النزوح الأخير.. بحر المانش يحصد أحلام المهاجرين

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

في كارثة إنسانية غير مسبوقة، لقي 27 مهاجرا حتفهم بعدما غرق زورقهم في قنال المانش، شمال فرنسا، خلال محاولتهم للعبور نحو السواحل البريطانية، مما دفع كل من باريس ولندن للاتفاق على الضرورة الملحّة لتعزيز التعاون بينهما لوقف هذه المآسي.

الخوف من الأسوأ

رغم أن الاعتقاد السائد هو أن كثيرا من المهاجرين قد جاؤوا من شمال العراق، إلا أنه لا يُعرف سوى القليل عن 27 شخصا غرقوا أثناء في قارب مطاطي.

في قرية رانيا الكردية، كانت العائلات تنتظر أياما للحصول على أخبار من أحبائهم الذين يعرفون أنهم كانوا يخططون لمحاولة العبور المحفوف بالمخاطر، لكن هواتفهم كانت صامتة.

ويأمل البعض أن يكون أبناؤهم وإخوانهم وبناتهم وأخواتهم قد عبروا القناة وهم الآن في مراكز الاحتجاز في المملكة المتحدة، لكن آخرون يخافون من الأسوأ.

وكانت كردستان العراق مصدر آلاف رحلات المهاجرين، وانتهى المطاف بالعديد منهم في الاتحاد الأوروبي أو المملكة المتحدة، لكن النزوح الأخير كان مختلفا.

النزوح الأخير

يقول كردي مقيم في لندن تحدث مع أحد أقاربه في دونكيرك، ولم يسمع عنه منذ ذلك الحين: «لقد كان الأمر خطيرًا حقًا ويائسًا حقًا، نعتقد أن قاربًا واحدًا على الأقل نجح في الوصول إلى هنا، لكن لم يؤكد أحد أي شيء».

في رانيا، كانت العائلات القلقة على اتصال دائم بأقاربها في دونكيرك قبل أن تنقطع الهواتف، قالت زانا شقيقة أحد المهاجرين: «غادر أخي المنزل في أغسطس 2021 وذهب إلى تركيا، ثم إيطاليا، وفي 1 نوفمبر وصل إلى فرنسا، حاولوا العبور إلى المملكة المتحدة ست مرات، وكانت هذه المحاولة السابعة».

تضيف: «كنت على اتصال به حتى توقف محرك قاربهم عن العمل وفقد الهواء في مقدمة القارب، كان القارب قابل للنفخ وكان لونه رمادي، ثم اتصلوا بالشرطة الفرنسية وأخبرتهم الشرطة بأنك خارج حدودنا، ثم اتصلوا بشرطة المملكة المتحدة»، وقالت الشرطة: «سنأتي لإنقاذك»، وطلبت الشرطة منهم تشغيل مصابيحهم المحمولة.

وأشارت إلى أنها كانت على اتصال به لمدة 20 دقيقة بعد أن اتصلوا بالشرطة البريطانية ثم فقدت الاتصال بهم، تضيف: «أرسل لي مكان توقف محركهم، منذ ذلك الحين ليس لدي أي معلومات عنه، كان دائمًا مع 10 أشخاص آخرين من رانيا وكنت على اتصال بهم جميعًا، لا يعرف أي من أسرهم أي شيء عنهم».

وفي حديثها لصحيفة «الجارديان» البريطانية، قالت زانا: «إن أولئك الذين عبروا القناة سابقًا ألقوا بهواتفهم في البحر مع اقتراب الشرطة، لمنع سلطات المملكة المتحدة من اكتشاف من قد يكون يحاول القيام بنفس الرحلة، وإذا رأت الشرطة أنهم على اتصال بأشخاص في المملكة المتحدة، فإنهم يتسببون في مشاكل للأشخاص الذين يساعدونهم هناك، نتمنى لو عرفنا شيئا، حتى أصغر شيء».

ووصفت «زانا» الحالة في منزل العائلة بأنها «جنائزية»، وكان  الوضع نفسه في منزل آخر ليس بعيدًا، حيث كانت عشرات السيارات متوقفة أمام منزل صغير، مليء بالضيوف الكئيبين.

