بسبب موجة الغلاء.. قلق الداخل الإيراني من فشل المحادثات النووية المقبلة

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

قبل أيام، كشف حكومة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، عن أن دولة أجنبية وافقت على الإفراج عن أموال إيرانية بقيمة تزيد عن 3.5 مليار دولار تم تجميدها سابقا بفعل العقوبات الأمريكية ضد طهران. وذلك، حتى تظهر حكومة رئيسي أي نجاح لها بعد 100 يوم من رئاسته. وأيضًا بسبب الارتفاع التصاعدي لأسعار النقد الأجنبي وأسعار السلع في إيران، وهو ما يهدد الاقتصاد الإيراني بالانهيار، وذلك بعدما ارتفع سعر الدولار، اليوم الأحد، إلى 28 ألفا و700 تومان.

وقال رئيس غرفة التجارة الإيرانية العراقية المشتركة، يحيى إسحاق، لوكالة “إلنا” المختصة بالشأن الاقتصادي، إن “استعادة 3.5 مليار دولار من أموال إيران المجمدة لم يكن من العراق”، مستطردا: “ربما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية”.

وقالت صحيفة “ستاره صبح” إن خبر إطلاق سراح أموال إيرانية مجمدة في الخارج، قبل أيام، قد يكون حيلة لخفض أسعار العملات الصعبة في الأسواق، لكن عندما نراجع وضع الأسواق نجد أن طوابير شراء العملة الصعبة لا تزال طويلة، بل إن الطلب على شراء الدولار في الأيام الأخيرة أصبح زائدا بشكل ملحوظ، وهذا يدل على أن الناس ليس لديها ثقة في المفاوضات النووية المقبلة.

ولدى طهران أموال مجمدة لدى دول مختلفة منها الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية وعمان وبريطانيا واليابان ولوكسمبورغ والعراق والصين حيث تقول وكالة الطلبة الإيرانية (إيسنا) إن مجموع هذه الأموال تصل إلى 50 مليار دولار.

وفي وقت سابق، أعلن فيه نائب وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كني، أن بلاده توصلت إلى اتفاق مع بريطانيا يقضي بسداد لندن دينا بمبلغ 400 مليون جنيه استرليني لطهران عن الدبابات البريطانية التي لم يتم تسليمها لإيران عام 1979.

الدولار الحكومي

وفي الأثناء، شرع البرلمان الإيراني، في مناقشة قانون لحذف السعر الحكومي للدولار الذي أقرته الحكومة السابقة. وفي المحطة الأولى، لم يوافق المشروع على لائحة الإلغاء العاجل للقانون.

وخصصت الحكومة الدولار بسعر 42 ألف ريال للوزارات والمؤسسات التابعة للدولة، قبل أن تبدأ الإدارة الأميركية فرض عقوبات اقتصادية على طهران في مايو (أيار) 2018، ودخولها مسار التنفيذ في أغسطس (آب) من نفس العام.

وحسب تقرير صحيفة الشرق الأوسط، فقد فقد الريال، وهو العملة الرسمية لإيران، نحو 75 في المائة من قيمته، في الشهر الأول من تطبيق العقوبات الأميركية، وذلك بعد تقلبات على مدى شهور بسبب ضعف الاقتصاد والصعوبات المالية التي واجهت البنوك المحلية والطلب القوي على الدولار من الإيرانيين قبل أن تبدأ المرحلة الأولى من فرض العقوبات النفطية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، وتوسيع نطاق تلك العقوبات في مايو 2019.

ويعرف السعر المدعوم حكومياً باسم «دولار جهانجيري»، في إشارة إلى خطة إسحاق جهانجيري، نائب الرئيس السابق، وبدأت الحكومة السابقة في 9 أبريل (نيسان) 2018 تطبيقها بهدف السيطرة على أزمة الدولار، قبل أن يخصص لدعم شراء السلع الأساسية، وتلبية حاجات بعض الوزارات، مثل وزارة الصحة.

وكانت مبادرة جهانجيري من القضايا المثيرة للجدل، في الولاية الثانية لحسن روحاني. ويلقي خبراء اقتصاديون باللوم على تلك الخطة بأنها ساهمت في تسريع الفساد والريع في المؤسسات الحكومية والاقتصادية الإيرانية، فضلاً عن تسريع وتيرة التضخم وغلاء الأسعار. ويرى المؤيدون لخطة الحكومة السابقة أنها «ساهمت في تخفيف الضغوط المعيشية». وفي المقابل، رفضت الحكومة التنازل عن السعر الحكومي للدولار، محذرة من تأثيره على موجة تضخم واسعة.

وحذّر ممثل مدينة تبريز، النائب محمد حسين فرانكي، من أن حذف العملة بالسعر الحكومي سيؤدي إلى إفلات التضخم. ولكنه بنفس الوقت قال إن الدولار المدعوم حكومياً «لم يؤثر على أسعار السلع»، لافتاً إلى أن تضخم السلع، التي يغطيها الدولار المدعوم حكومياً، بلغ 190 في المائة، خلال السنوات الأربع الماضية، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن السلع الأخرى شهدت تضخماً يصل إلى 433 في المائة في الفترة ذاتها، بحسب إحصاءات البنك المركزي. ومع ذلك، قال: «رغم نقاط الضغط في الإشراف، والريع والفساد، فإن الدولار المدعوم حكومياً ساهم في خفض التضخم، وإبقائه في أقل من 50 في المائة».

