محتجزون على وشك الموت.. الصين تشن حربًا على الصحافة المستقلة

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

في السنوات الأخيرة، قادت الصين حملة قمع غير مسبوقة ضد الحق في الحصول على المعلومات، وتتسارع انتهاكاتها ضد التزاماتها الدولية لحرية الرأي والتعبير، وحققت تراجعا كبيرا فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير خلال العامين الماضيين، مما جعلها تحتل المرتبة 177 من أصل 180 في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2021.

«كابوس»

كشف تقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» السنوي حول حرية الصحافيين في العالم في ديسمبر، تفاصيل «كابوس» يزداد سوءًا بالنسبة للصحفيين في ظل حكم شي جين بينغ، مع وجود 128 شخصًا خلف القضبان أو مختفين، وأكثر من 70 صحفيًا من الأويغور، وتم القبض على ما لا يقل عن 10 أشخاص بسبب الإبلاغ عن تفشي فيروس كورونا وإغلاقه في ووهان.

وفي هونج كونج -التي كانت في يوم من الأيام نموذجا لـ«حرية الصحافة»- باتت سجونها الآن تضم عددا متزايدا من الصحفيين، الذين يتم اعتقالهم تحت مسمى «الأمن القومي».

ويشير التقرير إلى أدوات النظام الصيني في قمع الصحفيين واستراتيجيته للسيطرة على الوصول إلى المعلومات، حيث يجبر الصحفيين على أن يكونوا الناطقين بلسان الحزب الشيوعي الحاكم، وأيضا إجبارهم على القيام بتدريب سنوي لمدة 90 ساعة يركز على دراسة أيديولوجية الحزب، وذلك ليتمكنوا من تجديد بطاقاتهم الصحفية، كما يجبرهم على استخدام تطبيق إلكتروني دعائي، يمكنه جمع بياناتهم الشخصية.

وبحسب التقرير، أصبح المراسلون الأجانب غير مرحب بهم في البلاد، من خلال ترهيبهم ومراقبتهم، مما أدى إلى مغادرة 18 صحفيا أجنبيا البلاد عام 2020.

وأشارت المنظمة إلى أن من بين المعتقلين 3 صحفيين أجانب من أصل صيني، بتهمة التجسس، هم غوي مينهاي ويانغ هينغ جون وتشينغ لي.

ودعت منظمة «مراسلون بلا حدود» السلطات الصينية إلى التراجع عن سياساتها القمعية، وقالت: «إن مجرد التحقيق في موضوع «حساس» أو نشر معلومات خاضعة للرقابة يمكن أن يؤدي إلى سنوات من الاحتجاز في سجون غير صحية، حيث قد تؤدي المعاملة السيئة إلى الموت».

جرائم ضد الإنسانية

احتجزت السلطات الصينية ما لا يقل عن 10 صحفيين ومعلقين عبر الإنترنت بسبب تغطيتهم لأزمة  كورونا في ووهان، التي يعتقد أنها منشأ الفيروس، ولا يزال اثنين منهم محتجزين حتى الآن.

وترتفع عدد القضايا المحظورة والخطوط الحمراء، وليس فقط الموضوعات التي تعتبر عادة حساسة، مثل قضايا التبت أو تايوان أو الفساد، والتي تخضع للرقابة، ولكن أيضا للكوارث الطبيعية أو حركة «مي تو» المناهضة للتحرش، أو حتى الاعتراف بالمهنيين الصحيين خلال أزمة كورونا.

وكشفت المنظمة أن النظام الصيني بات يستخدم سفارات بلاده، كأداة ضد حرية المعلومات، وقالت إن البعثات الدبلوماسية الصينية تمثل أيضًا مصدر ضغط ضد حرية المعلومات في الديمقراطيات.

ويشير التقرير إلى أزمة «الأويغور»، وكيف استخدمت السلطات الحرب ضد الإرهاب كذريعة لاحتجاز صحفيين من أقلية الأويغور، الذين يغطون أخبار شينجيانغ.

ومنذ 2016، يشن النظام الصيني حملة عنيفة ضد الأويغور، تحت مسمى «مكافحة الإرهاب»، ويوجد حاليا 71 صحفيا من الأويغور محتجزين، وهو ما يمثل تقريبا نصف الصحفيين المسجونين في الصين.

