إفريقيا.. حرب مستمرة على النفوذ والهيمنة الفرنسية في مالي

محمود سعيد

تحاول مالي الخروج مما تراه هيمنة فرنسية على مقدراتها وثرواتها المحلية وقرارها السياسي، وتلقى تحركات الرئيس المالي هاشمي جويتا، في هذا الشأن دعمًا جماهيريًّا كبيرًا.

وكان الرد الفرنسي تاريخيًّا على محاولات إنهاء هيمنتها، يأتي بصورة الضغوط الاقتصادية وأحيانًا دعم تحركات وانقلابات عسكرية مناوئة للسلطة الحاكمة، تعمل على إعادة الوضع إلى ما كان عليه، ولكن قيادات إفريقية جديدة بدأت الاستعانة بروسيا لمواجهة النفوذ الفرنسي.

ثمار سياسات الرئيس المالي

الرئيس هاشمي جويتا استغل كراهية شعبه لسياسات فرنسا، التي يرونها “عنصرية” و”استغلالية”، ودعم المظاهرات الشعبية ضدها، تلك المظاهرات التي أيدت أيضًا سياساته في إخراج فرنسا وقواتها العسكرية من البلاد، حتى الماليون الذين طالبوه بتسليم السلطة للمدنيين أيدوه في سياسته ضد باريس وطرد السفير الفرنسي، ووسائل الإعلام الفرنسية التي من وجهة نظر الماليين تزوِّر الحقائق.

جويتا ارتكز في صراعه مع فرنسا على الدعم الروسي، فموسكو تحالفت مع المجلس العسكري المالي وتغلغلت رسميًّا عبر قوات فاجنر في مفاصل الدولة المالية، وألغى المجلس العسكري الحاكم الاتفاقيات الدفاعية أيضًا الموقعة مع فرنسا وشركائها الأوروبيين، شاجبًا الانتهاكات الصارخة للقوات الفرنسية في مالي لسيادة البلاد وخروقاتها للمجال الجوي المالي، حسب ما أوردت “الفرنسية”.

الجيش الفرنسي والانسحاب

أمام الأمر الواقع، قال الجيش الفرنسي إنه سيكمل انسحابه مع نهاية الصيف الحالي، وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد صرح في فبراير الماضي، بأن قواته ستنسحب بانتظام خلال 4 إلى 6 أشهر، وهو بالفعل انسحب من قاعدة ميناكا، كما انسحبت قوات قوات برخان وتاكوبا، وهي قوات عسكرية فرنسية.

ولكن المجلس العسكري الحاكم أعلن إحباط محاولة انقلاب عسكري، بعد ساعات من إعلان باماكو انسحابها من مجموعة دول الساحل الإفريقي الخمس، واتهمت وسائل الإعلام المالية حينها فرنسا بأنها وراء الانقلاب، وأن عليها الخروج من البلاد أو ستعد قوات احتلال، كما أن الرأي العام الفرنسي رأى ضرورة الانسحاب من الرمال الإفريقية، خصوصًا بعد الخسائر التي منيت بها القوات الفرنسية.

الأهداف الروسية والشعب المالي

أمام تصاعد الصراع بين روسيا وفرنسا، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ورغبة روسيا في تجاوز العقوبات الدولية عليها بالاعتماد على ثروات القارة الإفريقية، فإن الخيار المالي بالاعتماد على روسيا قد يكون مفيدًا على المدى المتوسط، لكنه لن يكون كذلك على المدى البعيد.

والسبب في ذلك أن الشعب المالي سيكتشف سريعًا أن روسيا حلت محل فرنسا في الاستيلاء على ثروات البلاد، فوجود روسيا في مالي وبلدان إفريقية أخرى هدفه تضييق الخناق على الناتو من الجنوب، كورقة ضغط أمام سعيه للاقتراب من حدود روسيا الغربية، فتعمل روسيا على إحياء نفوذ الاتحاد السوفيتي السابق.

شروط باماكو.. وما بعد الانسحاب الفرنسي

يقول المحلل السياسي حمدي جوارا إنه: “توجد محاولة لتجديد عقد القوات الأممية (المنيسما) ومالي وضعت شروطًا جديدة لتجديد هذا العقد، منها أنها لن تسمح لفرنسا بأن تغطي المجال الجوي لهذه القوات الأممية”، وقال وزير الخارجية المالي في كلمته بمجلس الأمن إن بلاده “تريد أن تخرج هذه القوات من حال تموضعها في كيدال إلى قوات هجوم وليس حفظ سلام، كما هو حالهم منذ 10 سنوات”.

وتعداد “المنيسما” 12 ألف عسكري، وأكثر من ألف و700 شرطي، وألف و800 مدني، بحسب قناة “فرانس24”. وحاولت باريس عرقلة تجديد ولاية قوات “المنيسما” أو تقليص عدد قواتها والميزانية الخاصة بها، للضغط على حكومة مالي وقوات فاغنر الروسية، كما أن انسحاب القوات الفرنسية قد يلغي اتفاق الجزائر الذي وقع في العام 2015 والذي وضع حدًّا للصراع بين قوات الطوارق وجيش مالي.

ربما يعجبك أيضا