مبادرات وتحولات.. بايدن يضع بصمته تجاه الملف الليبي

محمود رشدي

رؤية- محمود رشدي

استبقت إشارات إدارة الرئيس جو بايدن بشأن الملف الليبي، محادثات مهمة برعاية الأمم المتحدة في جنيف، حول ترتيبات المرحلة الانتقالية في البلد الممزق بالصراعات السياسية والعسكرية منذ سقوط نظام معمر القذافي.

فما هي مدلولات الإشارات الأمريكية على مضمون التسوية الجارية للأزمة الليبية؟ وماذا تعني بالنسبة للأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة في أوضاع البلد الشمال أفريقي الجار لأوروبا والغني بموارد الطاقة؟.

تحولات

الدعوة التي وجهها رئيس البعثة الأمريكية في الأمم المتحدة ريتشارد ميلز جونيور، بـ”الشروع فورا في سحب القوات التركية والروسية من ليبيا، بما فيها جميع العناصر المرتزقة والمندوبين العسكريين الأجانب”، تعتبر تحولا ملحوظا في سياسة الإدارة الجديدة مقارنة بسياسة الرئيس السابق دونالد ترامب.

ذلك لأنها دعوة صريحة لـ”جميع الأطراف الخارجية، بما في ذلك روسيا وتركيا، إلى احترام السيادة الليبية والوقف الفوري لجميع التدخل العسكري في ليبيا.” لم يصدر مثيل لها في وقت سابق من الإدارة السابقة، التي طالما اعتمدت لغة غامضة وملتبسة إزاء اللاعبين الأجانب في الملف الليبي. بحسب تقرير نشرته دويتشه فيله.

وتحمل هذه الخطوة، تحريكا للملف الليبي إلى سلم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، في الشرق الأوسط والتي يتصدرها الملف النووي الإيراني واتفاق السلام في أفغانستان. وتأكيدا على قلق واشنطن من تداعيات الأزمة الليبية على ملفات استراتيجية أخرى منها متطلبات أمن مناطق نفوذ حلف شمال الأطلسي (ناتو) وإمدادات النفط والغاز واستقرار منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، وهي ملفات تشهد متغيرات متسارعة لا تريد واشنطن أن تتجاوزها لصالح قوى إقليمية ودولية منافسة على رأسها روسيا والصين.

ولم تستثن الخطوة الأمريكية حلفاء تقليديين، فيما يبدو تصميما من الإدارة الجديدة على المضي في أجندة التسوية الأممية التي ترعاها الديبلوماسية الأمريكية ستيفاني ويليامز. ومن هنا استندت دعوة المندوب الأمريكي في نيويورك لسحب القوات الأجنبية من ليبيا، إلى قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بوقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في 23 أكتوبر الماضي.

وتزامنت الخطوة الأمريكية بدعوة أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ومجلس الأمن الدولي إلى كافة الأطراف المتدخلة في الأزمة الليبية بعبارات واضحة”اتركوا الليبيين وشأنهم”.

وبموازاة المسار الأمني والعسكري، تريد المبعوثة الأممية أن تستفيد من الزخم الجديد في البيت الأبيض وفي مسارات المحادثات التي رعتها الأمم المتحدة منذ نوفمبر الماضي في المغرب وتونس ووصولا إلى جنيف، من أجل تحقيق اختراق على مستوى التسوية السياسية للأزمة. وذلك عبر حثِّ المشاركين في الحوار السياسي الليبي الذي انطلق الإثنين أول فبراير/ شباط الحالي ويتواصل حتى الخامس منه، على انتخاب تشكيلة مجلس الرئاسة الذي سيتألف من ثلاثة أعضاء ورئيس للوزراء، يُعاونه نائبان. وستكون مهمة المجلس الانتقالي المنتخب “إعادة توحيد مؤسسات الدولة وضمان الأمن” حتى موعد الانتخابات المقررة في 24 كانون الأول/ ديسمبر هذا العام.

الحوار الليبي

وتواجه جولة الحوار الليبي، صعوبات في سبيل التوفيق بين مصالح وطموحات الشخصيات والأطياف الليبية المتعددة المشاركة والتي ما تزال تربط طيفا واسعا منها تحالفات مع قوى إقليمية ودولية لطالما تحكمت في مفاعيل الأزمة الليبية.

وتشمل اللائحة التي أعلنت عنها الأمم المتحدة أسماء 45 شخصا بينهم ثلاث نساء فقط، وتضم شخصيات مؤثرة على الصعيد المحلي سواء السياسي أو القبلي والأمني، من غرب البلاد وشرقها، المنطقتين الرئيسيتين اللتين تتنافسان على السلطة، فضلا عن آخرين من الجنوب التي تعتبر بدورها منطقة توازن ونفوذ حسّاسة خصوصا في العلاقة مع الجوار الأفريقي المعقّد.

ومن أبرز الوجوه المرشحة للعب دور رئاسي سواء في الحكومة أوالمجلس الرئاسي، فتحي باشاغا وزير الداخلية الحالي وأحمد معيتيق نائب رئيس مجلس الرئاسة الحالي وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة حاليا ووزير الدفاع صالح النمروش وأسامة الجويلي أحد قادة الانتفاضة ضد نظام القذافي سنة 2011، وعن المنطقة الشرقية عقيلة صالح رئيس مجلس النواب (مقره بشرق ليبيا) بالإضافة إلى اسم السفير الليبي حاليا بالأردن محمد البرغثي.

وتخضع عملية اختيار القيادة الليبية المؤقتة إلى توازنات عديدة بين الجماعات والمناطق والقبائل المؤثرة في المشهد الليبي، ومن العوامل الجديدة ذات التأثير، العلاقة مع القوى الأخرى المؤثرة في أوضاع ليبيا، ومن أهمها العامل الجديد المتمثل في إدارة بايدن.

ويرى محللون في هذا السياق بأنه يجري تحريك خطوط الاتصال بين الأوساط الليبية ودوائر صنع القرار الأمريكي التي تعطلت خلال فترة إدارة الرئيس السابق ترامب، بعد أن كانت نشيطة إبان فترة حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي دعم انتفاضة 17 فبراير سنة 2011 ضد نظام القذافي. وهو اتجاه يتوقع أن يكون على حساب الزعيم العسكري في شرق البلاد، الجنرال خليفة حفتر قائد قوات “الجيش الوطني الليبي”، لكن ليس بالضرورة على حساب المجموعات المؤثرة والقوى القبلية المساندة له في بنغازي.

ربما يعجبك أيضا