التظاهرات الفئوية.. مؤشر على فشل النظام الحاكم في إيران

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

تشير الوقائع في إيران إلى عكس ما يروج له النظام؛ حيث تعصف الأوضاع الاقتصادية الصعبة بالمواطن الإيراني؛ إلى درجة دفعه إلى التظاهر من أجل تحسين أوضاعه المعيشية، وهو ما ينذر بانفجار الشارع هناك في وجه النظام الحاكم.

فيما تزايدت مظاهرات البطون الجائعة في إيران مع تصاعد الانهيار في مختلف القطاعات، رمى المرشد العام علي خامنئي، مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد على الحكومات السابقة.

وهاجم خامنئي بطريقة غير مباشرة حكومتي الرئيسين السابقين أحمدي نجاد وحسن روحاني، واعترف قائلا في تصريحات «إن إحصاءات الاقتصاد الكلي للبلاد غير مرضية».

وأكد خلال اجتماع مع المنتجين والمسؤولين الاقتصاديين في البلاد، بحسب ما أفادت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية «إيسنا» أن إحصاءات الاقتصاد الكلي في العقد الماضي، بما في ذلك نمو الناتج المحلي الإجمالي وتكوين رأس المال والتضخم وزيادة السيولة، كانت دون المطلوب.

وفي صحيفة “صداي اصلاحات” الإصلاحية، قال الناشط السياسي، محمد غرضي، إن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وأعضاء حكومته لا يعرفون طرق الحكم والإدارة، وإن الحكومة حتى الآن لم تستطع الوفاء بما تعهدت به من أمور وقضايا، حيث ادعى رئيسي قبل الوصول إلى السلطة أنه يستطيع حل مشاكل الناس وتلبية مطالبهم وتطلعاتهم.

وأضاف غرضي قائلا: “إن الحكومات الإيرانية المتعاقبة منذ الثورة وحتى اليوم وبدل العمل من أجل الثورة ومكتسباتها؛ حاولت العمل لتحقيق أهداف ومصالح تياراتهم والأحزاب التي يمثلونها وبهذا تكون الحكومة قد ابتعدت عن الثورة”.

وأعرب عن أمله في قدرة رئيسي على الحفاظ على سعر الدولار كما هو الحال الآن وإلا فإن الأمور ستسير عكس مصلحة الثورة.

أيضًا، قالت صحيفة “شرق” إن الوضع الاقتصادي في إيران أصبح سيئا للغاية، بحيث بات المواطن يعيش في ظروف لم يكن قد جربها خلال العقود الأربعة الأخيرة، منوهة إلى أن بعض قطاعات الشعب أصبحت عاجزة عن توفير الخبز، ناهيك عن أساسيات الحياة الأخرى مثل السكن والملابس والتعليم، وهذا الوضع المتردي كان السبب في زيادة الهجرة إلى المدن الكبرى والمشاكل الأسرية وتنامي ظاهرة السرقة في المجتمع، كما تقول الصحيفة.

مجرد شعارات ثورية

يرفع النظام الإيراني، شعار “الاقتصاد المقاوم”؛ بحجة رفع القدرة الإنتاجية في الداخل وتخليص إيران من التبعية للأسواق والمنتجات الخارجية، لكن واقع الأمر عكس ذلك.

فبينما أمر المرشد علي خامنئي، في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، بفرض حظر على استيراد الأجهزة الكهربائية من كوريا الجنوبية، في تدخل منه في هذه السوق، بذريعة الاقتصاد المقاوم؛ ارتفعت أسعار هذه النوعية من السلع في السوق الإيراني، وأصبح المواطن الإيراني يعاني من عبء سياسة النظام الخارجية والداخلية، على المستوى السياسي والاقتصادي.

وقد اعتبرت صحيفة “جهان صنعت” الاقتصادية أن فكرة “الاقتصاد المقاوم”، التي يناصرها المرشد علي خامنئي والتيار الموالي له، جعلت من إيران تعيش عزلة داخلية، موضحة أن سبب الكساد الاقتصادي في إيران يعود لتبني هذه الفكرة، وبينت أنه وفي حال رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران فإنه لا أمل في تحسين الوضع الاقتصادي لأن الاقتصاد يحقق النمو والازدهار في ظل وجود منافسة وتجارة حرة، وهو ما لا يضمنها ما يعرف بـ”الاقتصاد المقاوم” الذي كثر الحديث عنها في الداخل الإيراني.

