامنا هذا أدهش العالم بتحقيقه انتعاشا قويا بنسبة 18.3%، لكن الآن يبدو أنه يفقد هذا الزخم تحت تأثير عدة عوامل لعل أهمها سلسلة الإجراءات التنظيمية التي انخرطت فيها السلطات الصينية منذ بداية العام لمزيد من التنظيم لقطاعات مؤثرة مثل التكنولوجيا والعقارات، وما تبع هذه الإجراءات من هزات عنيفة بالسوق المحلي، أيضا تحركت السلطات الصينية باتجاه خفض انبعاثات الكربون وتقليل عدد محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم، هذا فضلا عن الضرار اللاحق بالتنين الصيني نتيجة اضطرابات سلاسل التوريد العالمية والتي هو نفسه جزء أصيل فيها.

منذ نهاية العام الماضي تعهد الرئيس الصيني شي جين بينج بمكافحة الممارسات الاحتكارية وفرض قيود على قطاعات اعتبرها أنها تعمل بصورة تضر بسلامة الاقتصاد العام كقطاعي التكنولوجيا والعقار، لكن إذا كان ” سي جين” فعليا يسعى لتنظيم عمل هذه القطاعات بعد سنوات من النمو السريع والمضطرد يجب أن يتم الأمر بحذر تام لتجنب عرقلة نمو القطاع الخاص الذي كان لسنوات محركا مهما للنمو والوظائف.

-فيما يتعلق بقطاع العقار فيبدو أن تداعيات هذه الإجراءات التنظيمية بدأت في الظهور، خلال شهر سبتمبر وبحسب بيانات الهيئة الوطنية للإحصاء تراجعت أعمال البناء الجديدة في الصين للشهر السادس على التوالي وهي أطول موجة انخفاضات شهرية منذ 2015، حيث كبح المطورون العقاريون الذين يعانون من ضائقة مالية الاستثمار والمشاريع الجديدة مؤقتًا بعد تشديد قيود الاقتراض، ناهيك عن المتاعب المالية التي تواجهها مجموعة إيفرجراند – ثاني أكبر مطور عقاري في الصين- وسط مخاوف من أن تتحول إلى “ليمان براذر” جديد وتتسبب في هزة عنيفة للسوق الصينية في حال وصلت إلى طريق مسدود وقامت بإعلان إفلاسها لتعثرها عن سداد ديونها البالغة أكثر من 300 مليار دولار.

-القطاع الصناعي تضرر أيضا جراء قيام السلطات الصينية بتقنين دعم الطاقة بسبب نقص الفحم وفرض قيود بيئية على الملوثات الثقيلة، كما شهدت الصين خلال الشهر الجاري انقطاعا للتيار الكهربائي عن عدة مناطق رئيسية مع زيادة الطلب على الوقود الأحفوري في وقت ارتفعت فيه تكلفة المواد الأولية بما فيها الفحم كما تعاني السوق من نقص في المعروض المحلي.

-اضطرابات سلاسل التوريد العالمية وتأخر عمليات الشحن وارتفاع المخزونات وسط فقدان الطلبيات الجديدة عوامل أثرت على نتائج الشركات المصنعة والمصدرة الصينية خلال الربع الثالث ودفعت بعضها إلى خفض الإنتاج.

فيما يتعلق بأزمة نقص الكهرباء، قال المتحدث باسم الهيئة الوطنية للإحصاء في الصين، الإثنين الماضي: إن إمدادات الطاقة الهزيلة ليست سوى مرحلة مؤقتة ويمكن احتواء تأثيرها على الاقتصاد، حيث ستنفذ الحكومة تدابير للسيطرة على المشكلة وتحديدا ارتفاع أسعار الطاقة.. وبالفعل منذ بداية أكتوبر صدرت أوامر إلى مناجم الفحم بزيادة الإنتاج بعد أشهر من أوامر مخالفة لذلك كانت تندرج تحت استراتيجية الدولة لخفض الانبعاثات.

لويس كويجس رئيس قسم الاقتصاد الآسيوي في “أكسفورد إيكونوميكس” قال في تصريح لشبكة “سي إن إن”: “نعتقد أن نقص الكهرباء وخفض الإنتاج سيكونان مشكلة أقل في وقت لاحق من الربع الرابع”.

وعلى النقيض بالنسبة لأزمة قطاع العقار، يرى إيدان ياو كبير الاقتصاديين الناشئين في آسيا في “أكسا إنفستمنت” في تصريح لـ”سي إن إن” نشر قبل أيام، إن تداعيات حملة بكين على قطاع العقار هي التحدي الرئيسي طويل الأجل، لذا من شبه المؤكد أن الركود العقاري سيستمر في التأثير على النمو الاقتصادي خلال الربع الرابع وربما العام المقبل أيضا.

ضعف الأداء الاقتصادي سيستمر ولكن

 في ضوء العوامل السابقة، خفضت “أكسفورد إيكونوميكس” توقعاتها لنمو الاقتصاد الصيني في الربع الرابع إلى 3.6٪، ليسجل أسوأ أداء له منذ الربع الثاني من عام 2020.

 كما خفض  بنك “باركليز” توقعاته للربع الرابع بمقدار 1.2 نقطة مئوية إلى 3.5٪ عقب الإعلان عن نتائج الربع الثالث، وأيضا خفض توقعاته لإجمالي نمو الناتج المحلي للصين من 8% إلى 6% في حال استمرت ضغوط أزمة الطاقة حتى نهاية 2021، وكذلك خفضت مجموعة ANZ الأسترالية توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني خلال العام الجاري إلى 8% نزولا من 8.3%.

لكن وكما قال “جولدمان ساكس” في مذكرة الإثنين الماضي، هناك علامات مشجعة أظهرها الاقتصاد الصيني خلال الربع الثالث أهمها نمو مبيعات التجزئة بنسبة 4.4٪ في سبتمبر، مقارنة بنمو بـ 2.5٪ في أغسطس بفضل جهود الدولة في الحد من انتشار كورونا، كما انخفضت البطالة إلى 4.9% في سبتمبر، وحافظت صادرات البلاد على نمو مزدوج الرقم في الأرباع الثلاثة الأولى من العام.

وتوقع محللو البنك استمرار انتعاشة إنفاق المستهلكين في الربع الرابع في حال عدم تسجيل زيادة جديدة في معدل الإصابة بكورونا، وقالوا: على الرغم من تباطؤ النمو في الربع الثالث، فإن الصين أيضًا في طريقها وتمتلك القدرة لتحقيق هدف نمو إجمالي بأكثر من 6% خلال 2021.

الصين دائما تفاجئ العالم، فكما فعلتها العام الماضي وتمكنت من النجاة من كبوة الركود، فيمكنها أن تفعل هذا بنهاية العام الجاري وتحقق نموا بنسبة 6 أو 8% كما تشير غالببة التقديرات، حتى مع خفض السقف قليلا فالجميع ما زال متفائلا بشأن الاقتصاد الصيني رغم وجود علامات ضعف ظاهرة بقوية يجب أن تدفع صانعي السياسات خلال الفترة المقبلة إلى اتخاذ المزيد من الخطوات لدعم النمو خلال الربع الرابع والعام المقبل كذلك، كتخفيف بعض قيود الائتمان وتخفيف قبضتها على الأسواق وتحديدا سوق العقار، وتقليص كمية السيولة النقدية التي يجب أن تحتفظ بها البنوك في احتياطياتها، لدعم السيولة.

ربما يعجبك أيضا