لغة الضاد وثراء الوجود الإنساني

شيرين صبحي

رؤية

يحتفل العرب حول العالم في 18 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة العربية، وهو اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1973 قرارها التاريخي بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المنظمة.

وتحرص العديد من المنظمات حول العالم على الاحتفال بهذا اليوم اعترافا بمكانة اللغة العربية ودورها المركزي في البناء الحضاري، وتأكيدا على رسالتها السامية النبيلة في حفظ التراث الإسلامي والعربي من التلف والنسيان.

وتحتفل منظمة “إيسيسكو”، بهذا اليوم من كل عام، لإبراز الإسهام المعرفي والفكري والعلمي للغة الضاد وأعلامها عبر التاريخ، وطرح رؤى مستقبلية لرسم ملامحها وضبط أهدافها لتوطين المعرفة والتكنولوجيا، ومسايرة الحداثة والطفرات العلمية والتقنية، وترقية استخدامها في جميع مجالات الحياة.

وهذا العام ستحتفي المنظمة باليوم العالمي للغة العربية، بعقد مؤتمر دولي بعنوان: “المرأة واللغة العربية: الواقع وآفاق المستقبل”، الثلاثاء المقبل، بمشاركة شخصيات رفيعة المستوى؛ لتسليط الضوء على الأدوار الحضارية التي قامت بها المرأة – ولا تزال – في النهوض باللغة العربية وخدمتها.

وجددت الإيسيسكو، في هذه المناسبة، دعوة القائمين على خدمة اللغة العربية ونشرها وتعليمها، مِن مجامع لغوية ومراكز بحثية ومؤسساتٍ أكاديمية ومنظمات متخصصة وجهات تربوية رسمية وأهلية وباحثين، أن يعملوا على تسريع وتيرة انخراطها في عصر الثورة الصناعية والرقمية، وتشجيع المبادرات والجهود الرامية إلى رفع مستوى الأداء والعمل والتعامل معها؛ وذلك بهدف تهيئتها للتطور ومجاراة نسق الابتكارات، وتعزيز حضورها على مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت ومشاركتَها في الإنتاج الرقمي التربوي والعلمي والثقافي والاقتصادي التنموي.

تواصل حضاري

110216003 gettyimages 998498496

تحت عنوان “اللغة العربية والتواصل الحضاري”، تحتفل منظمة الأمم المتحدة، اليوم (السبت)، باليوم العالم للغة العربية، عبر فعاليات واحتفاليات عديدة.

وقالت الأمم المتحدة: “موضوع اليوم العالمي للغة العربية لهذا العام هو “اللغة العربية والتواصل الحضاري”، ويعتبر بمثابة نداء للتأكيد مجددا على الدور الهام الذي تؤديه اللغة العربية في مد جسور الوصال بين الناس على صهوة الثقافة والعلم والأدب وغيرها من المجالات الكثيرة جدا”.

وأضاف البيان: “تتمثل الغاية من هذا الموضوع في إبراز الدور التاريخي الذي تضطلع به اللغة العربية كأداة لاستحداث المعارف وتناقلها، فضلا عن كونها وسيلة للارتقاء بالحوار وإرساء أسس السلام، وكانت اللغة العربية على مر القرون الركيزة المشتركة وحلقة الوصل التي تجسّد ثراء الوجود الإنساني وتتيح الانتفاع بالعديد من الموارد…يكتسي موضوع عام 2021 أهمية بالغة في كنف المجتمعات التي تتعاظم فيها العولمة والرقمنة والتعددية اللغوية، إذ يسلم بالطبيعة المتغيرة للعالم والحاجة الماسة لتعزيز الحوار بين الأمم والشعوب”.

وبحسب المنظمة، “تعد اللغة العربية ركنا من أركان التنوع الثقافي للبشرية، وهي إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداما في العالم، إذ يتكلمها يوميا ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان المعمورة”.

