هل يتحول تطعيم كورونا لقضية استقطاب سياسي في أمريكا؟

آية أحمد

كتبت – آية أحمد

أثار انتشار متحور أوميكرون الفزع في العالم؛ كما أصبح هناك انقسام داخلي في المجتمعات؛ بسبب الجدل المُحتدم حول مدى إلزامية التطعيم ضد متحور أوميكرون، لاعتباره سلالة أشد عدوى من فيروس كورونا المستجد، فضلاً عن أن ظهوره تزامن مع فصل الشتاء، مما أثار مخاوف من انتشاره بشكل كبير وسريع، وقد فرضت هذه المخاوف جدلًا حول عدة قضايا؛ أهمها كيفية التعامل مع الذين يرفضون تلقي اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، حيث لُوحظ في الفترة الأخيرة اتجاه العديد من الدول نحو تشديد إجراءاتها وقيودها ضد غير المُطعمين، وعلى صعيد الولايات المتحدة الأمريكية، منعت المحكمة العليا الأمريكية واحدة من أكثر التحركات جرأة للرئيس بايدن لمحاولة السيطرة على وباء كوفيد-19 يوم الخميس الموافق 13 يناير 2022؛ حيث صرح القضاء أن الحكومة الاتحادية لا يمكن أن تجبر أرباب العمل الكبار (أصحاب الشركات) على مطالبة عمالهم للحصول على التطعيم، أو إذا فضلوا عدم أخذه، الحصول على اختبار منتظم.

تداعيات قرار المحكمة

كان القرار بمثابة ضربة كبيرة لمحاولات إدارة بايدن لاستخدام قوة الحكومة الفيدرالية لمكافحة وباء كوفيد-19، وقد أعرب عن خيبة أمله فبعد أشهر من النداءات العامة للأميركيين للحصول على التحصين ضد وباء كوفيد-19، الذي قتل أكثر من 845 ألف شخص في الولايات المتحدة، أعلن بايدن في سبتمبر 2021 بجعل التطعيم إلزامي في الشركات التي توظف 100 عامل أو أكثر،
وسيتعين على الموظفين غير المُطعمين تقديم اختبارات سلبية أسبوعية وارتداء أقنعة الوجه في العمل.

وقد منحت إدارة السلامة والصحة المهنية (OSHA)، وهي وكالة فيدرالية، الشركات التجارية حتى يوم 9 فبراير 2022 لكي تكون ممتثلة للقواعد أو تواجه إمكانية فرض غرامات؛ لكن قضاة المحكمة العليا الستة المحافظين حكموا بأن الولاية ستمثل “تعديا كبيرًا على حياة عدد كبير من الموظفين”.
وذلك على الرغم من أن الكونجرس قد منح سلطة تنظيم المخاطر المهنية دون جدال، فإنه لم يمنح تلك الوكالة سلطة تنظيم الصحة العامة على نطاق أوسع، وأضافوا أن “اشتراط تطعيم 84 مليون أمريكي، يتم اختيارهم لمجرد أنهم يعملون لدى أرباب العمل الذين لديهم أكثر من 100 موظف، يندرج بالتأكيد في الفئة الأخيرة”.

هل يصبح التحصين ضد وباء كوفيد-19 إلزاميًّا؟

كقاعدة عامة، اللقاحات آمنة بشكل كبير، ومع ذلك لا يوجد دواء خال من المخاطر، حيث أن الجرعة الأكثر أمانًا يمكن أن تولد رد فعل (أعراض) نادر، متطرف في عدد قليل من الناس، وهذا يثير معضلة أخلاقية، وفوائد اللقاح هي أساسًا ذات شقين، وبعيدًا عن حماية الشخص من الإصابة بالعدوى، فإن شن حملة واسعة النطاق للتطعيم على نطاق واسع من شأنه أن يؤدي إلى “حصانة القطيع” أي مستوى الحصانة التي لا يستطيع فيها الوباء أن يبدأ من جديد بين الأفراد، وبمجرد أن تحقق مجموعة ما هذه العتبة، يتم اكتساب فوائد حصانة كل فرد دون أي من مخاطر الجانب السلبي، ومن ثم فإن الخيار الرشيد لأي فرد هو أن يشجع بحماس تطعيم الآخرين، وكمسألة تتعلق بالسياسة القانونية، يتوقع من الدولة أن تحل مشاكل العمل الجماعي هذه وأن تجد قرارات عملية للتوتر بين العقلانية الفردية والصالح العام الأوسع، وكيف إذن يتعين على الحكومات أن تشرع “سياسة التحصين” التي تنتهجها؟.


يتعين على الحكومات أن تقرر أين تحدد خط الفصل بين حقوق الفرد وحقوق المجموعة، على الرغم من الاختبارات الدقيقة وجولات عديدة من التجارب التي تظهر أن اللقاح آمن، ويشك العديد من الناس في ذلك، تنخرط المناقشات في جميع أنحاء العالم حول فعاليتها، وفي إطار هذه الصلابة المتزايدة، يبرز سؤال بالغ الأهمية: عندما يتعلق الأمر بالصحة العامة، إلى أي مدى ينبغي ألا يكون التلقيح الإلزامي ضروريًّا عندما يكون هناك عمل طوعي، وقد لا تزال محاولات التطعيم تتم من خلال سلسلة من الحميات القسرية، والمشورة الصحية الموثوقة، وضغط المسؤولين، وفي النهاية، يتعين على الحكومات، عند سن التشريعات، أن تقرر أين تحدد خط الموازنة بين حقوق الفرد وحقوق المجموعة. ولا يزال الوباء يفرض خيارات مزعجة.

الآفاق المستقبلية

كان الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا ضد قواعد اللقاح أو الاختبار الخاصة بالأعمال التجارية بمثابة ضربة كبرى لجهود إدارة بايدن الرامية إلى مكافحة هذا الوباء، الأمر الذي جعل هذه الشركات تفتقر إلى العديد من الأدوات الإضافية لتعزيز تطعيم كافة الأفراد العاملين ضد الوباء. وبما أن متغير أوميكرون يخترق البلاد، فإن المستشفيات والنظم الصحية ستغمر بسبب المرضى غير المُطعمين.

ربما يعجبك أيضا