الصراع الروسي – الأوكراني.. كيف ستتداعى الاقتصادات الأوروبية؟

آية أحمد

كتبت – آية أحمد

في الوقت الحالي، تتمحور إحدى المناقشات الرئيسية في بروكسل حول الحاجة إلى توضيح ما هي تداعيات فرض عقوبات على روسيا؛ حيث جمعت روسيا نحو 100 ألف جندي على حدودها مع أوكرانيا من ناحية، وتقوم منظمة حلف شمال الأطلنطي “الناتو” من ناحية أخرى بإرسال سفن وطائرات مقاتلة إلى أوروبا الشرقية؛ وذلك لوجود مخاوف من الغزو الروسي لأوكرانيا وما يسفر عن وقف إمدادات الغاز الروسي الذي يتدفق عبر أوكرانيا إلى الدول الغربية -خاصة النمسا وسلوفاكيا والتي لا تملك ما يكفي من مصادر الوقود الأخرى.

بالنسبة لواشنطن وأوروبا.. هناك مفارقة خطيرة

اتفق رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي في اجتماع عُقد في منتصف ديسمبر 2021 على أن “أي عدوان عسكري آخر تشنه روسيا على أوكرانيا ستكون له عواقب جسيمة وتكاليف باهظة”، كما تم الاتفاق من حيث المبدأ على تدابير عقابية ضد روسيا، ولكنهم اختلفوا حول ما يمكن أن تكون عليه هذه التدابير على وجه التحديد، ورغم أن أوروبا لا تتخلى عن الأمل في التوصل إلى حل دبلوماسي، فإن هناك شواغل تتعلق بالتأثير الاقتصادي.

إن فرض عقوبات صارمة على روسيا قد يكون له أيضًا عواقب على الاتحاد الأوروبي لأن الاقتصادات مرتبطة ببعضها البعض، وقد تكون هناك تكاليف لا ترغب بعض الدول الأعضاء في دفعها؛ كما أنه من الضروري أن ينظر المسؤولون في إمكانية إجبار اللاجئين الأوكرانيين على الدخول إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، وأن زعزعة استقرار أوكرانيا يمكن أن يؤدي إلى زعزعة استقرار منطقة البحر الأسود برمتها.

وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أيّد فرض عقوبات على خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 (التيار الشمالي 2)، في حال غزو روسيا لأوكرانيا، في حين تعتمد ألمانيا وأوروبا بشكل كبير على الغاز الروسي. ألمانيا هي أكبر شريك تجاري لروسيا بعد الصين، والتي يرجع جزء كبير منها إلى واردات الغاز، والذي يشكل نحو ثلث استهلاك الطاقة في ألمانيا، وهذا يعني أيضًا أن الاعتماد على الغاز الروسي آخذ في الازدياد، والذي يُقدر حاليًّا ما بين 50% و75% من واردات الغاز.

كيف يمكن للصراع الروسي الأوكراني أن يصيب الأسواق العالمية؟

إن الغزو المحتمل لأوكرانيا من جانب روسيا المجاورة ستكون تداعياته ملموسة في عدد من الأسواق، من أسعار القمح والطاقة وسندات الدولار وأسواق الأسهم، وفيما يلي مخططات تبين التوترات المحتملة عبر الأسواق العالمية:

أسواق المال، عادة ما يرى أن المستثمرين يسارعون إلى شراء السندات، والتي ينظر إليها عمومًا على أنها الأصول الأكثر أمانًا، وقد لا تكون هذه المرة مختلفة، حتى لو كان الغزو الروسي لأوكرانيا يخاطر بالمزيد من الزخم في أسعار الصرف ــ وبالتالي التضخم، والقدرة على التداول بالعملة الأجنبية، وفي أسواق الفوركس، ينظر إلى سعر صرف اليورو/ الفرنك السويسري على أنه أكبر مؤشر على المخاطر الجغرافية السياسية (الجيو سياسية) في منطقة اليورو.

الحبوب والقمح، من المتوقع  أن تصبح أوكرانيا ثالث أكبر مصدر للذرة في العالم في موسم 2021/2022،  ورابع أكبر مصدر للقمح، وفقًا لبيانات المجلس الدولي للحبوب، وأن تصبح روسيا هي أكبر مصدر للقمح في العالم،  لذا من المرجح أن يكون لأي انقطاع في تدفق الحبوب من أوكرانيا وروسيا وكازاخستان ورومانيا إلى خارج منطقة البحر الأسود أثر كبير على الأسعار، أن يضيف المزيد إلى ارتفاع أسعار الغذاء (تضخم) في وقت تشكل فيه القدرة على تحمل التكاليف مصدر قلق رئيس في جميع أنحاء العالم في أعقاب الأضرار الاقتصادية الناجمة عن وباء كوفيد-19.

الغاز الطبيعي والنفط، من المرجح أن تضرب أسواق الطاقة إذا تحولت التوترات بين روسيا وأوكرانيا إلى صراع؛ حيث تعتمد أوروبا بنسبة 35%على الغاز الروسي، ومعظمه يأتي عبر خطوط الأنابيب التي تعبر بيلاروسيا وبولندا إلى ألمانيا، عبر أوكرانيا، وأشار جي بي مورجان إلى أن التوترات تنطوي على خطر حدوث “ارتفاع مادي” في أسعار النفط، وأشار إلى أن الارتفاع قد يصل إلى 150 دولارًا للبرميل من شأنه أن يخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 0.9% سنويًّا فقط في النصف الأول من عام 2022، في حين يزيد التضخم عن الضعف إلى 7.2%.

آفاق مستقبلية

إن الهدف من تلك التوترات الروسية هو الضغط على الغرب والولايات المتحدة من أجل تلبية كل مطالب روسيا؛ حيث إن روسيا لا تريد أوكرانيا في حلف شمال الأطلنطي لنفس السبب بالضبط الذي يجعل أمريكا لا تريد المكسيك في تحالفات مع الصين، فإن رغبة روسيا في الحفاظ على النفوذ المهيمن على أوكرانيا لا تعني في واقع الأمر رغبة روسيا في الهيمنة على أوروبا الوسطى.

ربما يعجبك أيضا