خطة تدمير الطبيعة.. استكمال الغرس الاستيطاني الإسرائيلي في النقب

محمد عبد الدايم

كتب – د. محمد عبدالدايم

اندلعت مواجهات بين فلسطينيين بالنقب وبين قوات الشرطة الإسرائيلية، على إثر قيام “الصندوق القومي لإسرائيل” (قيرن قاييمت ليسرائيل) باستكمال مشروع “غرس الأشجار” في النقب.

أسفرت الصدامات عن اعتقال أكثر من 20 فلسطينيا، ووجهت لهم الشرطة اتهامات بالاعتداء على أفرادها خلال وقفتهم الاحتجاجية ضد عمليات الغرس التي يقوم بها الصندوق القومي لإسرائيل، بالاتفاق مع الحكومة الإسرائيلية.

image 8

مقاول الاستيطان على الأراضي الفلسطينية

تزعم إسرائيل أن الأراضي بالنقب تحت سيادتها، ومن ثم اتفقت مع الصندوق القومي لإسرائيل على مبادلته بالأراضي التي تحت سيطرته في وسط إسرائيل، بمساحات أكبر من الأراضي بالنقب، بما فيها الأراضي العربية التي لا تعترف بها إسرائيل، حيث توجد أكثر من 40 قرية بدوية فلسطينية في النقب لا تعترف بها إسرائيل، وتبلغ مساحة النقب 14 ألف كيلو متر مربع، وتقطنها عشائر فلسطينية ترتبط اجتماعيًا بقبائل سيناء وشبه الجزيرة العربية والأردن.

image 9

من المعروف أن الصندوق القومي لإسرائيل، المعروف قبل 1948 بـ”الصندوق القومي اليهودي” قد تأسس عام 1901 إبان المؤتمر الصهيوني الخامس في بازل، ليكون أحد الأذرع الرئيسة للكونجرس الصهيوني العالمي، وقد قام هذا الصندوق لتمويل عمليات السطو على الأراضي الفلسطينية، واستمر حتى الآن كشركة تابعة للكونجرس الصهيوني تتحرك لبسط سيطرتها على أراض فلسطينية، وتقيم عليها مشروعات استيطانية وتنموية وتجمعات سياحية ومرافق مياه.

كان الهدف من إنشاء الصندوق جمع التبرعات من اليهود بالعالم من أجل الاستيطان في فلسطين، وفي عام 1920 قرر ممثلون عن المنظمة الصهيونية العالمية اعتماد مبدأ يعتبر الأراضي التي يسيطر عليها الصندوق مُلكاً لما يُسمى بـ”الشعب اليهودي ككل”، ومنع بيعها، على أن يُسمح بتداولها عبر الإيجار فقط.

r1fTZHJqhK 0 0 1280 720 0 x large

مواصلة “الغرس الاستيطاني”

بعد توقف لعشرة أيام، استكملت جرافات الصندوق القومي لإسرائيل عملها في تجريف أراض فلسطينية في قرية السعوة بالنقب، وكان التوقف بسبب اعتراض القائمة العربية برئاسة منصور عباس، وتهديده بالانسحاب من الائتلاف الحكومي برئاسة نفتالي بينط.

فيم وصف الشيخ كمال خطيب رئيس لجنة الحريات المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، عمليات التجريف في النقب بـ “صفعة قوية” لمن يقايضون الأرض والدين والوطن مقابل ميزانيات وأموال، في إشارة إلى القائمة العربية الموحدة التي يتزعمها منصور عباس.

إنكار قضائي لحق الفلسطينيين

الأرض التي يزرع فيها حاليا الصندوق القومي اليهودي الأشجار نيابة عن سلطة أراضي إسرائيل هي منطقة ملكية خاصة لعشيرة الأطرش الفلسطينية بالنقب، وسابقا في 2020 تقدم سليمان الأطرش، أحد أبناء العشيرة، بطلب إلى محكمة الصلح في بئر السبع لإصدار حكم تفسيري يثبت ملكيته للأرض، ولكنه لم يحصل على هذا الحكم، حيث رفضت المحكمة طلبه، بدعوى أنه يفتح الباب أما “عرقلة مشاريع تطوير النقب”.

