المستوطنون الصهاينة يغلقون «باب الله»

محمود

كتب – محمد عبد الكريم

القدس المحتلة – لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بابتلاع وسرقة الماء والأرض والهواء الفلسطيني، بل تعداها إلى محاربة الفلسطينيين في رزقهم وزيتونهم الذي بات رمزا وطنيا فلسطينيا يعكس صمودهم وتجذرهم في أرضهم رغم كافة محاولات الاقتلاع.

بل إن الزيتون تجاوز دلالته الرمزية وتحول إلى احتياج اقتصادي ففي بلد يفتقر إلى الموارد الطبيعية، ويسرق فيه الاحتلال ما وجد من مقومات اقتصادية، تحول الزيتون في فلسطين إلى ما يعرف بـ”الذهب الأخضر”، بالرغم من عدم وجود إحصائية حديثة لتلك الاعتداءات وأماكن وقوعها، مقارنة بالتي جرت العام الماضي، فإنّ المراقبين يؤكدون تصاعدها بشكل لافت كمّاً ونوعاً، ما يسبب خسائر فادحة للمزارعين الذين يعتمدون على موسم الزيتون في معيشتهم، وينتظرونه انتظاراً، لقطف الثمار وعصرها وبيع الزيت، لتسديد ما عليهم من التزامات.

 في وقت طالب فيه رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، المجتمع الدولي والمنظمات العاملة في مناطق السلطة، بإعلاء الصوت حيال ازدياد موجة العنف ضد الفلسطينيين، حيث يستغل المستوطنون أن كثيراً من القرى المنتجة للزيت، تقع بالقرب من مستوطناتهم، وتحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، لينفذوا هجماتهم.

وأحصت صحيفة «هآرتس»، حسب بيانات عسكرية رسمية، أنه في عام 2019 تم تسجيل 363 هجوماً للمستوطنين ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية، بينما قفز هذا الرقم العام الماضي إلى 507 هجومات، في حين شهد النصف الأول من العام الحالي، فقط، حوالي 416 هجوماً.

ونقلت «هآرتس» عن مسؤولين في المنظومة الأمنية الإسرائيلية، أن ديسمبر 2020 كان علامة فارقة في تصاعد الجريمة ضد الفلسطينيين، بعد مقتل مستوطنة قرب جنين، ومقتل مستوطن خلال مطاردة الشرطة له. ويرى مسؤولون أن السياسة التي يقوم جيش الاحتلال بانتهاجها، تسمح بالاعتداءات على الفلسطينيين، حيث تحاول المنظومتان الأمنية والسياسية الإسرائيلية، الامتناع عن مواجهة المستوطنين وتسمح لهم بالقيام بكل ما يرغبون به.

وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، الأربعاء، إن إسرائيل اقتلعت منذ عام 1967 أكثر من مليونين و500 ألف شجرة، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بينها نحو مليون شجرة زيتون.

ويقدر مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (حكومي) عدد أشجار الزيتون في الضفة الغربية وقطاع غزة بنحو 11 مليون شجرة.

هذا التطور الخطير تكثفت حالاته خلال العام الجاري، مع تزايد اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال على المزارعين الفلسطينيين منذ بدء موسم قطف الزيتون منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إذ لم تتوقف تلك الاعتداءات اليومية. وشهد هذا الموسم عشرات الاعتداءات على المزارعين قاطفي الزيتون في مختلف محافظات الضفة الغربية، وتنوعت تلك الاعتداءات ما بين منع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، والاعتداء عليهم خلال تواجدهم فيها، وسرقة الثمار بعد قطافها، وصولاً إلى قطع الأشجار أو حرقها وتجريف الأراضي.

وفي كلّ الحالات، تمنع قوات الاحتلال المزارعين الفلسطينيين من الوصول طوال أيام السنة إلى أراضيهم تلك، إلا بعد الحصول على تصاريح خاصة ولمدة محددة لا تزيد على أيام محددة عبر بوابات عسكرية تفتح وتغلق في ساعات معينة، وهي مدد غير كافية لجني المحصول من عشرات الدونمات، ما يجبر المزارع الفلسطيني على ترك الثمار على الشجر، فريسة سهلة للمستوطنين الذي يتجولون في كلّ مكان من دون أيّ رادع لهم.

وافاد مركز أبحاث الأراضي بأن”موسم الزيتون بات مهدداً بالفعل، من جراء تعاظم اعتداءات الاحتلال والمستوطنين، فهناك آلاف الدونمات المزروعة بالزيتون باتت مهجورة، لأنّ أصحابها ممنوعون من الوصول إليها، أو أنّهم غير قادرين على رعايتها وتقليم الأشجار وإزالة الحشائش الضارة التي تحيط بها وتتسلق عليها، ما يؤدي إلى تلفها وموتها، أو أنّها تنتج زيتوناً ذات جودة متدنية”.

وشهد الموسم الحالي للقطاف عشرات الاعتداءات من قبل الاحتلال والمستوطنين، تركزت في شمال الضفة الغربية، كونها مناطق تشتهر بزراعة الزيتون، مثل قرى وبلدات نابلس وقلقيلية وطولكرم، كما أنّ تلك المواقع تعاني من سرطان استيطاني، يتمدد بشكل كبير، ومن مستوطنين يعتبرون الأشرس، ويحظون بدعم غير مسبوق من قوات الاحتلال.

وتركزت تلك الاعتداءات على سرقة ثمار الزيتون وتكسير الشجر، وضرب المزارعين ومنعهم من الوصول لأراضيهم، فيما تراجعت ظاهرة حرق المستوطنين للأراضي الزراعية، لكن في هذا العام برز دور جنود الاحتلال في مساندة وحماية المعتدين، واستخدام الرصاص وقنابل الغاز في مواجهة الهبات الفلسطينية الشعبية لصد تلك الهجمات، ما أوقع إصابات مباشرة في صفوف الفلسطينيين.

منظمة “بيتسليم” الحقوقية الإسرائيلية المعارضة لسياسات دولة الاحتلال، أكدت في تقرير لها، أنّ موسم قطاف الزيتون أصبح مشوباً بالمعاناة بدلاً من أن يظل موسماً احتفالياً للأسر الفلسطينيّة، من جرّاء الاستيلاء على الأراضي وتقييد وصول المزارعين إلى ما تبقّى من أراضيهم واعتداءات المستوطنين على قاطفي الزيتون وإتلاف الأشجار نفسها، لوقوع بعض حقول أشجار الزيتون بجوار المستوطنات أو داخلها ما يمنعهم من الوصول إليها. ووفق “بيتسيلم” فإنّ جيش الاحتلال يتيح للمزارعين في بعض المناطق الوصول إلى أراضيهم مرّتين في السنة فقط (القطاف والحرث) ولأيّام محدودة، لكن كثيراً ما يعيد الجيش الإسرائيلي المزارعين إلى منازلهم بشتى الحجج سواء في المرة الأولى أو في الثانية، وهو ما يُبقي أشجارهم من دون عناية، ويتكبّد المزارعون بسبب ذلك خسائر كبيرة، وهو ما يجبر بعضهم على البحث عن سُبل معيشة أخرى وهجر أراضيهم، بينما يتعرّض المزارعون لاعتداءات المستوطنين سواء عليهم أو على أشجارهم، بالرغم من التواجد الدائم لجيش الاحتلال في المنطقة.

وتشير منظمة “بيتسيلم” إلى أنّ بعض المعتدى عليهم لم يبلّغ بتاتًا عن الاعتداء وبعضهم الآخر بلّغ الشرطة الإسرائيلية التي حضرت إلى المكان ووثّقت الأضرار، بينما قدّم بعضهم شكوى رسميّة، لكنّ “بيتسيلم” تشير إلى أنّ المزارعين المعتدى عليهم مهما فعلوا فالنتيجة واحدة، إذ إنّ معظم ملفات التحقيق التي فُتحت أُغلقت من دون التوصّل إلى نتيجة، فالسلطات الإسرائيليّة تطلق يد المستوطنين الذين يستغلّون ذلك جيّداً ليفعلوا ما يحلو لهم بلا حسيب أو رقيب. وتقول “بيتسيلم”: “إنّ ذلك لا يحدث مصادفة بل هي سياسة تتبعها إسرائيل لكي تحقّق هذه النتيجة تحديداً فيسهل عليها الاستيلاء على مزيد من الأراضي لأجل توسيع المستوطنات أو تحقيق مصالح أخرى لها”.

وبلغ إنتاج فلسطين العام الماضي، 15 ألف طن من زيت الزيتون، وسط توقعات بأن يشهد الموسم الحالي زيادة ملحوظة ووافرة من إنتاج الزيت والزيتون. ويعد قطاع الزيتون أحد المدخلات الرئيسة لعدد من الصناعات الغذائية، ومواد التجميل والأدوية، ويذهب زيت الزيتون منخفض الجودة لإنتاج “الصابون النابلسي” الشهير. وتقدر المساحات المزروعة بالزيتون في فلسطين بمليون دونم، وتفيد بيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني (رسمي) بأنّ عدد أشجار الزيتون في الضفة الغربية وقطاع غزة يبلغ 11 مليوناً، 95 في المائة منها في الضفة الغربية، والنسبة المتبقية في قطاع غزة نظراً للفارق الكبير في المساحة بين الضفة والقطاع. وتنتشر أشجار الزيتون على أكثر من 50 في المائة من مساحة الأراضي المزروعة بالأشجار المثمرة، في أراضي السلطة الفلسطينية، وفقاً للمصدر نفسه. وتعتمد قرابة 100 ألف أسرة على قطاع الزيتون كمصدر أساسي للدخل، لتحضر بذلك الجوانب الاقتصادية لزيت الزيتون بقوة في هذا القطاع، نظراً لاعتبار الزيتون أحد المكونات الأساسية للأمن الغذائي الفلسطيني.

ربما يعجبك أيضا