داعش يظهر من من جديد في سوريا والعراق.. الدلالات والمعالجات

جاسم محمد

رؤية  ـ جاسم محمد

تراجع داعش عن ذروته في عام 2014، عندما كانت في حالة هجوم ويسيطر على مدينة الموصل العراقية والرقة السورية، وأعلن “خلافته” عبر العراق وسوريا. خسر تنظيم داعش داعش آخر موطئ قدم له في العراق في عام 2017 وفي سوريا في أوائل عام 2019. وفي العراق، يعمل التنظيم  كمجموعات أو كوحدات حرب عصابات صغيرة ومستقلة إلى حد كبير منتشرة عبر أكثر التضاريس الوعرة في البلاد، بما في ذلك الجبال والصحاري. من هذه المخابئ، يخرج مقاتلو داعش لاقتحام المناطق الريفية، وخطف السكان وابتزازهم وقتلهم. 

على الرغم من أن داعش لم يعد يسيطر على أي أرض، إلا أنه لا يزال نشط في سوريا وكذلك في العراق. لقد وسع داعش أنشطته  بتنفيذ هجمات، وتحولت هجماته إلى هجمات نوعية ومعقدة، وهذا ما حصل في سجن “غويران” في الحسكة، معقل قسد والتحالف الدولي، وكذلك في العراق بقتل جنود عراقيين في مقرهم الحكومي في العظيم – محافظة ديالى العراقية يوم  17 – 18 يناير 2022.

ورغم ما بذلته الحكومة العراقية من جهود في محاربة تنظيم داعش، إلا أن هذه الجهود لم تضع حد إلى قدرة وقوة التنظيم، كون أن داعش استمر بتنامي قوته رغم العمليات العسكرية الواسعة في العراق، وهذا يعني أن العمليات العسكرية، لم تكن هي المعالجة الصحيحة.

هاجم تنظيم الدول داعش سجن “غويران” في الحسكة السورية معقل قوات قسد والتحالف الدولي،  يوم 18 يناير 2022 السجن يضم ما بين 3000 إلى 5000 مقاتل من داعش، أغلبهم من الذين حصلوا على التدريب. وبالتزامن مع هجوم الحسكة، هاجم التنظيم سرية عراقية مكونة من 11 جندي في منطقة العظيم التابعة إلى مدينة ديالى العراقية، 100 كم شمال شرق بغداد، واستطاع من قتل الجنود العراقية والفرار دون خسائر أو مواجهات.

على الرغم من هزيمة داعش في العراق في عام 2017، وفي سوريا في عام 2019، لكنه لا يزال نشطًا من خلال الخلايا النائمة في العديد من المناطق ولا يزال مسلحو التنظيم يقومون بعمليات تستهدف في كثير من الأحيان قوات الأمن ومحطات الطاقة والبنية التحتية الأخرى. في الأشهر الأخيرة، حذرت قوات الأمن العراقية من أن داعش ستستمر في محاولة إعادة تجميع صفوفها لشن مثل هذه الهجمات المميتة، في حين حذر بعض كبار القادة من أن الخلايا النائمة تواصل شن هجمات مميتة في المنطقة.

كان  التنظيم قادر على إعادة البناء كمنظمة تعمل تحت الأرض عناصر التنظيم ما زالوا يتمسكون بإديولوجيتهم المتطرفة، وما زالوا يحاولون نشر آرائهم من خلال  تنفيذ العمليات الإرهابية والدعاية عبر الإنترنت والسوشيال ميديا. 

بالإضافة إلى المناطق الأساسية التي سيطرت عليها داعش في العراق وسوريا، شكل داعش أيضًا فروعًا في مناطق أخرى من العالم، ولا سيما في إفريقيا. يقول الخبراء: إن  مسلحي تنظيم داعش يخططون في هذه المرحلة على ما يبدو لمزيد من الهجمات المميتة في سوريا ثم العراق، يأتي هذا التقييم بعد زيادة أنشطة تنظيم داعش خلال عام 2021 والعام الحالي 2022. 

النتائج 

ـ داعش يعزز قدراته العسكرية: إن العمليات التي نفذها تنظيم داعش في الحسكة والعراق، لها دلالات؛ أن هذا التنظيم ما زال يعمل على تعزيز قدراته القتالية بالتسلح والتجنيد والتمويل، مستغلا الفراغ السياسي والأمني في سوريا والعراق. وهو مؤشر على أن سياسات مكافحة الإرهاب من قبل التحالف وحليفتها قسد في سوريا لم تكن كافية وليست بالاتجاه الصحيح. 

