«الغيص» يدير «أوبك».. هل ينجح بمعادلة أسواق النفط الصعبة؟!

هيثم الغيص الأمين العام لمنظمة أوبك

كتب – حسام عيد

اختارت منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، يوم (الإثنين) الموافق 3 يناير 2022، هيثم الغيص، المدير التنفيذي المخضرم لقطاع النفط الكويتي، ليصبح أمين عام المنظمة بدءاً من صيف هذا العام.

30 عامًا من الخبرة في الصناعة النفطية

الغيص -وهو تكنوقراط متعدد اللغات تشمل مسيرته المهنية في صناعة النفط على مدى 3 عقود العمل، وقد ترأس مكاتب مؤسسة البترول الكويتية في بكين ولندن، وشغل منصب مدير إدارة البحوث- سيتسلم مهام الأمانة العامة لمنظمة “أوبك”، رسميًا في أغسطس المقبل ولمدة ثلاث سنوات، وذلك خلفًا للأمين العام الحالي النيجيري محمد باركيندو الذي شغل المنصب لفترتين متتاليتين منذ 2016.

وكان “الغيص” محافظا لدولة الكويت لدى المنظمة في الفترة من 2017 حتى 2021، ورئيس لجنة التدقيق الداخلي في 2020، وترأس قبل خمسة أعوام اللجنة الفنية المسؤولة عن مراقبة الإنتاج ودراسة أوضاع السوق.

تعيين “الغيص” يأتي في وقت تسير فيه “أوبك” وحلفاؤها في مسارٍ حذر، سعيًا منهم لتلبية التعافي في استهلاك النفط دون إعادة الأسواق مرة أخرى إلى زيادة العرض.

الغيص يعرف “أوبك” عن ظهر قلب، وفي الوقت عينه، فهو يعرف خصوصيات وعموميات السوق، كما يوصف بالذكاء الشديد والتحليل المتميز، بحسب ما أفاد جوهانس بينيني، رئيس مجموعة “جي بي سي” الاستشارية بقطاع الطاقة.

ومع أن الأمناء العامين لا يضعون سياسة إنتاج “أوبك”، إلاّ أنهم يعملون كواجهة للمنظمة، وكوسطاء يسعون إلى حل وسط بين الأعضاء الذين غالبًا ما يكون هناك بينهم آراء مختلفة.

مهمة شديدة الحساسية وسط تحديات جمة

تتسم مهمة الغيص خلال الفترة المقبلة بالحساسية، حيث تثير عودة النفط إلى 80 دولارًا للبرميل مخاوف بشأن التضخم لدى كبرى الدول المستهلكة للنفط مثل الولايات المتحدة، بموازاة تسريع الدول لعمليات التحول عن الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة بسبب تحدّي تغير المناخ.

ورغم مكاسب 2021 القوية، وملامسة سعر البرميل أعلى مستوياته منذ 2014 عند نحو 85 دولارًا، ليعاود التراجع إلى ما دون 80 دولارًا للبرميل نهاية ديسمبر، إلاّ أنَّ التوقُّعات لعام 2022، تشوبها حالة من عدم اليقين، فالتحديات جمة، أبرزها؛ المخاوف المتصاعدة من وباء كورونا ما زالت تساهم في تقلبات الأسعار، إذ أدّى ظهور متحوِّر “أوميكرون” أواخر نوفمبر 2021 إلى انخفاض أسعار النفط مجدداً، وسط المساعي من دول العالم لاحتواء انتشاره.

ورغم تحدي متحور أوميكرون إلا أن “أوبك+” تقلل من تأثيراته على سوق النفط، حيث قالت في تقريرها الصادر عن اللجنة الفنية، أن التداعيات ستكون خفيفة وقصيرة المدى مع تحسن القدرة عالميا على التعامل مع كورونا والتحديات المرتبطة به. فهل ستتحقق تلك التوقعات على أرض الواقع؟!.

ربما تجد مجموعة الدول المنتجة للنفط نفسها أمام عودة لفوائض المعروض من الخام في الأسواق، الأمر الذي قد يعزز الحاجة لخفض الإنتاج مرة أخرى. في الوقت نفسه، تواجه الدول المنتجة للنفط ضغوطًا من الدول المستهلكة التي تشعر بالقلق إزاء موجة التضخم، والتي كان اضطراب إمدادات الطاقة أحد أسبابها.

وقد دفع الطلب المتزايد خلال عام 2021 والمصاحب لتخفيف قيود كورونا؛ الدول الكبرى كالولايات المتحدة واليابان إلى اللجوء لاستخدام احتياطاتها من الاستراتيجية من النفط، سعيًا منها لتهدئة ارتفاع أسعار الطاقة.

ذلك لم يكن له الأثر الملموس في انخفاض الأسعار، فقد ساهم إفراج الولايات المتحدة عن 50 مليون برميل من احتياطيها الاستراتيجي، في رفع أسعار النفط، ما يعني أنها كانت سياسة غير صحيحة.

ولكون الاستثمارات بمجال الطاقة ما زالت دون المستويات المطلوبة، والبالغة 350 مليار دولار، قد نشهد أزمة طاقة أشد وطأة خلال السنوات الـ5 إلى الـ10 المقبلة، وتتمثل في ارتفاع أسعار البترول والغاز، وما له من تبعات على التضخم، خصوصًا مع اتساع تبني السياسات الخضراء من قبل الكثير من الدول.

تعزيز الإمدادات وسط تفاؤل حذر

تترقب أسواق النفط العالمية اجتماع أوبك+، في 4 من يناير الجاري، لبحث حجم زيادات الإنتاج للشهر المقبل، ومن المرجح أن تلتزم أوبك+ بالسياسة الحالية وتؤكد زيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يومياً في فبراير. وتكافح عدة بلدان ومنها أنجولا ونيجيريا لزيادة الإنتاج في ظل قيود استثمارية واضطرابات في التشغيل.

ويمكن أن يُعيد التحالف النظر في تلك الزيادات، بعد ظهور مؤشرات على عودة أسواق النفط العالمية لوجود فائض من المعروض خلال الأشهر المقبلة. وتزيد احتمالات وجود فائض بالأسواق مع مواصلة الولايات المتحدة والمستهلكين الآخرين ضخ احتياطياتهم؛ إذ توقعت أوبك تسجيل الأسواق فائضا قدره 2.6 مليون برميل يوميا في مارس المقبل.

فيما تُرجح منظمة الدول المُصدرة للنفط أوبك وحلفاؤها مواصلة تعافي الطلب العالمي، واستندت أوبك في توقعاتها إلى الإقبال الآسيوي على الطلب -وهو مستهلك رئيسي- وكذلك انخفاض مخزونات النفط الأمريكي، ما يدفع باتجاه ارتفاع الأسعار قرب مستويات 80 دولارًا للبرميل.

وختامًا، لا يوجد ما يمنع تحالف “أوبك+” من مواصلة تدفق البراميل النفطية طبقًا للمعدل المُعلن عنه، خاصة أن تأثير متحور أوميكرون على الطلب ما زال محدود رغم زيادة الإصابات، لكن الأمر الذي قد يثير تقلبات وقلق في أسواق النفط خلال الفترة المقبلة هو استمرار تسارع معدلات التضخم في الدول الأكبر استهلاكًا للنفط (الصين، الولايات المتحدة، وكثير من الدول الأوروبية)، ما يعني جموح في أسعار النفط، وربما نشهد الخام يباع بأكثر من 80 دولارًا للبرميل الواحد.

ربما يعجبك أيضا