وأشارت المنظمة في بيانها إلى أن متحدثي العربية يتوزعون بين المنطقة العربية وعديد المناطق الأخرى المجاورة كـ”تركيا وتشاد ومالي السنغال وإرتيريا”، حيث أن “للعربية أهمية قصوى لدى المسلمين، فهي لغة مقدسة (لغة القرآن)، ولا تتم الصلاة (وعبادات أخرى) في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلماتها، كما أن العربية هي كذلك لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في المنطقة العربية حيث كتب بها كثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى”.

وأكملت: “تتيح اللغة العربية الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع بجميع أشكاله وصوره، ومنها تنوع الأصول والمشارب والمعتقدات، كما أنها أبدعت بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة تضم على سبيل المثال لا الحصر الهندسة والشعر والفلسفة والغناء”، لافتة إلى أن “اللغة العربية سادت لقرون طويلة من تاريخها بوصفها لغة السياسة والعلم والأدب، فأثرت تأثيرا مباشرا أو غير مباشر في كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، مثل التركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية وبعض اللغات الإفريقية الأخرى مثل الهاوسا والسواحيلية، وبعض اللغات الأوروبية وخاصة المتوسطية منها كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية”.

والغرض من هذا اليوم هو إذكاء الوعي بتاريخ اللغة وثقافتها وتطورها من خلال إعداد برنامج أنشطة وفعاليات خاصة، وفقا للأمم المتحدة.

شهر اللغة العربية

4718 3

“شهر اللغة العربية” هو ما ستطلقه جامعة الدول العربية، بدءا من يوم 21 فبراير القادم الذي يصادف اليوم العالمي للغة الأم، وحتى 22 مارس تاريخ تأسيس جامعة الدول العربية، بالتعاون مع المجلس الدولي للغة العربية.

ودعا الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط، إلى معالجة مشكلة الإنتاج العلمي والإبداع والابتكار العربي؛ لإحداث نهضة جديدة للغة العربية.

ونبه أبو الغيط بأن ضعف المحتوى العربي على الوسائط المختلفة، من الكتاب إلى الإنترنت، يؤدي إلى وضع يكون فيه إتقان اللغات الأخرى البوابة الوحيدة المتاحة أمام الشباب للوقوف على آخر مستجدات المنتج الحضاري الإنساني، وبخاصة المنتج العلمي.

وأشار إلى “أن اللغة العربية، وكما نعلم جميعاً، لديها من الإمكانات وسعة الألفاظ والاشتقاقات، ما يجعل منها لغة علمٍ بامتياز، إلى جوار كونها لغة شاعرة أيضاً.. وثمة جهدٌ مطلوب من أجل تعزيز حضور العربية كوسيط لنقل وتلقي العلوم والتكنولوجيا، وهو جهد يتعين أن تضطلع به الحكومات والمؤسسات العلمية والأكاديمية، وكذلك المثقفون العرب المهتمون بقضية اللغة ومستقبلها”.

وأشاد أبوالغيط بجهود المجلس الدولي للغة العربية، لدعم اللغة العربية وصونها.. مؤكدا أن اللغة العربية بخير ما دام الناطقون بها عارفين بفضلها وإمكاناتها، حافظين لتراثها ورسالتها، مؤمنين بدورها ومكانتها، مقتنعين بأهمية تجديدها وتعزيز انفتاحها على الثقافة العالمية.

وأضاف أن “اللغة إن لم تتنفس فنا وإبداعاً وابتكاراً، ضمرت وتكلست، ولغتنا طالما أبدعت وقدمت للعالم منتجاً إنسانياً فذاً في عصور الانفتاح، فهي قادرة على الإبداع من جديد إن نحن فتحنا لها النوافذ، وأطلقنا الطاقات الهائلة الكامنة في ثنايا حروفها البديعة وبلاغتها المعجزة”.