وحذّر خبراء اقتصاديون، الأسبوع الماضي، من إغراق الحكومة في مستنقع الديون، إذا أقرّ البرلمان حذف سعر الدولار المدعوم حكومياً، في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، حذّر رئيس الغرفة التجارية الإيرانية – الصينية، مجيد رضا حريري، من بلوغ معدل التضخم في إيران أخطر مستوياته طيلة العقود الأربعة الماضية، وقال لوكالة «إيلنا» الإصلاحية؛ سيكون من الصعب علينا التحكم بالتضخم إذا ما بلغ 50 إلى 60 في المائة.

وأظهر أحدث تقرير لمركز الإحصاء الإيراني أن التضخم وصل إلى 45.3 في المائة الشهر الماضي، في حين وصل تضخم السلع الغذائية إلى 61.4 مقارنة بالفترة نفسها العام الماضي.

الذهاب إلى فيينا

وتستعد إيران لاستئناف المفاوضات مع القوى العالمية الكبرى في 29 نهاية الشهر الجاري بهدف إعادة إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015.

وعلى أعتاب المفاوضات بين إيران ومجموعة “4+1” في فيينا، قام مساعد الخارجية للشؤون السياسية علي باقري بجولة أوروبية شملت باريس وبرلين ولندن ومدريد حيث أجرى محادثات مع كبار المسؤولين فيها حول العلاقات الثنائية ومفاوضات فيينا القادمة، كما التقى في مدريد منسق اللجنة المشتركة للاتفاق النووي إنريكي مورا.

كما صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، اليوم (الاثنين)، أن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي سيوزر إيران قريباً.

ونقلت وكالة «فارس» الإيرانية عن المتحدث باسم الخارجية القول: «للسيد غروسي علاقات وثيقة للغاية مع منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ومع أصدقائنا في سفارتنا بفيينا. وتم توجيه الدعوة إليه بتاريخ مقترح للزيارة، ونحن ننتظر رده».

قلق الداخل

تظهر من الداخل الإيراني إشارات قلق من فشل المحادثات النووية القادمة في فيينا؛ حيث سينعكس ذلك على الاقتصاد الإيراني بالسلب؛ ما يهدد بتفجر الأوضاع داخل إيران.

وحسب تقرير قناة إيران إنترنشنال، فقد قال الخبير السياسي، قاسم محب علي لصحيفة “ستاره صبح” إن الاتفاق النووي ستنتهي صلاحيته عام 2023 وفي حال لم تتوصل الأطراف إلى اتفاق خلال الشهرين أو الثلاثة القادمة فالاتفاق النووي سيكون ميتا عمليا.

كما قال الدبلوماسي السابق والمحلل السياسي، فريدون مجلسي لصحيفة “اقتصاد بويا” إن شروط إيران للمفاوضات النووية هي السبب في عرقلة إحياء الاتفاق النووي، معتقدا أنه لا أمل في إحياء الاتفاق النووي عبر المفاوضات النووية وعلينا أن نتوقع استمرار العقوبات.

وقال مجلسي إن العقوبات أصبحت بلاء فادحا بالنسبة للمواطنين الإيرانيين مشيرا إلى تساهل حكومة أحمدي نجاد قبل عقد من الزمن، حيث كانت السبب في إدانة إيران من كافة دول العالم، وأضاف: “حتى يومنا هذا لا يزال الناس يعيشون تحت وطأة التضخم والمشاكل الاقتصادية والفقر والبؤس الذي خلفته تلك الحكومة بسياساتها”.

أيضًا،  انتقد المحلل السياسي، حسن بهشتي، لصحيفة “آرمان ملي” سياسات الحكومة إزاء ملف المفاوضات النووية وشدد بالقول إن المفاوضات لا تعني إعلان المواقف فحسب، بل هي كذلك تعني تغيير وإصلاح المواقف أيضا، مضيفا: “على إيران أن تتنازل عن بعض مطالبها وشروطها”.

كما أشار بهشتي إلى الجولات السابقة من المفاوضات. وأكد على ضرورة أن تنطلق المفاوضات القادمة مما انتهت إليه الجولات السابقة من التفاوض بين أطراف الاتفاق النووي وأن تبدأ الأطراف الآن في التفاوض على القضايا الخلافية الأخرى.

ومن جانب الصحف المحافظة، قالت صحيفة “جوان” إن الولايات المتحدة الأميركية تخطط مع حلفائها لإبرام اتفاق مصغر مع إيران في حال موت الاتفاق النووي الحالي، موضحة أن توجه واشنطن تجاه ملف إيران قد تغير عن السابق وأن إدارة بايدن تفكر في التوصل مع إيران إلى اتفاق قد يكون أصغر من الاتفاق النووي.

وأشارت الصحيفة إلى وجود خلافات بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل حول التعامل مع إيران وطريقة تعاطي واشنطن مع الملف النووي الإيراني، ونقلت عن مصادر “مطلعة” أن الاتجاه الجديد للولايات المتحدة الأميركية ينطلق من واقع جديد وهو زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم لدى إيران، بحيث جعل ذلك البرنامج النووي الإيراني غير قابل لما كان عليه في السابق.

وذكرت “جوان” أن الجانب الأميركي كان في السابق يصرح بأنه وبعد التوصل إلى اتفاق مع إيران على برنامجها النووي تتم مناقشة القضايا الأخرى مثل البرنامج الصاروخي لإيران ودورها الإقليمي، لكن حاليا أصبح هناك توجه جديد لدى إدارة البيت الأبيض يتمثل في محاولاتهم وقف مسار تخصيب اليورانيوم فحسب.

ربما يعجبك أيضا