الموقف العربي والإسلامي من الاشتباك الطائفي في الهند

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

منذ صعود حزب بهارتيا جاناتا القومي الهندوسي الحاكم في الهند بزعامة ناريندرا مودي، والاشتباك الإسلامي الهندوسي في تصاعد منذ أحداث المسجد البابري، وما يجري في كشمير، لكنه وصل لأشده وبشكل غير مسبوق بعد مظاهرات المسلمين العارمة في سائر ولايات الهند ضد قانون الجنسية العنصري الذي يهدف لنزع الجنسية عن عدة ملايين من المسلمين خصوصا في ولاية آسام.

ودائما في كل هبة للمسلمين في الهند، يأتي الرد الهندوسي سريعا حيث تقوم مليشيات الهندوتفا الإرهابية وحشود هندوسية باستهداف وتخريب ممتلكات ودور عبادة للمسلمين هناك، و الذي يقترب عددهم من 200 مليون نسمة، ما يسفر بشكل مستمر عن قتلى ومصابين.

ولا شك أن الجمهور العربي والطبقة السياسية في عصر ثورة السوشيال ميديا يصلها مئات المقاطع المرئية والتقارير الصحفية المترجمة عن الاضطهاد الممنهج الذي يتعرض لها المسلمون في الهند، بل وصلها كذلك اتهامات فضائيات الإعلام الهندوسي وقيادات وأعضاء في حزب بهارتيا جاناتا ومليشيات “آر إس إس” و”هندوتفا” للمسلمين بالعمل على نشر كورونا في الهند بشكل ممنهج خصوصا عبر جماعة التبليغ والدعوة الهندية، وهو ما نفاه قيادات المسلمين في الهند حينها، ليس بالأقوال فقط وإنما بالأفعال على الأرض حيث قدموا المساعدات لكافة أطيف الشعب الهندي وحولوا مساجدهم إلى مستشفيات ميدانية، كما كان من اللافت أن البروفيسور ابوروانند بجامعة نيو دلهي وهو من الهندوس كتب مقالا أكاديميا عن كيفية “إلقاء اللوم على المسلمين في تفشي فيروس كورونا بالهند حيث سلط الضوء على حقيقة ما يجري من إسلاموفوبيا في الهند وزيادة حملات الكراهية والتطرف ضد المسلمين.

كم عدد المسلمين في الهند

القيادات الهندية المسلمة

الزعيم الهندي أسد الدين أويسي زعيم “حزب اتحاد المسلمين في الهند”، انتقد الحزب الحاكم مرارا مؤكدا أن هذا حزب “بهاراتيا جاناتا” خلق هذا الوحش (إعدامات المسلمين في الطرقات)، فهو يقتل المسلمين والمنبوذين (طائفة من الهندوس)، ما يعني تتعرض قيم التعددية ومبادئ بلادنا للخطر، وتساءل:”قتل العشرات من المسلمين وطائفة الداليت (المنبوذون) على أيدي المليشيات، فلماذا لا توقفهم حكومة مودي؟”، وقال بعدها بأشهر: “حقيقة أن السم ازداد وأصبح من الصعب في أيامنا هذه التفرقة بين حزب”بهاراتيا جاناتا”وحزب “المؤتمر الوطني”،كما أن قائد المؤتمر يحاول إظهار أنه أكثر طائفية من ناريندرا مودي، وهناك تمييز ضد المسلمين في العثور على الوظائف وكذلك في التعامل مع الشرطة، وهذا بلدنا كما هو بلدكم. لسنا مستأجرين، إننا مالكون أيضاً لهذه الأرض. يجب أن نأخذ حقوقنا”.

