بائعة الوهم.. ما وراء سقوط «إليزابيث هولمز»

كتب – حسام عيد

في عام 2003، كان هناك شخصية تدعى “إليزابيث هولمز”، اقترحت فكرة تكنولوجيا تستطيع تشخيص الأمراض بأقل قدر ممكن من عينات الدم، ليتحاكى بها العالم كثيرًا لتتولد معها ثورة كبيرة للغاية في مجال التكنولوجيا الحيوية، وعلى وقع ذلك أسست هولمز شركة “ثيرانوس” وبدأت تجمع الأموال من المستثمرين، ووصولًا إلى عام 2015 صنفت “فوربس” إليزابيث هولمز كأول مليارديرة عصامية بثروة تقدر قيمتها بـ4.6 مليار دولار.

لكن بمرور الوقت، أُجريت تحقيقات واستقصاءات صحفية مختلفة، أثبتت أن تلك التكنولوجيا وهم وليس لها أساس من الحقيقة، لتوصف بعدها هولمز بأنها “باعت الوهم للناس”، ومن ثم خضعت لمحاكمة كانت تراقب من وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم، بل واصطف الكثير منها أمام المحكمة المنوط لها مباشرة القضية التي تُصنف كقضية رأي عام عالمي. وبحلول الإثنين 3 يناير 2022، وجهت محكمة أمريكية إلى “هولمز” رسميًا تهمًا بالاحتيال عمدًا على المستثمرين فقط دون المرضى، بما مجموعه 11 تهمة، وتصل عقوبتها لـ20 عامًا.

كيف بدأت قصة “إليزابيث هولمز” ورحلة صعودها؟

بدأ الأمر باختراع “هولمز” الطالبة -حينذاك- بصفوف الهندسة الكيمائية في جامعة ستانفورد، لفكرة غير عقلانية وهي الخوف من الإبر “الحقن”، وبعد فترة وجيزة من تركها الدراسة؛ أسست وهي لا تزال بعمر الـ19 عامًا “فترة المراهقة” شركتها “ثيرانوس” في عام 2003؛ وذلك لخلق بدائل أرخص وأكثر فاعلية لفحوصات الدم التقليدية.

ومن خلال وعودها بأن شركتها ستحدث ثورة في مجال فحوصات الدم، تمكنت “إليزابيث هولمز” من جمع نحو 945 مليون دولار من من مستثمرين بارزين بما في ذلك عائلة وزيرة التعليم السابقة بيتسي ديفوس (نحو 100 مليون دولار)، وهنري كيسنجر وزير الخارجية الأسبق (نحو 3 ملايين دولار)، وقطب الإعلام روبرت مردوخ (نحو 125 مليون دولار) وعائلة والتون، المؤسس لشركة «وول مارت»، وقطب التكنولوجيا ومؤسس أوراكل لاري إليسون.

كما وقع الإعلام الأمريكي ضحية مزاعم إليزابيث هولمز ليتلقف كل ما تقوله وتسويقها بأنها عبقرية شابة ذات رؤية تضاهي ما لدى مؤسس “شركة آبل” ستيف جوبز.

وكانت هولمز قد وصفت بعد ترويجها لاختراعها بأنها أحدثت ثورة في تشخيص الأمراض وأنها “أصغر مليارديرة عصامية في العالم”، حسبما أطلقت عليها مجلة فوربس الشهيرة للمال والأعمال، و”خليفة ستيف جوبز”، كما وصفتها مجلة أعمال أخرى وضعت صورتها على غلافها. وتوالت الاستثمارات على الشركة التي أسستها وبلغت قيمتها 9 مليارات دولار، حتى بنت سمعة جيدة في وادي السيليكون.

وهم واحتيال وسقوط

مزاعم “هولمز” بإحداث ثورة في مجال الرعاية الصحية، وتحديدًا في التكنولوجيا الحيوية، بدأت تتبدد في عام 2015 بعد أن شكك تحقيق لصحيفة “وول ستريت جورنال” في تكنولوجيا ثيرانوس وطرق فحص الدم الأساسية الخاصة بها.

وأُغلقت ثيرانوس رسميًا في 2018، بعد أشهر من تسوية هولمز لتهم احتيال ضدها رفعتها هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية.

هولمز كذبت عن قصد بشأن تكنولوجيا قالت إنها يمكن أن تكتشف الأمراض، مثل السرطان والسكري، عبر بضع قطرات من الدم.

ولمدة أربعة أشهر تقريبًا في المحاكمة -منذ سبتمبر 2021- عُرضت على هيئة المحلفين المكونة من ثمانية رجال وأربع نساء، روايتين مختلفتين تماما عن المليارديرة السابقة العصامية، التي هز سقوطها وادي السيليكون.

ومن خلال استدعاء نحو 30 شاهدًا، سعى الادعاء لإثبات أن هولمز كانت تعلم أن المنتج الذي كانت تبيعه للمستثمرين كان خدعة، لكنها ظلت مصممة على نجاح الشركة.

وواجهت مؤسسة ثيرانوس 11 تهمة في المجموع، ووجدت المحكمة أنها غير مذنبة بأربع تهم منها تتعلق بالاحتيال أيضًا.

وقال المدعي العام، جيف شينك، في مرافعاته الختامية: “اختارت هولمز الاحتيال على الفشل في العمل. اختارت أن تكون مخادعة مع المستثمرين والمرضى. لم يكن هذا الاختيار قاسيًا فحسب، بل كان إجراميًا”.

كما ألقى الدفاع باللوم على راميش “صني” بالواني، الشريك التجاري السابق لهولمز وحبيبها على مدى سنوات.

وختامًا، لا تمثل الإدانة تجريمًا لهذا الاحتيال فقط، بل فتحت نافذة أمام العالم السرى للشركات الناشئة فى وادى السيليكون، وقدمت نظرة خاطفة نادرة على مكان نادرًا ما يخضع فيه الرؤساء التنفيذيون للمحاكمة وغالبًا ما تتجنب الشركات فيه العواقب التنظيمية.

ربما يعجبك أيضا