استغلال الضعفاء.. أزمة المهاجرين تتفاقم على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

في تصعيد دراماتيكي لأزمة الهجرة المستعرة على حافة الاتحاد الأوروبي، وصل الآلاف من طالبي اللجوء إلى حدود بولندا مع بيلاروسيا، كثير منهم فروا من ظروف خطرة في دول الشرق الأوسط.

اندلعت اشتباكات مع شرطة مكافحة الشغب البولندية، بعد أن حاول طالبو اللجوء دخول بولندا عن طريق قطع السياج الحدودي، ونشرت الشرطة بخاخات كيماوية لدفع الناس إلى الخلف.

تلوم بولندا والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وآخرون بيلاروسيا على تعمد إشعال الأزمة من خلال السماح للأشخاص الذين يرغبون في القدوم إلى الاتحاد الأوروبي من الشرق الأوسط وأفريقيا بالسفر إلى مينسك، ثم توفير وسائل النقل لهم إلى الحدود البولندية.

ويقول القادة الأوروبيون إن الدافع وراء رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، هو الانتقام من العقوبات وانتقاد حملته الوحشية على المعارضة البيلاروسية، يعتقد مراقبون آخرون أنه يريد انتزاع تنازلات من الاتحاد الأوروبي وآخرين.

وردت السلطات البولندية بقسوة على وصول المهاجرين، وفرضت حالة طوارئ تمنع وصول المساعدات إلى المحاصرين في المنطقة الحدودية، وسمحت القوانين التي تم إقرارها حديثًا للشرطة بتجاهل طلبات اللجوء وطرد المهاجرين بإجراءات موجزة إلى بيلاروسيا.

ووافقت الحكومة أيضًا على جدار حدودي جديد على غرار دونالد ترامب لإبقائهم خارج البلاد، ووفقًا للحكومة، فقد حدثت حوالي 30 ألف محاولة عبور حدودي هذا العام، بما في ذلك 17 ألفًا في أكتوبر.

618a11964e3fe10a2ca48fbc

استغلال الضعفاء

ليس من الغريب أن الرجل الذي يعامل مواطنيه بوحشية ألا يقسو على الآخرين، حيث قام الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الذي سجن معارضيه واعتقل عشرات الآلاف، بتشجيع الناس من الشرق الأوسط وأفريقيا على القدوم إلى مينسك اعتقادًا منهم أنه سيكون من السهل دخول الاتحاد الأوروبي.

الآن، يستخدم الرئيس البيلاروسي هؤلاء الأشخاص الضعفاء «كسلاح»، انتقاما من عقوبات الاتحاد الأوروبي على بلاده بسبب نظامه، واتهمته المفوضية الأوروبية باتباع تكتيكات العصابات.

ويقوم لوكاشينكو بتوفير وسائل نقل هؤلاء الأشخاص إلى الحدود البولندية، حيث ينتظر الآلاف منهم الآن هناك، مع علمهم أنه سيتم رفضهم، يقول أحد اللاجئين السوريين: «نحن مجرد أداة لممارسة الضغط»،بحسب تقارير.

تصرفات مهينة

ووصف خبراء تصرفات الرئيس البيلاروسي بالمهينة، حيث يعاني الآلاف من طالبي اللجوء في المنطقة الحدودية، ومن بينهم أطفال وكبار السن في درجات حرارة دون الصفر ودون طعام أو مأوى.

وفي الأسابيع الأخيرة، لقي 8 أشخاص حتفهم، ويعتقد عمال الإغاثة أن الرقم الحقيقي أعلى، ومع ذلك فإن بولندا تتعامل مع وصول هؤلاء اليائسين ليس على أنه أزمة إنسانية ، بل غزو.

في حين قبلت ليتوانيا ولاتفيا في وقت سابق مساعدة الاتحاد الأوروبي في التعامل مع طالبي اللجوء عبر بيلاروسيا.

