روسيا.. بين مطرقة الناتو في أوكرانيا وسندان الفوضى بكازاخستان

عاطف عبداللطيف

كتب – عاطف عبداللطيف

باتت الأزمات تحاصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من كل حدب وصوب، وأصبح مطالب بالصراع على أكثر من جبهة في آن واحد، بعد اندلاع أعمال العنف والفوضى في كازاخستان، التي تعد بمثابة حديقة روسيا الخلفية، فضلًا عن مأزق “الدب الروسي” في أوكرانيا التي تمثل تهديدًا حقيقيًا على الدولة الروسية، نظرًا لتوسع حلف الناتو فيها وتهديده، الأمن القومي لها. ودعا بوتين، الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية، لتقديم ضمانات أمنية فورية من أجل نزع فتيل الأزمة، مهددًا باتخاذ إجراءات عسكرية للتصدي لتوسع الناتو نحو الحدود الروسية.

يشار إلى أن أوكرانيا تحتل أهمية خاصة في التاريخ الروسي، حيث شكلت مع بيلاروسيا إمارة روس الكييفية، بالعصور الوسطى التي أدعت موسكو وكييف أنها وضعت حجر الأساس لبلادهم، كما يصف “بوتين” دائمًا الروس والأوكرانيين بالشعب الواحد، مؤكدًا أن السيادة الحقيقية لأوكرانيا ممكنة فقط بالشراكة مع روسيا، لذا عضوية أوكرانيا في حلف الناتو تهدد الأمن القومي لروسيا، ويجب منعها.

القوة الروسية

خلصت الاستخبارات الأمريكية إلى أن “الكرملين” ربما يخطط لهجوم متعدد الجبهات في أقرب وقت بداية العام الجاري بمشاركة ما يصل إلى 175 ألف جندي، بحسب مسؤولين أمريكيين ووثيقة استخباراتية حصلت عليها “واشنطن بوست” في وقت سابق.

وأظهرت صور الأقمار الصناعية التعزيزات العسكرية الروسية قرب الحدود الأوكرانية، بالإضافة إلى دبابات ومدفعيات وصلت في الفترة الأخيرة، مما يشير إلى احتمالية حدوث غزو روسي لأوكرانيا على غرار نجار موسكو في ضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014، فضلًا عن دعمها الانفصاليين الموالين لها بالجزء الشرقي من البلاد.

تطورات كبيرة

في الجانب الآخر، تتسارع التطورات الدراماتيكية المفاجئة في كازاخستان، وأدت الاحتجاجات العنيفة إلى سقوط قتلى وشلل في حركة النقل الجوي، في حين أعلن الرئيس قاسم جومارت توكاييڤ، حالة الطوارئ وقبل استقالة الحكومة، دعت المعارضة إلى مواصلة الاحتجاجات لحين سقوط النظام.

وتعد كازاخستان، الحديقة الخلفية لروسيا فهي أكبر جمهورية من حيث المساحة وحجم الموارد الطبيعية بين جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة بعد روسيا، كما ترتبط معها بأطول حدود، وتقع على أراضيها محطة بايكونور الفضائية الواقعة تحت الإدارة الروسية، وانتشار أعمال الفوضى بها يمكن أن يؤثر بشكل خطير على مصالح موسكو، وهي بلا شك لا تريد تكرار التجربة الأوكرانية، التي ما زالت عالقة بأذهان الروس، لذا لن تسمح موسكو لكازاخستان بالخروج من دائرة نفوذها؛ نظرًا لأن التغيير المحتمل للسلطة فيها يهدد على وجه التحديد بإعادة التوجه نحو حلفاء جدد خصوم لـ”موسكو”، كما هو الحال تمامًا الآن مع أوكرانيا.

الأزمة الكازاخية

بحسب خبراء، المستفيد الأول من فوضى كازاخستان هي أوكرانيا، إذ ستتحول أنظار وموارد روسيا إليها من أجل حماية مصالحها وأمنها القومي، مؤكدين أن ما يحدث يشبه ضربة تحت الحزام لروسيا، من قبل دول الناتو، ومما يعزز ذلك تمويل الاحتجاجات، وإرسال الرسائل بالبريد إلى المتظاهرين على شبكات التواصل الاجتماعي، مما يؤكد أن هذه المظاهرات عمل مدروس خطط له جيدًا وليس مجرد رد فعل لارتفاع أسعار الغاز؛ فالهدف الأكبر تكرار النموذج الأوكراني والإطاحة بالنظام الحليف لروسيا منذ 30 عامًا إمعانًا في محاصرة الدب الروسي وتضييق الخناق عليه.

ويقول الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الدولي، محمود البتاكوشي في تصريحات خاصة: أصبحت روسيا الآن بين مطرقة الناتو في أوكرانيا، وسندان الفوضى بكازاخستان، فإن ترك الأولى خسر الثانية والعكس صحيح وقد يخسرهما معًا، لا سيما في ظل الأزمات التي تلاحق الرئيس الروسي نفسه في روسيا بسبب أعمال القمع وسوء الأحوال المعيشية، ونجحت أمريكا في إرباكه دون أن تطلق رصاصة واحدة تمامًا، كما فعلت في تفكيك الاتحاد السوفيتي سابقًا، وهو ما دعا الخارجية الروسية إلى القول: الأحداث في كازاخستان محاولة مستوحاة من الخارج من أجل زعزعة استقرار البلد بالقوة، في تلميح إلى دور أمريكي، وهو ما دفع المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، إلى نفي الاتهامات الموجهة إلى واشنطن بالتواطؤ في تفاقم الوضع في كازاخستان.

أما إذا تمكنت روسيا، من حفظ الأمن في كازاخستان، والتوصل إلى حل سياسي يرضي جميع الأطراف، يعد ذلك الأمر نصرًا سياسيًّا جديدًا لروسيا بعد عام بقليل من توسطها في اتفاقية السلام بين أرمينيا وأذربيجان، واتفاق الطرفين على بقاء قواتها في المنطقة، وهو ما قد يتكرر في الحالة الكازاخية، ويمكن بعدها أن تؤكد موسكو أنها الضامن للأمن والاستقرار في المنطقة، والحليف الموثوق به لشعوب بلدان الاتحاد السوفيتي السابق.

ربما يعجبك أيضا