انخفاض القوة الشرائية

وفي إشارة إلى الانكماش في السوق الإيراني نتيجة تدهور أوضاع الإيرانيين المعيشية، قال رئيس اتحاد تجار الأجهزة المنزلية الإيراني إن هناك ركودًا تامًا في الأسواق والناس يبحثون عن تصليح أجهزتهم بدلا من شراء أخرى جديدة.

وأوضح أن “الناس حاليا لا يملكون القوة الشرائية ويبحثون أكثر عن التصليح، وبشكل عام زاد الطلب على التصليح في السنوات الأخيرة”.

وتأتي هذه التصريحات فيما أعلن اتحاد بائعي الفاكهة والخضروات، إسماعيل مراديان، عن زيادة بنسبة 10 إلى 20 في المائة في أسعار الخضروات والفواكه خلال أسبوع، وزيادة “حادة” في أسعار البطاطس.

وقد سجلت إيران تضخما اقترب من 60%، مما سدد ضربة قوية لسبل عيش موظفي القطاع العام وسواهم ممن يتقاضون رواتب ثابتة.

وكان الرئيس إبراهيم رئيسي الذي تولى منصبه في أغسطس، اقترح زيادة رواتب موظفي القضاء مع قرب انتهاء توليه رئاسة السلطة القضائية، لكن الحكومة الجديدة التي يرأسها، عدلت رأيها. وتشهد إيران منذ أعوام أزمة اقتصادية ومعيشية حادة تفاقمها العقوبات الأمريكية، وقد انعكست في تراجع سعر صرف العملة وزيادة التضخم.

تظاهرات فئوية

وتتوالى التظاهرات الفئوية في إيران التي تعبر عن طبقة محدودي الدخل من العمال والموظفين والعاملين في قطاعات الدولة المختلفة، فبعد تظاهرات عمال شركات النفط والحديد والصلب، نظم المعلمون في مختلف مدن إيران، تظاهرات للتعبير هن رفضهم لأوضاعهم المعيشية.

فقد تظاهر آلاف المعلّمين الإيرانيين احتجاجاً على بطء تطبيق إصلاحات للأجور ورواتب التقاعد، في احتجاجات تخلّلتها مطالبة بالإفراج عن زملاء موقوفين، ورفعوا شعار، «أطلق المعتقلين. كفاكم ظلما».

وذلك في سلسلة من التحركات التي تقيمها في الآونة الأخيرة قطاعات مهنية إيرانية عدة في إيران احتجاجاً على الظروف المعيشية والاقتصادية.

ورفع المحتجون سلسلة مطالب، منها على سبيل المثال مساواة رواتبهم برواتب أقرانهم في مجالات أخرى من القطاع العام، وفق “إيلنا” العمالية.

حالة انفجار

وقد ذكرت وثيقة “سرية للغاية” حصل عليها موقع “راديو فردا” المعارض، من اجتماع “مجموعة العمل للوقاية من أزمات الأمن المعيشي” في ‎إيران أن “المجتمع الإيراني في حالة انفجار، وأن الاستياء الاجتماعي قد ازداد بنسبة 300 في المائة خلال العام الماضي”.

هذه الوثيقة، التي قدمتها مجموعة “عدالة علي” السيبرانية إلى “راديو فردا”، هي النص الكامل لمحضر اجتماع لمقر ثار الله والذي عقد برئاسة نائب قائد مقر ثار الله العميد حسين نجات، ويتألف من سبع صفحات ومؤرخ بـ21 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

ومقر “ثار الله” التابع للحرس الثوري الإيراني، هو الهيئة الرئيسية المسؤولة عن قمع الاحتجاجات في إيران.

وحسب الوثيقة، فقد حذر مسؤول أمني من أنه «إذا لم نتمكن من القضاء على الموجة الجديدة لارتفاع الأسعار بطريقة ذكية، فقد تكون الأزمة الاقتصادية هي المحرك الرئيسي للاحتجاجات القادمة في إيران».

والمحصلة، أن النظام الإيراني يقلق من التظاهرات الفئوية خشية من الانفلات الأمني، واندلاع تظاهرات تشامل كافة المدن الإيرانية بما يهدد استقرار النظام الحاكم. ولذلك، هناك دعوات داخل النظام الإيراني، إلى سن قانون يحظر التظاهرات في الشارع الإيراني.

ربما يعجبك أيضا