فيما قال الكاتب والمحلل الهندي ظفر الإسلام خان، رئيس لجنة الأقليات في الهند أثناء أحداث دلهي: “أيها المتعصبون، اختار المسلمون الهنود حتى الآن عدم تقديم شكوى للعرب والعالم الإسلامي حول ما يعانونه من حملات كراهية وحالات قتل وإعدام وأعمال شغب”، وذكر أنه في حالة اضطرار مسلمي الهند تقديم شكوى للعالم الإسلامي؛ فـ”سينهار المتعصبون الهندوس”.

لكن ظفر الإسلام خان نفسه بات بعد تلك التصريحات يستنجد بالبلدان العربية والشعوب العربية والمسلمة على عدد من الفضائيات العربية.

خطاب الكراهية وتبلور الموقف العربي

ولعل الموقف العربي بدأ يتبلور بشكل واضح مع تناول صفحات التواصل الاجتماعي لما يجري في الهند من جرائم واستهداف ممنهج للمسلمين. 

كما أن وسائل إعلام عربية سلطت الضوء سواء عبر شاشاتها الفضائية أو عبر وسائطها المتعددة على ما يجري من انتهاكات، ومن مظاهر الوعي العربي تصدر وسم “نصرة مسلمي الهند” لمواقع التواصل في عدد كبير من البلدان العربية كان منها مصر وعدد من دول الخليج، الأمر الذي دعا وسائل الإعلام العربية ومنها المواقع الإخبارية العربية لتسليط الضوء على ما يجري.

الموقف العربي المؤسسي والرسمي:

أ- منظمة التعاون الإسلامي

أدانت منظمة التعاون الإسلامي مرارا وتكرار الاعتداءات العنصرية التي يتعرض لها المجتمع المسلم في ولاية آسام الهندية وكشمير خاصة وفي الهند عامة.

حيث دعت الأمانة العامة للمنظمة الحكومة الهندية إلى حماية الأقلية المسلمة خصوصا فينا يتعلق بقضية حقوق المواطنة و وحماية الأماكن الإسلامية المقدسة في الهند.

 ب- الأزهر

وقف الأزهر بشكل صارم مع المسلمين في الهند، وأدان كل ما تعرضوا له من اضطهاد خصوصا فيما يتعلق بقانون الجنسية الجديد، واستهداف مناطقهم وقراهم ومساجدهم، وأشار إلى أن هذا التمييز الديني مستغرب على دولة الهند التي كانت مثلا في التعددية الدينية وقبول الآخر.

كما سلطت مجلة الأزهر وصحيفة صوت الأزهر الضوء بشكل واسع وعبر تحقيقات صحفية ما يجري للمسلمين في الهند، كذلك نشر مرصد الأزهر الشريف لمكافحة التطرف دراسة عن دور الإعلام الهندي في تزايد جرائم الكراهية ضد المسلمين ، حيث سلط الضوء على ضمان أي مجرم متطرف الإفلات من العقاب حتى إذا اعتدى على المسلمين في طرقات الهند وقام بتوثيق فعلته.

ج- مرجعيات سنية

كذلك أدانت رابطة علماء المسلمين وهيئة علماء المسلمين في العراق ورابطة علماء الكويت وجمعية علماء المسلمين في الجزائر ورابطة علماء المغرب العربي ورابطة أهل السنة وعشرات الروابط العلمية ما يجري من اضطهاد للمسلمين ودعت إلى مقاطعة المنتجات الهندية، وحث أولياء الأمور في العالم الإسلامي على التدخل لإنقاذ المسلمين.

د- بلدان إسلامية

وبالإضافة لموقف منظمة التعاون الإسلامي التي تمثل بشكل رسمي البلدان العربية والإسلامية، تحرك نواب في مجلس الأمة الكويتي، ما دعا الكاتب والمحلل الهندي ظفر الإسلام خان، لتوجيه الشكر للكويت لاهتمامها بمسلمي بلاده، وقال خان: “أشكر الكويت على وقوفها بجانب مسلمي الهند، حيث يعتقد الهندوس المتشددون أن العالم العربي لن يهتم بما يعانيه المسلمون في الهند من اضطهاد، هم نسوا أن المسلمين الهنود يتمتعون بمكانة كبيرة في العالم العربي وبين مسلمي العالم أجمع، لدورهم في خدمة القضايا الإسلامية على مر العقود”، وأضاف: “أسماء مثل شاه ولي الله دهلوي، وإقبال، وأبوالحسن ندوي، ووحيد الدين خان، وذاكر عبدالكريم، وغيرهم من الأسماء يحظون باحترام كبير في العالم العربي والإسلامي”.