ـ الملاذات الآمنة: يتخذ التنظيم من جبال حمرين وحوض حمرين وأطراف الموصل وصحراء الأنبار ملاذات آمنة له، وكذلك في سوريا اتخذ من البادية مركز لانطلاق عملياته، بدون شك ترك التنظيم في هذه الملاذات، يعني استمرار التنظيم.

العمليات النخبوية والجهد الاستخباري: إن العمليات الواسعة لم تقضي على ملاذات التنظيم، ما مطلوب هو الجهد الاستخباري بوجود مصادر داخل التنظيم، والمسح الجوي عبر الطائرات المسيرة ، وتنفيذ عمليات ” نخبوية” من قبل قوات خاصة مدربة، لحصد رؤوس قيادات التنظيم.

 ـ استهداف مقرات حكومية : بات مرجحا، أن يستهدف تنظيم داعش في العراق وسوريا، المقرات الحكومية أكثر من استهداف الأهداف المدنية الرخوة، وهذا يمكن أن يجلب للتنظيم مزيد من المقاتلين والتمويل وأنصار جدد. وهذا يتطلب فرض إجراءات أمنية أكثر.

ـ تعزيز داعش قدراته القتالية : انتقل التنظيم في في هذه المرحلة إلى حالة تعزيز قدراته، في التخطيط والتنسيق، خاصة عندما يكون الحديث عن التنظيم في سوريا والعراق، وهناك عوامل عدة تخدم التنظيم أبرزها الجغرافية والعوامل الديموغرافية والخلافات السياسية خاصة في العراق، جميعها تخدم التنظيم، رغم ما تبذله الحكومة العراقية والتحالف وقوات قسد، وهذا يتطلب مراقبة الحدود السورية العراقية.

ـ مراجعة سياسات مكافحة الإرهاب: مطلوب، أن يعيد التحالف الدولي لمحاربة داعش سياسته، وأن يقوم بجهود أكثر في دعم القوات العراقية وقسد والحلفاء لمحاربة تنظيم داعش، ومطلوب معالجة حقيقية أيضا إلى أسباب التطرف والتطرف العنيف والإرهاب، أكثر من القوة العسكرية، وربما الأمر يتطلب انطلاق تحالف إقليمي أو دولي جديد، يتماشى مع تحديات داعش والجماعات المتطرفة الجديدة.

تجنب الصراعات السياسية : ما ينبغي العمل عليه هو إبقاء داعش ضعيفًا، تجنب صراع جديد في العراق أو سوريا، يحتاج السوريون والعراقيون إلى التعاون لملاحقة مقاتلي داعش ومحاربة التطرف. تطلب منع عودة ظهوره جهودًا محلية متواصلة لمحاربة التنظيم وتحقيق الاستقرار في الوضع ، حتى في الوقت الذي تحتاج فيه جميع الأطراف المنخرطة في جهود مكافحة داعش – محليًا ودوليًا – إلى تجنب صراعات جديدة مزعجة فيما بينها ، مهما كانت خلافاتهم.

ـ “الخلافة المكانية “: إن تنظيم داعش الآن غير قادر على فرض السيطرة المكانية على المناطق الحضرية، ربما يحدث ذلك في القرى والقصبات النائية، كذلك فإن التنظيم استفاد كثيرا من تجربته بالسيطرة على الموصل والرقة، ويبدو أنه في هذه المرحلة ليس بوارد السيطرة المكانية.

ما ينبغي العمل عليه:  أن يضع صانعو القرار في اعتبارهم أن التنظيمات المتطرفة تتبع شن هجمات تقليدية كقاعدة أما العمليات التوعية تبقى استثناء وتتطلب أيديولوجيتهم احتلال الأراضي وإدارتها والدفاع عنها، كما أظهروا في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا ونيجيريا والصومال وموزمبيق وأماكن أخرى.  لقد استخدموا أيضًا هذه المناطق كمنصات انطلاق للهجمات الإرهابية .

إن ظهور الإرهاب والتطرف يعتمد على مدى قدرة الحكومات على اعتماد سياسات صحيحة بعيدة عن التهميش وبعيدة عن العرقية وبعيدة عن الفساد، من شأنها أن تعمل على إعادة بناء  المناطق المتضررة، واعتماد حزمة إصلاحات اقتصادية خاصة في التنمية والقضاء على البطالة، إلى جانب تعزيز قدرات الحكومات المحلية في المدن وتعزيز الأمن المجتمعي أكثر من اعتماد القوة العسكرية الصلبة.

ربما يعجبك أيضا