رغم أزمة الطاقة العاصفة في 2021.. هل يغادر العالم فعليًّا حقبة الفحم؟

آية أحمد

كتبت – آية أحمد

إذا نظرنا إلى الوراء، فإن عام 2021 كان عامًا صعبًا بالنسبة للاقتصاد العالمي، وبينما وباء كوفيد-19 ما يزال يلوح في الأفق، كان هناك أيضًا مكافحة عدد من التحديات الناشئة الجديدة، ولوصف المشقة في عام 2021 بكلمة واحدة فقط ستكون “النقص” على نطاق عالمي، كان هناك نقص في الطاقة، نقص في الرقائق، نقص في الحاويات، وغيرها.. كما ظهر تطرفًا بالمناخ والطقس لم يسبق لهما مثيل، وبالنسبة لبعض الدول اتضحت آثار تغير المناخ بما شهدناه هذا العام، ولكنها بالنسبة لمعظم البلدان الأخرى كانت علامة لا يمكن إنكارها على أننا نتجه نحو نقطة التحول في أزمة المناخ.

أزمة نقص الطاقة وارتفاع أسعار الفحم

سجلت الولايات المتحدة وأوروبا الارتفاع الأكبر في توليد الطاقة بالاعتماد على وقود الفحم بنسبة بلغت نحو 20% في كل منهما، مع تسلق الهند 12%، والصين -أكبر مستهلك في العالم- بنسبة 9%، ويأتي هذا الارتفاع مدفوعًا بالتعافي الاقتصادي من جائحة كورونا الذي فاق قدرة مصادر الطاقة منخفضة الكربون على تأمين الإمدادات.

ففي الصين، التي بدأت في التعافي القوي من وباء كوفيد-19، كان نقص الطاقة الناجم عن إمدادات الفحم مشكلة بالغة التعقيد والتي أثارت العديد من التساؤلات بشأن أمن الطاقة، وأهداف حماية البيئة، والنظام الاقتصادي، بل وحتى مرونة البلاد في مواجهة التحديات والمخاطر المتزايدة؛ وذلك ابتداءً من سبتمبر وحتى نوفمبر2021، حيث حدث اختلال حاد في التوازن بين العرض والطلب في الفحم، وارتفعت أسعار الفحم من 500 يوان (78.47 دولار) في الأوقات العادية إلى 2700 يوان في المناجم و3.100 يوان في الموانئ الصينية الشمالية، وكان الارتفاع المستمر في أسعار الفحم يدفع الطلب على الوقود في حلقة مفرغة، ولكن على غرار تعقيدات المشكلات الاقتصادية، كانت استجابة النظام الصيني متطورة وشاملة بنفس القدر، حيث أنها تمس العديد من العلاقات الدقيقة -بين الحكومة وقوى السوق، وبين الحكومات المركزية والحكومات المحلية، وبين التحديات القصيرة الأجل وأهداف التنمية الطويلة الأجل.

لكن على الرغم من التقدم السريع الذي أحرزته الصين في منشآت مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة في السنوات الأخيرة، فإن الفحم لا يزال يشكل حوالي 60% من إجمالي توليد الطاقة في البلاد، ومع ارتفاع الطلب على الطاقة الكهربائية، وبسبب تدفق نشاط الصناعة التحويلية في أعقاب مرحلة التعافي من وباء كوفيد-19، كان هناك نقص في الفحم، فاتبعت البلاد سياسة الزحف الحاسمة، وتمكنت الحكومة من التدخل، باتخاذ تدابير إدارية، لوضع حد للأسعار على الفحم من أجل ضمان إمدادات الفحم الحرارية. ولإنشاء سوق للفحم منصفة وجيدة التنظيم، اتخذت حكومة البلاد تدابير مماثلة كجزء من جهد حكومي أوسع نطاقًا يرمي إلى الحد من أنشطة الربح غير المشروعة مثل التخزين والتلاعب بالأسعار، ومع اتباع نهج فعَّال لزيادة إنتاج الفحم، ومعالجة أسعار الفحم، وإدارة النقل بالسكك الحديدية، أصبح مخزون احتياطيات الفحم عبر محطات توليد الطاقة في البلاد تجاوز 117 مليون طن في 6 نوفمبر 2021، وهو ما يمثل زيادة بنحو 40 مليون طن وانتصار تدريجي في الحملة ضد نقص الفحم.

التخلص التدريجي من استخدام الفحم

لقد اجتمع زعماء العالم في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP26) في جلاسكو باسكتلندا، والذي انعقد على مدار الفترة من 31 أكتوبر حتى 12 نوفمبر 2021؛ لوضع مسارات جماعية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، والتخلص التدريجي من استخدام الفحم بلا هوادة، وكذلك الإعانات المقدمة للوقود الأحفوري، في ظل موجات حرارية أكثر حدة وأطول أمدًا حيث أصبح متوسط درجة الحرارة العالمية في عام 2021 أعلى من متوسط عهد الثورة الصناعية (1850- 1900م) بنحو 0.13 درجة مئوية، حيث مثَّلت 2021 السنة الخامسة والسابعة الأكثر دفئًا على المستوى العالمي حتى الآن، كما أثرت موجات الحرارة غير المسبوقة على الساحل الغربي لأمريكا الشمالية طوال شهري يونيو ويوليو 2021، في حين شهدت جنوب شرق أوروبا بما في ذلك اليونان وإيطاليا أسوأ موجة حرارية في أغسطس 2021، وشهد ليتون في كولومبيا البريطانية ارتفاع درجات الحرارة إلى49.6درجة مئوية في 29 يونيو 2021، محطمًا الرقم القياسي الوطني منذ 84 عامًا، فضلًا عن أنه قد أُبلغ عن 569 حالة وفاة ذات صلة بالحرارة في كولومبيا البريطانية وحدها في الفترة من 20يونيه إلى 29يوليه 2021.

 كانت صياغة ميثاق جلاسكو للمناخ أضعف من المقترحات الأولية، مع النص النهائي الذي يدعو فقط إلى “خفض تدريجي” وليس “التخلص التدريجي” من الفحم، بسبب التدخل الثاني الأخير من قبل الهند، والإعانات “غير الفعالة”، لكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها ذكر الوقود الأحفوري في إعلان محادثات المناخ للأمم المتحدة، وهذا تحول مهم، مع الاعتراف أخيرًا بضرورة الحد من استخدام الفحم وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى، من أجل مكافحة تغيرات المناخ المفاجئة.

سيناريوهات مستقبلية

بحسب تقرير الوكالة الدولية للطاقة فإن توليد الطاقة من وقود الفحم سيؤدي إلى القفز بنسبة 9% في المتوسط مقارنة بالعام الماضي، ويمكن أن تعزى الزيادة الإجمالية إلى ارتفاع أسعار الغاز، مما يجعل الفحم أكثر قدرة على المنافسة من حيث التكلفة، وحذَّرت الوكالة من أن هذا المنعطف الذي يأتي بعد الانخفاض الذي كان قد سُجِّل في العامين الماضين يهدد بانحراف المسار العالمي الهادف إلى تصفير الانبعاثات بحلول عام 2050.

ربما يعجبك أيضا