https://twitter.com/aarifshaah/status/1455238583753662465

الموقف العربي الشعبي:

  • تعج وسائل التواصل الاجتماعي بعشرات المقاطع المرئية لعمليات استهداف واضطهاد للمسلمين في الهند، بشكل خطير يحمل في طياته مؤشرات خطيرة على مستقبل العلاقات بين القوميات في الهند، الأمر الذي شكل وعي المواقف العربية الشعبية، لذا خرج عدد كبير من أصحاب الحسابات الجماهيرية لنشر قوائم بالمنتجات الهندية لمقاطعتها، منهم علماء وكتاب ومفكرين من المحيط إلى الخليج.
  • كذلك تغيير أسماء مدن إسلامية كمدينة “الله آباد” إلى اسم هندوسي و حظر إقامة الصلوات الخمس في مسجد تاج محل والتهديد بهدم المسجد الجامع في دلهي على لسان النائب في البرلمان والزعيم المتطرف ساكشي مهراج المنتمي لحزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي، كلها عوامل أدت لمعرفة الشعوب العربية بما يجري للمسلمين في الهند من اضطهاد ممنهج مدعوم من الحزب الحاكم لذا لم يعد تصدر وسم “مقاطعة المنتجات الهندية” يثير أي استغراب.
  • كما وصلت دعوات مقاطعة المنتجات الهندية، إلى فضائيات إسلامية دينة وعربية، الأمر الذي جعل الدعوات تصل للملايين من المتلقين والمشاهدين ممن لا حظ لهم مع مواقع التواصل الاجتماعي.

الخلاصة

كما هو ظاهر فالموقف العربي أصبح ككرة الثلج يكبر مع كل مجموعة من المقاطعة المرئية التي تظهر قتل المسلمين في الهند، وكان آخرها مقطع لقتل قروي في ولاية آسام، تم قتله والتمثيل بجثته بل قام الصحفي المرافق للقوات الهندية بالقفز فوق جثمانه بلا رحمة.

فالمقاطعة تعتبرها الشعوب العربية وسيلتها الوحيدة في التعبير عن موقفها مما يجري لإخوانهم في الهند، خصوصا أن الإعلام العالمي يسلط الضوء من جانب آخر على ما يجري للمسلمين، ويبرز تصريحات القيادات الهندوسية المتطرفة أو تصريحات أعضاء الحزب الهندوسي الحاكم التي لا تقل عنصرية وكراهية عن تصريحات زعماء مليشيات هندوتفا ومليشيات “آر إس إس” والمليشيات المنبثقة عنهم كـ”جيش راما” .

كذلك من أهم ما وصل إليه الموقف العربي الشعبي هو تأييد استبدال كل من يثبت تأييده لاضطهاد المسلمين في الهند من العاملين الهندوس بالدول العربية بعمال من المسلمين من الهند وبنغلاديش أو جنوب شرق آسيا، حيث أن الدعوات الشعبية تطالب بطرد كل من يثبت تأييده لما يجري للمسلمين في الهند من مظالم.

الأمر الأخير أن الموقف العربي المتفاعل مع قضية الهند ، سلط الضوء من جديد على الحصار الذي يتعرض له الشعب الكشميري منذ شهور منذ إلغاء الحزب الحاكم في الهند الحكم الذاتي في الولاية ذات الغالبية المسلمة.

https://twitter.com/aarifshaah/status/1453058337419849730

ربما يعجبك أيضا