في حيثيات حكمها قالت محكمة الصلح إن “المصلحة العامة تتطلب من السلطات الامتثال لقوانين دولة إسرائيل وأن يعهد إليها بتوزيع وإدارة موارد الأراضي العامة بشكل عام والأراضي الزراعية على وجه الخصوص كملاك الأراضي” ورغم دفع الأطرش بأنه يقوم بحراثة الأرض مرة موسميا، فإن المحكمة اعتبرت أن ذلك “لا يدلل على ملكيته، بل إنه دليل على وضع اليد، وعدم امتلاكه للأرض”.

naqab

خطة تدمير الطبيعة

بالتزامن مع نزاع عشيرة الأطرش على الأرض مع حكومة إسرائيل، قدمت جمعية حماية الطبيعة التماسًا عاجلاً إلى المحكمة العليا ضد الزراعة، جاء في عريضة – رفضتها المحكمة العليا- في نوفمبر الماضي أن “أعمال الزراعة تشمل أعمال الحفر بينما تلحق أضرارًا لا رجعة فيها بالموائل الطبيعية”.

دعوات جمعية حماية الطبيعة لوقف “الغرس الاستيطاني” للصندوق القومي لإسرائيل في النقب ترجع إلى أن الأشجار التي يزرعها الصندوق بطيئة النمو وتلتقط كمية قليلة من الكربون وتمتص الحرارة، مما أدى إلى تضرر الكائنات الموجودة في المنطقة، وفي السابق أقدم الصندوق على ذبح الماعز لإجبار الفلسطينيين البدو على تغيير نمط حياتهم الصحراوي، ما أدى إلى ازدياد الحرائق واضطرار الصندوق إلى التراجع بعد ذلك عن ذبح الماعز، كما وأن فإن غرس أشجار الصنوبر بعدد كبير قد أدى إلى زيادة خطر نشوب الحرائق، لأن الصنوبر يمتاز بقابليته العالية للاحتراق.

مخططات “إعادة توطين إسرائيل”

عام 2001 وضع الصندوق القومي لإسرائيل “مخطط النقب”، وهو مشروع ممتد لعشر سنوات بهدف السيطرة على صحراء النقب، وتحقيق حلم دافيد بن جوريون في “جعل الصحراء تُزهر”، وهو حلم يرتكز على محو الوجود الفلسطيني في النقب.

في 2020 أعلن الصندوق القومي لإسرائيل عن خطة “إعادة توطين دولة إسرائيل 2040”. وتهدف إلى ترحيل الفلسطينيين البدو من النقب، وتوطين مليون مستوطن إسرائيلي بدلا منهم، كما أعلن الصندوق خطة لإنشاء 750 شركة، مع استقطاب 150 ألف يهودي من دول العالم للهجرة إلى إسرائيل، وتوطينهم في منطقتي النقب والجليل.

تشكل هذه الخطة الاستيطانية تهديدا وجوديا للفلسطينيين البدو في النقب، ويدفع الصندوق بأن خطته “سوف تجعل هذه المناطق تُزهِر(تحقيقا لحلم بن جوريون)، وتصبح مراكز لتمكين الابتكار على مدى العشرين عامًا القادمة”.

سيطر الصندوق القومي لإسرائيل أكثر من 65 ألف دونم في الضفة الغربية في السنوات 1967-2019. وتوسع في مشاريع الاستيطان بالضفة الغربية، حيث مول نحو 88 مليون شيقل للاستيطان في الضفة، وتكفل باتخاذ إجراءات لإجبار الفلسطينيين على إخلاء بيوتهم.

SkM3dmk53Y 0 49 1280 721 0 x large

غرس أمني

خطة الصندوق القومي، بإيعاز من الحكومة الإسرائيلية، ليست بهدف السطو على الأراضي الفلسطينية فحسب، بل كذلك تأتي لوضع سواتر من الأشجار لإخفاء المستوطنات اليهودية، مثلما حدث في 2011، حيث بدأ الصندوق عملية لزرع الأشجار حول مستوطنات غلاف غزة، للمساعدة في إخفاء المستوطنات والطرق من النيران المباشرة من قطاع غزة.

ربما يعجبك أيضا