واتُهمت الصين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ضد من تعتبرهم متشددين إسلاميين وانفصاليين في منطقة الأغلبية من الأويغور.

حرب على الصحافة المستقلة

كان تشين كون يعيش في إندونيسيا مع زوجته وابنته عندما علم من رئيس شقيقه «مي» أنه «اقتيد للتحقيق» من قبل الشرطة الصينية.

لقد اشتبه على الفور في أن الأمر يتعلق بموقع شقيقه، وهو موقع إخباري للمواطنين يُدعى Terminus 2049، أسسه منذ عام 2018، كان «مي» وزميله «كاي» وشريكهم ولقبه «تانج»، يعملان على أرشفة المقالات حول قضايا بما في ذلك حملة #مي تو وحقوق المهاجرين، ويقومون بإعادة نشرها كلما تم حذفها من منصات الإنترنت الصينية الخاضعة للرقابة الصارمة.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، كان Terminus 2049 يستهدف قصصًا حول تفشي فيروس كورونا والاستجابة له.

يعتقد تشين، يعتقد أن أسوأ سيناريو هو أن مي «ستُدعى لشرب الشاي»، وهو تعبير ملطف للاستجواب من قبل الأجهزة الأمنية، وليس القبض عليهم.

وأمضى «مي» و«كاي» قرابة 16 شهرًا رهن الاحتجاز، وأُطلق سراح تانج في مايو، عندما أُدين الاثنان الآخران في محاكمة قال تشين إنها استغرقت 100 دقيقة فقط، وحُكم عليهما بالسجن لمدة 15 شهرًا وأفرج عنهما في أغسطس، وربما لا يزال مي تحت المراقبة.

وأصبحوا مدرجين في قائمة متزايدة من الصحفيين وغيرهم ممن تم اعتقالهم واحتجازهم من قبل السلطات الصينية، غالبًا دون محاكمة، في حملة القمع التي بدا أنها تتصاعد خلال الوباء.

وقال تشين إن هذه علامة على مدى حساسية السلطات الصينية وما زالت بشأن الوباء وأصوله، مضيفا: «أنا متأكد من أن سبب اعتقال أخي كان بسبب كوفيد، قبل اعتقاله لم يواجهوا أي مشاكل».

وتم القبض على «مي» رسميًا بتهمة «إثارة الخلافات وإثارة المتاعب»، وهي تهمة غامضة وواسعة الانتشار وُجهت في كثير من الأحيان إلى المعارضين والنشطاء والصحفيين، وأُرسل إلى المراقبة في مكان محدد (RSDL)، وهو شكل تستخدمه الصين بشكل متزايد من الاحتجاز السري والانفرادي حيث يمكن احتجاز المتهم لمدة تصل إلى ستة أشهر واستجوابه بدون تهمة، أو السماح له بمقابلة المحامين أو الأسرة.

على وشك الموت

تقدر منظمة الحماية الحقوقية Safeguard Defenders أنه تم إرسال ما بين 45000 و55000 شخص إلى RSDL، بما في ذلك حوالي 15000 في عام 2020، ومن بينهم كان «مي» ومذيعة CGTN الأسترالية تشينغ لي، والصحفية صوفيا هانغ والناشط وانغ جين بينغ.

لا يزال تشين يدافع عن أولئك الذين ما زالوا محتجزين، ولا سيما هوانغ، ويقول إنه لا شقيقه ولا والديه على علم بحملته الانتخابية.

كما تخضع للحملات الحقوقية تشانغ تشان، المحامية السابقة التي تحولت إلى مراسلة صحفية، والتي حُكم عليها في عيد الميلاد الماضي بالسجن لمدة أربع سنوات بسبب أكثر من 122 مقطع فيديو نشرتها عبر الإنترنت ومقابلات أجرتها مع الصحافة الأجنبية خلال 14 أسبوعًا في ووهان.

تقول عائلتها لصحيفة «الجارديان»، البريطانية: «إن تشانغ في عمق إضراب طويل عن الطعام، والذي لا يستطيع أي من الأصدقاء أو العائلة إقناعها بوقفه، إنها على وشك الموت».

ربما يعجبك أيضا