«رئيسي» يلتقي «طحنون بن زايد».. طهران تعترف بفشل سياسة «دبلوماسية الميدان»!

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

في العام 2013، رفع المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، شعار “المرونة البطولية” في السياسة الداخلية والخارجية، وهي السياسة التي طالب فيها بالجمع بين مرونة الدبلوماسية وبطولة أهداف إيران الخارجية التي يحرسها الحرس الثوري حامي النظام في إيران. لكن هذه السياسة فشلت في إنقاذ إيران من أزماتها الاقتصادية جراء عزلتها الخارجية.

ومع مجيء الرئيس الإيراني المحافظ الحالي، إبراهيم رئيسي، تم الجهر بسياسة “دبلوماسية الميدان” التي وكما اعترف وزير الخارجية الإيراني السابق، جواد ظريف في تسريب صوتي، قد أخضعتْ الدبلوماسية الإيرانية خلال السنوات الماضية إلى منفّذ لما يطلبه الميدان الأمني والعسكري والانتشار الإقليمي لإيران في المنطقة. إذ باتت الدبلوماسية في خدمة الخطط التي كان يرسمها قائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني، ويطلب من الفريق الدبلوماسي أن يعمل تحت سقفها في مفاوضاته مع دول الجوار والمجتمع الدولي.

واليوم، تغيرت قواعد اللعبة؛ فالتحركات الذكية التي تقود الدول العربية والخليجية تجاه الحوار مع تركيا والتئام البيت الخليجي ومساعي عودة سوريا إلى الحضن العربي؛ جعلت إيران تسعى إلى انتهاج سياسة جديدة تجاه دول المنطقة؛ حتى لا تخرج من لعبة المصالح الإقليمية. ولذلك، رفعت الحكومة الإيرانية الجديدة منذ بدايتها شعار “الحوار مع دول الجوار”. وكان مؤشر ذلك، هو مساعيها للحوار مع المملكة العربية السعودية عبر الوسيط العراقي.

وطأة العقوبات

تعيش إيران أياما صعبة تحت وطأة العقوبات الغربية وعجزها عن التوصل لاتفاق مع القوى الغربية لرفع هذه العقوبات؛ لدرجة تعرض اقتصادها لهزات مميتة وصل فيها سعر صرف الدولار إلى 30 ألف تومان، والتضخم في أسعار المواد الغذائية بلغ 61.4%؛ ما يعني أن المواطن الإيراني قد وصل إلى مرحلة الغليان ضد النظام الحاكم. فضلًا عن أزمات كورونا ونقص المياه وعجز توفير الدواء وملفات أخرى تمس حاجة الإنسان الإيراني.

وأمام فشل حكومة رئيسي في الحصول على مكاسب من الغرب؛ فإنها غيرت من سياستها مع دول الجوار بما يجعلها قادرة على المناورة مع القوى الغربية؛ وذلك من خلال الانفتاح على دول الجوار بما يساعدها على دعم تجارتها الخارجية ودعم سياسة المقايضة؛ وذلك لإيجاد آلية قادرة على تعويض إيران مما فقدته من العقوبات المصرفية والنفطية.

ولذلك، ستحاول إيران خلال الفترة المقبلة من تعزيز نشاطها النووي للضغط على الغرب، وتوسع علاقاتها مع دول الجوار لدعم قطاعها الاقتصادي.

اعتراف بتغيير النهج

خلال زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد إلى طهران واجتماعه مع سكرتير الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، اعترف الأخير بتغيير نهج بلاده في التعامل مع دول الجوار وعلى رأسها دول الخليج؛ إذ قال “شمخاني”: “إن الاستقرار والأمن الدائم لن يتحقق إلا في ظل الحوار والتعاون المستمر بين دول المنطقة. وإن العلاقات الودية مع الجيران وتبادل الامكانيات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية من الأولويات الرئيسية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في مجال السياسة الخارجية“.

وهي تصريحات تعلن فيها طهران فشل سياسة المرونة البطولية والاستعراضات العسكرية التي جاءت بالسلب على مصالح إيران الخارجية.

وفي تصريح آخر يكشف فشل سياسة “دبلوماسية الميدان” التي راهنت عليها طهران في تطويع دول المنطقة في خدمة مصالحها، أكد شمخاني على: “ضرورة العمل المشترك لإنهاء بعض الأزمات العسكرية والأمنية التي عرضت الشعوب الإسلامية في المنطقة الى ظروف معيشية صعبة، وأن الحوار يجب أن يحل محل النهج العسكري لحل الخلافات“. وهنا هو يقصد أزمات مثل سوريا واليمن، التي فيها إيران متورطة بشكل مباشر وعامل في استمرار الأزمة في مثل هذه الدول. كما أن حل قضايا هذه الدول هو المفتاح الأساسي لتحسين علاقات إيران مع الدول العربية والخليجية.