وأضاء أبو الغيط على عصر اليقظة العربية، منذ القرن التاسع عشر، الذي عرف بعصر النهضة اللغوية، “حيث كانت الترجمة سبيلاً ضرورياً لبث الحيوية في لغتنا العربية، وتعزيز مكانتها كوسيط فعّال لنقل المنتج الحضاري، علماً كان أو أدباً أو فناً، من اللغات المختلفة”.

وأشار إلى أن “اللغة العربية كانت هي الوسيط في كل الإبداع، سواء في الترجمة والنقل، أو التأليف والابتكار، وهي حقيقة مهمة علينا أن نستعيدها اليوم.. فلم تكن لغتنا أبداً قاصرة عن استيعاب ثقافة الآخر وهضم المنتج الحضاري القادم إليها من خارجها.. بل كانت لغة علمٍ وأدب وفن في آنٍ معاً.. وظلت اللغة العربية لوقتٍ طويل لغة العلوم التي نهل منها الغرب ليصنع نهضته في حركة ترجمة عكسية منذ القرن الثاني عشر.. ولهذا نجد آثاراً كثيرة باقية من اللغة العربية في العديد من اللغات الأوروبية.. وبخاصة في مجالات العلوم، مثل الكيمياء والجبر والطب والفلك وغيرها”.

وأردف “لغتنا إذن تزدهر بالتواصل مع الآخر، أخذاً وعطاءً… وتنحسر وتتجمد بالانغلاق على الذات والخوف من الوافد.. وليس صدفة أن عصر انزواء الحضارة العربية كان أيضاً عصر انحدار اللغة العربية.. ليس لعيبٍ فيها، وإنما لتحجر عقول من ينطقون بها.. حتى وجدنا لغتنا البديعة المتجددة تقع أسيرة لبلاغة مكررة وتراكيب محفوظة معلبة”.

جسر الحضارات

b64163cb 323f 4753 8233 588ce27a3c0e

وأضفى إكسبو 2020 دبي، طابعاً أممياً على الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، حيث حضر الحفل نخبة من ألمع العقول والمتخصصين والمهتمين بلغة الضاد، ضمن فعاليات “مستقبل اللغة العربية – جسر بين الحضارات” التي تحتفي باللغة والثقافة والتراث العربي.

ويشارك إكسبو الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر، حيث أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في ديسمبر عام 1973، اعتمدت بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.

وتحدث الدكتور علي عبد الله موسى الأمين العام للمجلس الدولي للغة العربية، عن مواجهة لغة الضاد لحروب خارجية، بالإضافة إلى الكثير من التحديات على أيدي أبنائها، وأبرزها: تمرد بعض العقول والألسنة العربية عليها، وضعف القدرة اللغوية لدى الطلبة، وعدد من الهيئات التدريسية في تدريسها.

ودعا موسى إلى مواجهة التمرد على اللغة العربية بشجاعة وحكمة لوقف تحولها إلى مشاريع لتفكيك المجتمعات والدول العربية، وضرب وحدتها الوطنية، وشدد على ضرورة الاقتداء باللغات الاوروبية التي لا تسمح دولها بإضعافها او أقصائها بالرغم من وجود لغات متعددة فيها. 

تحمل اللغة العربية إرث تاريخي عميق، كما توضح نورة الكعبي وزيرة الثقافة والشباب بدولة الإمارات، مشيرة إلى اهتمام بلادها الكبير باللغة العربية، حيث أطلقت العشرات من المبادرات الهادفة لدعم لغتنا ونشرها وتطوير كنوزها فكراً وعلماً على الصعيد المحلي والعالمي ومن ‏أبرزها؛ تحدي القراءة وجائزة محمد بن راشد للغة العربية وتأسيس مركز أبوظبي للغة العربية ومجمع اللغة العربية في الشارقة”.

‏وأكدت الكعبي أن لغتنا تواجه ‏اليوم العديد من التحديات ولكن الحلول دائما متاحة وتحتاج إلى تضافر الجهود من أجل استعادة اللغة العربية.

ربما يعجبك أيضا