يقول أحد أفراد إحدى العائلات: «نعتقد أن هذه المأساة حدثت بعد أن تآمرت حكومة المملكة المتحدة مع الفرنسيين لمنع حدوث عمليات العبور هذه، فعادة ما يكون البحر مليئا بالسفن وهذا هو سبب فشل المحاولات الست السابقة، لكن في تلك الليلة كانت فارغة واستغلها أكثر من 250 شخصًا، لم تكن هناك شرطة على الماء، وطائرة البحث والإنقاذ بدون طيار لم تكن تطير».

بكى رجل بعد أن تم تدوين قائمة بأسماء رجال قرية رانيا المفقودين، والذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عامًا، كان هناك 10 أسماء لأشخاص كانت هواتفهم صامتة.

يقول أحد القرويين من قرية باشدار القريبة: «نريد حقًا أن نسمع شيئًا ما، نحن نعلم أن بعض هؤلاء الأولاد من المحتمل أن يكونوا في سجن في المملكة المتحدة ونحن ممتنون لذلك، لكننا نعلم في قلوبنا أن الآخرين لن يعودوا إلى ديارهم، ومن المبكر قول هذا في ثقافتنا، ولكن رحم الله أرواحهم».

مأساة عروس عراقية

حُددت هوية شابة كردية عراقية كانت من بين مهاجرين ماتوا غرقا عندما حاولوا عبور بحر المانش للوصول إلى بريطانيا، حيث كانت مريم نوري محمد أمين، وهي الضحية الأولى التي تُحدد هويتها، من بين 27 شخصا لقوا مصرعهم الأربعاء الماضي.

وقال خطيب مريم: «إنها تواصلت معي بالرسائل عبر الهاتف عندما بدأ الهواء يتسرب من القارب المطاطي الذي كانت عليه مع مجموعة من المهاجرين»، مضيفا: «أنها حاولت طمأنتي، وقالت إنه سيتم إنقاذنا»، وأوضح أن مريم، التي تعرف أيضا باسم «باران»، كانت على متن هذا القارب مع قريبة لها، بحسب «بي بي سي».

وأسفرت هذه المأساة عن أكبر عدد من ضحايا الغرق أثناء محاولة عبور المانش في سنوات عدة، ونجا شخصان فقط؛ أحدهما عراقي والآخر صومالي.

وقالت المنظمة الدولية للهجرة إن هذه أكبر خسارة في الأرواح في القنال منذ عام 2014.

اتفاق أوروبي

وبعد أربعة أيام من أسوأ مأساة هجرة في بحر المانش، اتفقت فرنسا وبلجيكا وهولندا وألمانيا، خلال قمة طارئة عقدت في بلدة كاليه الفرنسية، أمس الأحد على اتخاذ تدابير أكثر صرامة ضد عصابات تهريب الأشخاص العاملين في القنال الإنجليزي «بحر المانش».

وفي بيان مشترك، توافقت الدول الأربع على تعزيز تعاونها عمليا ضد عمليات التهريب وتحسين التعاون المشترك مع المملكة المتحدة.

ويجري التحقيق في حادث غرق الزورق في كاليه من طرف السلطة القضائية الوطنية المسؤولة عن مكافحة الجريمة المنظمة في باريس، لكن لم يتم تسريب أي معلومات، لا حول جنسية الضحايا ولا أسباب الغرق.

 ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الفور لـ«تعزيز فوري» لوكالة فرونتكس الأوروبية وباجتماع أوروبي «طارئ» متعهدا «ألا تسمح فرنسا بتحول المانش إلى مقبرة»، بحسب ما أفاد «قصر الإليزيه».

قال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، إن بريطانيا بحاجة إلى إنشاء قنوات هجرة قانونية للاجئين، وبحاجة أيضا إلى جعل من الصعب على اللاجئين العثور على عمل في اقتصاد الظل.

من جهته قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، إنه «أصيب بصدمة وحزن عميق» لوقوع ضحايا، لافتا إلى أنه يريد بذل المزيد من التعاون مع فرنسا لمنع العبور غير القانوني.

وأضاف: «واجهنا صعوبة في إقناع بعض شركائنا ولا سيما الفرنسيين، للتصرف بما يقتضيه الوضع، لكنني أتفهم الصعوبات التي تواجهها كل البلدان، وما نريده الآن هو التعاون بشكل أكبر»، وفقا لـ«سكاي نيوز».

ومنذ مطلع العام الجاري، لقي 3 قتلى مصرعهم و4 مفقودين، في بحر المانش، وفي العام 2020 قضى 6 أشخاص وفقد 3 آخرين في مقابل أربعة قتلى في 2019.

ربما يعجبك أيضا