مركز الإنذار المبكر: عين الرمّانة ٢.. هل تشتعل الحرب الأهلية الصامتة في لبنان؟

يوسف بنده

رؤية

تناول تقرير تحليلي نشره مركز الإنذار المبكر الأوضاع المتأزمة في لبنان، وجاء فيه: لا يكفي الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان كمحددات توظّفها الطبقة السياسية في إدارة الصراع بين مكوناتها، بل يتضح بمرور الوقت أن الانهيار الذي تسببت به الطبقة نفسها بشكل كبير على مدار عقود، هو البيئة المواتية لتكريس الاستقطاب السياسي والانحدار به إلى مزيد من الشحن والتمترس الطائفي، وذلك أولاً عبر نافذة التحقيق في انفجار مرفأ بيروت الذي سرعان ما تحوّل منذ الشروع فيه قبل شهور إلى ساحة جديدة للكباش الطائفي المتنامي وبوتيرة متسارعة في الآونة الأخيرة تجلّت عبر سلسلة من حوادث العنف المناطقي والعشائري والسياسي وأخيراً الطائفي، وبلغت ذروتها مع ما حدث من قتل واشتباكات منتصف أكتوبر الماضي في منطقة عين الرمانة/ الطيونة، وما جرى بعدها من شدّ للعصب الطائفي مشابه إلى حد كبير بما كان يحدث قبيل الحرب الأهلية اللبنانية، والتي انطلقت شراراتها 1975 من نفس المنطقة.

ويبلغ استغلال مأساة انفجار مرفأ بيروت حدوداً خطرة حتى بمعايير السياسة في لبنان، بل إنّه صار في الأيام الأخيرة مادة من شأنها “تفجير الحرب الأهلية الصامتة التي سادت لبنان منذ عام ١٩٩٠”، وفق رأي عدد من المتابعين الذين يعتبرون أنّ اتفاق الطائف بغطاءاته الإقليمية والدولية رسّخ ما يمكن وصفه ب”السلم الكاذب” بعد أعوام من الاقتتال الداخلي واجتياح الجيش الإسرائيلي لبيروت عام ١٩٨٢. ويقول صحافي لبناني إنّ الوضعية في لبنان كانت “إلى لحظة اغتيال رفيق الحريري عام ٢٠٠٥” محكومة بعبارة المفكّر الفرنسي ميشال فوكو بأنّ السياسة هي استمرارية للحرب وإنّما بوسائل أخرى، مستدركاً “يبدو حالياً أنّ لا ضمانات بعدم العودة إلى ما قبل عام ١٩٩٠، لتنقلب الآية من فوكو إلى نظرة الجنرال البروسي كارل فون كلاوزفيتز الكلاسيكية: الحرب هي استمرارية السياسة وإنّما بوسائل أخرى.

ويضيف التقرير: يشير الأداء السياسي والإعلامي لمعظم الفرقاء اللبنانيين قبيل وعشية حادث عين الرمانة الأخير، إلى استمرارهم في توظيف الحادث وتبعاته بلا سقف ولا خطوط حمراء، وذلك كانعكاس لأزمات متراكمة مزمنة تخص تركيبة الطائف السياسية التي تحكم لبنان منذ 1990، والتي يشكل مهربهم الوحيد منها إحداث مزيد من الأزمات حتى وإن كانت مثل الحادث الأخير من حيث وضع لبنان ككل على شفير الاقتتال الأهلي، ولو من باب تذكير اللبنانيين بالحرب الأهلية اللبنانية كآلية للحشد الانتخابي وشد العصب الطائفي والسياسي، وتوظيف مخاوف الناس وحشدهم انتخابياً انطلاقاً من أرضية اقتتال أهلي بعناوين طائفية، خاصة مع شح المال السياسي الداخلي والخارجي المعتاد عند كل موسم انتخابي.

 ويمكن ملاحظة أن حوادث العنف الممنهج المتواترة في الفترة الأخيرة في لبنان قد حملت في طياتها حسابات مناطقية وانتخابية، ليس فقط من منطلق تحديد مناطق التواجد والنفوذ وعلاقتها بقانون الانتخابات، ولكن أيضاً لضبط التراتبية الهرمية داخل كل تنظيم سياسي في كل طائفة، وذلك كمعالجة صادمة وسريعة للتشظي والضعف الذي اعترى البُنى التنظيمية في مختلف الأطر السياسية/ الطائفية على مدار السنوات الماضية، والتي فاقمها الانهيار وتبعاته الاقتصادية والاجتماعية وجعل منها فرصة لمناخ قضم متبادل بين مختلف هذه القوى حتى داخل الطائفة الواحدة والتيار السياسي الواحد، وليس فقط بين الطوائف والتيارات السياسية واستقطابها المعتاد.

هنا نجد أن خطورة حادثة عين الرمانة 2 يكمن في أنها الأولى التي تأتي كتقاطع بين سياقات سياسية وطائفية تُرجع اللعبة السياسية والتركيبة الاجتماعية/ المناطقية لبيروت إلى منطق خطوط التماس انتخابياً وأمنياً، وكذلك كضربة قاصمة لمحاولات كبح جماح آثار الانهيار الاقتصادي، باعتبار أن حكومة ميقاتي بمثابة حكومة إنقاذ تعبر عن ضرورة حتمية لتجنب الأسوأ الذي حدث بالفعل، ولكن من باب موضوع التحقيق في انفجار المرفأ، ورهن استمرار هذه الحكومة والترتيبات التي وقعت على عاتقها مثل آليات المساعدات الدولية ومشاريع البُنى التحتية والطاقة وغيرها من جهود كبح الانهيار، بمسار التحقيق واستمرار البيطار في عمله.

للاطلاع على التقرير الأصلي، اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا