بعد 78 عامًا من الاستقلال.. لبنان على حدود جهنم

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

وسط أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، ترافقها أزمات سياسية واضطرابات تذكيها الانقسامات الطائفية والمذهبية، يحتفل اللبنانيون بعيد الاستقلال الـ78 عن الاستعمار الفرنسي، والذي ينظمه الجيش اللبناني.

انطلقت فعاليات احتفالات عيد الاستقلال، بحضور الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الدفاع موريس سليم ووزير الداخلية بسام مولوي وقائد الجيش العماد جوزاف عون وقائد قوة الأمم المتحدة المؤقتة بلبنان «اليونيفيل» ستيفانو دل كول وعدد من قيادات الجيش اللبناني.

ولدى وصول المشاركين في الاحتفال، عزفت فرق الموسيقى العسكرية، النشيد الوطني للبنان وموسيقى القوات المسلحة، ما تم إطلاق 21 قذيفة مدفعية ووضع الإكليل على النصب التذكاري وعرض التحية العسكرية.

وشارك في العرض العسكري وحدات من موسيقى الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان «اليونيفيل» وفصيل من الكلية الحربية والقوات البحرية والجوية والحرس الجمهوري، بالإضافة إلى فصائل من المديرية العامة للدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني والمستشفيات العسكرية.

يوم الاستقلال

طيلة أكثر من 4 قرون قبل أن يحل الانتداب الفرنسي في المنطقة تنفيذا لاتفاقية “سايكس – بيكو”، كانت المناطق اللبنانية مندمجة مع سوريا التي كانت جزءا من الولايات العثمانية.

وفي سبتمبر من عام 1920 أعلن الجنرال غورو قيام دولة لبنان الكبير معلنا بيروت كعاصمة لها وتمثل علم الدولة في دمج علمي فرنسا ولبنان معًا ووصفت الدولة الجديدة باسم لبنان الكبير على أساس ضم إليه ولاية بيروت مع اقضيتها وتوابعها.

في 23 مايو من عام 1926 أقر مجلس الممثلين الدستور وأعلن قيام الجمهورية اللبنانية، وانشأ الفرنسيون الجمهورية اللبنانية والتي تعتبر بداية التاريخ الحديث للبنان وانتخب شارل دباس كأول رئيس للبنان.

لكن مسلمي ” لبنان الكبير” رفضوا الدولة والكيان الوطني اللبناني عند نشوئه لثلاثة أسباب منها أن الدولة الجديدة جعلت منهم أقلية وهم الذين كانوا جزءا من الأكثرية المسلمة الحاكمة في العهد العثماني.

كما أن أمنيتهم بعد الانسلاخ عن الولايات العثمانية كانت الانضمام إلى دولة عربية برئاسة الأمير فيصل تضم “سوريا الكبرى” أي سوريا الحالية ولبنان وفلسطين والأردن والعراق، ولأنهم كانوا رافضين للانتداب الفرنسي على اعتبار أنه حكم دولة أوروبية أجنبية.

و في مطلع الثلاثينيات لم تعترف الحركة الوطنية السورية وممثلوها في لبنان من الزعماء السياسيين المسلمين بالكيان اللبناني وفي المفاوضات بين الحكومة الفرنسية والحركة الوطنية السورية، اشترطت فرنسا أن تسلم الحركة الوطنية السورية بالكيان اللبناني لقاء توقيع معاهدة تعترف فيها فرنسا باستقلال سوريا ولبنان.

وتبلورت صيغة رياض الصلح وبشارة الخوري وغيرهم من طلاب الاستقلال إلى أن تحولت إلى ما سمي بالميثاق الوطني اللبناني وهو يقوم على المعادلة التالية ومن أجل بلوغ الاستقلال على المسيحيين أن يتنازلوا عن مطلب حماية فرنسا لهم وأن يتنازل المسلمون عن طلب الانضمام إلى الداخل السوري العربي.

وفي 22 نوفمبر 1943 أعلن استقلال لبنان عن فرنسا وتم الاعتراف به في 1 يناير 1944 وانسحبت القوات الفرنسية في 1946.

بعد 78 عاما من الاستقلال

رحل الفرنسيون عن لبنان، لكن رواسب الانقسامات الطائفية التي رسخوها إبان فترة استعمارهم بقيت تخيّم على البلد طيلة العقود الماضية، وظلت تنعكس بين حين وآخر اضطرابات ونزاعات وحروب حتى يومنا هذا.

ومنذ نيله استقلاله حتى اليوم، شهد لبنان عدة اضطرابات وصراعات مسلحة بين أبناء الوطن الواحد، أبرزها الحرب الأهلية التي استمرت طيلة 15 عاماً، وامتدت بين عامي 1975 و1990.

ولا يزال يعاني من أزمات سياسية طاحنة، و انقسامات بين القوى السياسية، خاصة بعد تفجير مرفأ بيروت، في 4 أغسطس2020، والتي تلتها أزمات طاحنة يعيشها اللبنانيون منذ عام ونصف.