وأيضًا، خلال اللقاء الذي جمع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي مع مستشار الأمن القومي الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد، قال: “إن دول المنطقة هي من أولويات السياسة الخارجية للحكومة الجديدة، ولهذا نرحب بتطوير العلاقات مع دولة الإمارات، وإن تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين سيوفر أرضية لازدهار العلاقات في المجالات الأخرى“. وهذا مؤشر على فشل السياسة التقليدية لإيران تجاه دول المنطقة وتبحث الآن عن سياسة تدعم التنمية المستدامة التي تحاول من خلالها إنقاذ اقتصادها ونجاح خطتها التنموية الاستراتيجية المتعثرة.

وهناك، نقطة مهمة بالنسبة للسياسة الإيرانية؛ وهي أنه من الخطأ أن تظن طهران أنها نجحت؛ إذا ظنت أن تغيير نهجها في التعامل مع دول الخليج سيقتصر على الجانب الاقتصادي، وصنع علاقة براجماتية، تعزل القضايا السياسية عن السياسية. لأن الدول الخليج لن تراهن على مصالح تكون فيها مكاسب على صالح أمنها القومي ومصالحها السياسية، مثلما يتعلق الأمر بالملف اليمني.

لماذا الإمارات؟

اختيار الشيخ طحنون لتمثيل دولته في هذه الزيارة مؤشرًا على رسالة من أبوظبي إلى طهران؛ بأنها هي الأخرى قادرة على حماية أمنها ومصالحها الإقليمية. خاصة أن الشيخ طحنون قد ابتدأ زيارته بلقاء شمخاني، الذي يقود مجلسه مصالح إيران العليا. وقد كشفت وسائل الإعلام الإيرانية أن شمخاني هو من قام بتوجيه دعوة رسمية إلى طحنون؛ وهو ما يعني أن إيران في حاجة إلى الإمارات لدعم مصالحها الإقليمية وسياسة النهج الجديد التي تتعبها مع دول الجوار ومنطقة الخليج.

وإذا عدنا إلى تصريحات شمخاني، نجده قد أعرب عن “أمله في أن تكون زيارة نظيره الإماراتي لإيران بداية مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية وتمهيد الطريق لترسيخ وتوسيع شامل للعلاقات بين البلدين”.

وهو مؤشر على أن إيران تراهن على الإمارات في دعم مشاريعها الإقتصادية التنموية الاستراتيجية، التي منها مشروع “ممر شمال-جنوب” لنقل التجارة من المحيط الهندي ومنطقة الخليج نحو أوراسبا وأوروبا.

خاصة أن إيران تسارع في تعزيز علاقتها الاقتصادية مع منظمة شنغهاي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي؛ من أجل أن تتحول إلى ممر حيوي وشريان تجاري لحركة التجارة من منطقة الخليج التي تشارك فيها المنطقة الاقتصادية الإماراتية في جبل علي بشكل كبير، إلى مناطق مختلفة نحو أسيا الوسطى، وما وراء بحر قزوين، وتركيا.

كما أن مسألة دخول إسرائيل إلى منطقة الخليج والتهديدات التي تتعرض لها إيران جراء برنامجها النووي؛ دفعت طهران إلى إرسال نائب وزير خارجيتها، علي باقري كني، إلى أبوظبي؛ من أجل التحضير لزيارة الشيخ طحنون ووضع الخطط لدعم المشارع الاقتصادية الإيرانية، وأولًا الحصول على ضمانات من الإمارات بعدم فتح المجال أمام إسرائيل لاستهداف إيران من خلال الأراضي الإماراتية.

فضلًا، عن أن المسارعة الإيرانية نحو الإمارات، هي في الحقيقة مسارعة نحو تحسين العلاقات مع السعودية ومع دول الخليج؛ إذ أن اثبات إيران سياسة إيجابية تجاه الإمارات؛ سيساعد على تحسين العلاقات بين طهران والرياض. خاصة أن طهران لطالما استفادت من تقاربها من سلطنة عمان والكويت وقطر؛ ولكن ذلك لم يكن يثبت جديتها في تحسين علاقاتها مع باقي المجموعة الخليجية.

ربما يعجبك أيضا