وفي صراع حول سيادة القانون مع بروكسل، تستغل وارسو المهاجرين للاستفادة سياسياً من المشاعر المعادية للاتحاد الأوروبي والمناهضة للمهاجرين، وقد بذلت جهوداً مثيرة للاشمئزاز لتشويه سمعتهم.

ويشكل اللاجئون في بولندا 0.6٪ فقط من سكانها البالغ عددهم 445 مليون نسمة، مقارنة بـ 4.4٪ من سكان تركيا البالغ عددهم 84 مليون نسمة، لكنها أثبتت عدم قدرتها على الوصول إلى استراتيجية جماعية.

المملكة المتحدة أيضًا، معادية بشكل متزايد، حيث تسعى الحكومة إلى منح موظفي قوة الحدود حصانة من الملاحقة القضائية إذا مات المهاجرون أثناء دفعهم إلى القوارب، مثل هذه المقاربات والخطابات المصاحبة لها لا تستجيب فقط للضغوط السياسية؛ أنها تغذي الشعور المناهض للمهاجرين.

F7LIXWKGXNJYRLIL6XK6G6LFUQ
Migrants gather in a camp near the Belarusian-Polish border as they attempt to cross it in the Grodno region, Belarus November 10, 2021. Leonid Scheglov/BelTA/Handout via REUTERS

«أمر غير مقبول»

في آخر التطورات المتلاحقة على خلفية تفاعل هذه القضية الإنسانية المنفجرة، قال شتيفن زايبرت الناطق باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بأنها طلبت من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتحرك ضد استغلال المهاجرين من قبل النظام البيلاروسي.

وقالت المستشارة المنتهية ولايتها إن استغلال المهاجرين أداة على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا «أمر غير مقبول».

وفي وقت سابق، أعلن وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، تأييده لفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة ضد بيلاروسيا، متهما الرئيس ألكسندر لوكاشنكو باستغلال المهاجرين بإرسالهم إلى الحدود البولندية.

وأمس الأربعاء طلبت إستونيا وفرنسا وإيرلندا، اجتماعًا طارئًا لمجلس الأمن الدولي بشأن أزمة المهاجرين على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، وفق ما أفادت مصادر دبلوماسية لوكالة «فرانس برس».

في الأثناء اتخذت روسيا خطوة نادرة بإرسال قاذفتين إستراتيجيتين بقدرات نووية للقيام بدورية في المجال الجوي لبيلاروسيا اليوم تعبيرا عن دعمها لحليفتها المقربة.

وينحي رئيس بيلاروسيا لوكاشينكو وحليفه الرئيس الروسي بوتين باللائمة على الاتحاد الأوروبي، إذ يتهم الكرملين أوروبا بعدم الالتزام بالمُثُل الإنسانية الخاصة بها ومحاولة«خنق» بيلاروسيا بخطط إغلاق جزء من الحدود.

ويخشى الخبراء من انزلاق الأمور نحو صدام عسكري بين بيلاروسيا وبولندا، خاصة أن الحملات الإعلامية والتراشق بين مسؤولي الجارتين اللدودتين على أشدها، ومن خلفهما يقف كل من روسيا والاتحاد الأوروبي، على وقع تفجر أزمة المهاجرين التي يبدو أن انعكاساتها السياسية باتت تخطف الأضواء عن جوانبها الإنسانية الملحة.

على المدى القصير، قد يكون الاتحاد الأوروبي محقًا في أن الضغط على شركات الطيران لوقف الرحلات الجوية إلى بيلاروسيا، وتحذيرها من أنها ستواجه عقوبات، قد يساعد في معالجة المشكلة الفورية.

لكنها لن تحل المشكلة الأساسية المتمثلة في أن الحرب وانعدام الأمن يدفعان الناس إلى ترك منازلهم، وسيُجبر المزيد منهم في فعل ذلك في المستقبل، ومن الممكن العمل على استجابة أكثر عدلاً وإنسانية عبر القارة، فالأحداث الجارية هي دليل آخر على أن ذلك ضروري.

ربما يعجبك أيضا