لبنان يختنق

تعد الأزمات اللبنانية من أسوأ الأزمات في العالم، حيث يعاني الشعب اللبناني من أزمة اقتصادية طاحنة أدت إلى ارتفاع معدل التضخم وارتفاع معدل البطالة وانهيار الليرة اللبنانية ونقص شديد في إمدادات الوقود وتوقف محطات توليد الكهرباء ونقص الأدوية، بالإضافة إلى جائحة كورونا.

وبحسب تقديرات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا)، فأن الأزمة الاقتصادية، دفعت حتى الآن 78% من السكان إلى الفقر.

كما فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها،  فقد تراوح سعر الدولار  بالسوق  ما بين 18750 و18850 ليرة لكل دولار.

ووفقا لمحاكاة أسعار المواد الغذائية في النصف الأول من يوليو، فإن كلفة الغذاء بالحد الأدنى لأسرة مكونة من خمسة أفراد أصبحت تقدر شهريا بأكثر من 3.500.000 ليرة لبنانية، دون احتساب تكاليف المياه والكهرباء والغاز، بحسب  مرصد الأزمة في الجامعة الأمريكية في بيروت.

ووفق المرصد، يساوي الحد الأدنى للأجور 675 ألف ليرة، أي ما يعادل 450 دولارا قبل الأزمة و30 دولارا اليوم، بحسب سعر الصرف في السوق السوداء.

وارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية وحدها بأكثر من 50% في أقل من شهر، بعدما كانت ارتفعت كلفة 10 سلع غذائية أساسية، مثل الخضار والحبوب والألبان ولحم البقر والزيت، أكثر من 700% خلال عامين.

فيما تأتي أزمة الوقود، لتزيد من معاناة اللبنانيين، حيث تزاحم المواطنين أمام محطات الوقود بحثا عن البنزين والسولار الذي ارتفع سعره بشكل كبير جدا، ما أدى إلى توقف بعض المخابز عن العمل لعدم توافر السولار وهجر أصحاب السيارات مركباتهم لعدم توافر الوقود، بالإضافة إلى توقفت عدد من المحطات الكهرباء، ما أثر على الرعاية الصحية بالمستشفيات وحياة المواطنين الذين لجأوا الى اللمبات الكيروسين.

وارتفعت أسعار الوقود وأصبح سعر البنزين 98 أوكتان 132 ألفا و400 ليرة، والبنزين 95 أوكتان 128 ألفا و200 ليرة؛ وبلغ سعر الديزل أويل 98 ألفا و800 ليرة، والغاز 90 ألفا و600 ليرة، بحسب الوكالة الوطنية اللبنانية  للإعلام.

مع تزايد المشكلات الاقتصادية، تضائلت فرص العمل ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة في البلاد.

وطالب الشعب اللبناني بإصلاحات سياسية واجتماعية وأمنية وهو مايزيد الصعوبات أمام الحكومة الجديدة فى ظل تأثيرات جائحة كورونا حاليا.

ذكرى محمّلة بالآلام والآمال

بمناسبة عيد الاستقلال الـ78 وجه الرئيس اللبناني ميشال عون، رسالة إلى العسكريين قائلا: «إن صيغة العيش المشترك تصونها العقول الواعية والعيون الساهرة، كما أنّ ديمومة الاستقلال تحميها دماء الشهداء والجرحى وإرادتكم الصلبة، كونوا كما عهدتكم مهما اشتدت الصعاب رجالًا أشداء أوفياء لقسمكم مخلصين لوطنكم».

وأضاف: «في ظل تزاحم الأزمات والتحديات الوطنية والسياسية والاقتصادية والمعيشية، تمرّ ذكرى الاستقلال محمّلة بالآلام والآمال. آلام الأوضاع التي نمرّ بها وآمال بالخروج من الأزمة وتجاوزها ليعود لبنان إلى وضعه الطبيعي».

ومن جانبه وجه قائد الجيش اللبناني، العماد جوزيف عون، رسالة إلى العسكريين دعا فيها إلى البقاء على إخلاصهم لوطنهم مهما اشتدت الصعاب، قائلا: «إن ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي بالمؤسسة العسكرية هي النتيجة الحتمية لأدائكم وتضحياتكم وجهودكم في وأد الفتن والحفاظ على السلم الأهلي، لأنكم على مسافة واحدة من كلّ الفرقاء، وتشكلون النقطة الجامعة التي يلتف حولها جميع اللبنانيين».

لبنان على حدود جهنم

واعتبر رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، سعد الحريري، في سلسلة تغريدات عبر حسابه على تويتر، بمناسبة عيد الاستقلال في لبنان، إن لبنان «دولة تقف على حدود جهنم»، قائلا: «بأي كلام نتوجه الى اللبنانيين بعيد الاستقلال؟ لو قيض للكلام الذي يتردد منذ سبعة عقود أن يتحقق لكان لبنان اليوم جنة الله على الأرض وليس دولة تقف على حدود جهنم».

ربما يعجبك أيضا