لماذا يجب على الغرب الاستعداد لتفكك روسيا؟

آية سيد
تفكك روسيا

يجب أن يفكر الاستراتيجيون الغربيون في التنظيم الجيوسياسي المفضل لأوراسيا قبل أن يبدأ التفكك العشوائي لروسيا.


ربما كان دافع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لبدء الحرب الروسية الأوكرانية هو الخوف من حدوث “ثورة ملونة” في موسكو.

ويرى الأستاذ المساعد للعلاقات الدولية بجامعة كونكورديا الكندية، جوليان سبنسر تشرشل، أن من مصلحة الدول الديمقراطية ضمان عدم خضوع الشرق الأقصى الروسي للسيطرة الصينية، على الأقل حتى تصبح الصين ليبرالية.

بوتين يدعم الجغرافيا الروسية

هذه الثورة التي يخشاها بوتين قد تطيح بالنظام السياسي شبه الاستبدادي لروسيا، وفي هذا الشأن رأى الأستاذ المساعد للعلاقات الدولية بجامعة كونكورديا الكندية وضابط العمليات السابق، جوليان سبنسر تشرشل، في مقال له بمجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، أن بوتين محق في إقدامه على الحرب.

وأضاف أن “محاولته لتدعيم الجغرافيا الروسية قبل أن يأتي نظام ليبرالي ليغلق نافذة الفرصة إلى الأبد، منطقية، ذلك أن الدستور الليبرالي في موسكو سوف يؤدي إلى انفصال أراضي الأقليات الروسية، لذلك، حان الوقت لكي يفكر الاستراتيجيون الغربيون في التنظيم الجيوسياسي المفضل لأوراسيا، قبل أن يبدأ التفكك العشوائي لروسيا.

تفكك الاتحاد السوفيتي

ذكر سبنسر تشرشل أن الاتحاد السوفيتي كان يمثل 15% من مساحة اليابسة العالمية قبل تفككه، والذي أدى إلى تأسيس 15 دولة قومية جديدة، وظهور موجة من التحديات الجيوسياسية على مستوى القارة. ونتيجة لذلك أصبحت الوحدوية التوسعية Irredentism أرضًا للمعركة بين المصالح الروسية، والتركية، والإيرانية، والغربية.

ولفت الكاتب أيضًا إلى أن آسيا الوسطى لديها دوائر متداخلة من النفوذ الروسي والصيني، وتتعرض لتهديد الجماعات التكفيرية المسلحة. هذا وتبقى الوحدوية التوسعية الروسية مشكلة في دول البلطيق وأوكرانيا ومولدوفا في أوروبا، وكازاخستان في آسيا الوسطى.

ما احتمالات تفكُّك روسيا؟

أشار سبنسر تشرشل إلى أن روسيا تمتلك 11% من مساحة اليابسة العالمية، وتتشارك حدودًا مع القوة الأوراسية الصاعدة، الصين الشيوعية. ولفت إلى أنها تتمتع بتجانس عرقي ولغوي أكبر من الاتحاد السوفيتي، فـ78% من سكانها من أصول عرقية روسية، ما يجعلها أقل ترجيحًا للتفكك.

ووفق الكاتب، تمثل الشعوب التركية 9% من السكان، لكن اختلافات اللغة والدين، فضلًا عن تمركزهم جنوب جبال الأورال في المناطق الداخلية لروسيا الأوروبية، يجعل انفصالهم مستبعدًا. وفي المقابل، يضم القوقاز مجتمعات مترابطة جغرافيًّا مكونة من 1.5 مليون شيشاني، ومليون من كل من الآفار والموردوفيين.

رواج الاستفتاء.. والشرق الأقصى

ذكر الكاتب أن الاستفتاءات على الاستقلال ستلقى رواجًا في موسكو الليبرالية، لكن العدد الكبير من السكان الآذريين في داجستان سيؤدي سريعًا إلى تفشي الصراع العرقي هناك، وفي كل إقليم مستقل مجاور. وقال إن هذه التطورات ستتيح المجال أمام توغل تركيا وإيران.

وفي الشرق الأقصى، الأكثرية الديموجرافية الروسية كافية لمواجهة أي دافع للاستقلال، بحسب سبنسر تشرشل. ولفت الكاتب إلى أن إقليمي ياقوتيا وبورياتيا يضمان عددًا متساويًا من الروس والشعوب المحلية، لذلك هما ليسا عرضة للتحريض العرقي.

التحولات الثورية.. وحافز الصين

التحولات الثورية في الحكومات، حتى لو لم تكن مصحوبة بثورات، يمكن أن يكون لها آثار هائلة في وحدة الدولة وأمنها، فقد رأى الكاتب أنه في حالة حدوث ثورة شاملة في موسكو، قد يتعذر الدفاع عن الأراضي الروسية البعيدة. وفي مثل هذه الظروف، من شبه المؤكد أن الشيشان ستعلن استقلالها مثلما فعلت في 1991.

وإضافة إلى هذا، تمتلك الصين حافزًا قويًّا يتعلق بالتاريخ والموارد لاستعادة الأراضي الواقعة شمال نهري آمور وأوسوري. ولذلك فإن الضعف الروسي في الشرق الأقصى قد يؤدي إلى سلسلة من التدخلات الصينية في منغوليا، وإقليمي بورياتيا وياقوتيا.

التدخل الغربي في روسيا

بحسب سبنسر تشرشل، تدخل الغرب في سيبيريا من قبل، ففي أغسطس 1918 هبطت القوات الأمريكية، واليابانية، والبريطانية، والهندية، والكندية، والأسترالية والصينية في فلاديفوستوك، لمواجهة التوسع الياباني هناك.

ولكن سوف يكون من الصعب تنفيذ التدخل المعاصر من البحر، نظرًا لقربه من منطقة الحظر الجوي الصيني، إلا أنه توجد موانئ بدائية تقع الطرق المؤدية إليها تحت غطاء القواعد الجوية اليابانية في جزيرة هوكايدو. وذكر سبنسر تشرشل أن الانهيار المفاجئ للأنظمة الاستبدادية في أوراسيا يحدث بانتظام منذ ما قبل سقوط جدار برلين في نوفمبر 1989.

حَذَر بوتين من التعبئة السياسية

أشار الكاتب أيضًا إلى أن العناصر الأساسية لانهيار الأنظمة المستبدة، هي التغيير الجيلي المصحوب بانتشار الوعي بأن الحكومة الفاسدة هي السبب الجذري للركود الاقتصادي. وعلاوة على هذا، لفت الكاتب إلى أن خوف بوتين من التعبئة السياسية للفئات العمرية من 18 إلى 30 عامًا هو ما منعه من تجنيدهم في حربه في أوكرانيا.

وهذا لأن تلك الشريحة العمرية من نسيج المجتمع الروسي سوف يمثلون الجزء الأكبر من الجيش الذي قد ينقلب عليه. ومثل موسكو، تعتقد بكين أن “الثورات الملونة” أداة لنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية، والتدخل في شؤونها.

التهديد الأمني الرئيس

رأى الكاتب أنه كان من الممكن إجراء استفتاءات عامة في شبه جزيرة القرم وأجزاء من أوكرانيا، لتجنب الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا. وأنه من الواضح أن أرمينيا كانت ستصبح أفضل حالًا بالبقاء داخل كونفيدرالية روسية، نظرًا للتحديات الأمنية الخطيرة التي تواجهها، مثلما هو الحال بالنسبة إلى الكثير من دول آسيا الوسطى.

وقال سبنسر تشرشل إن الصين التوسعية هي  التهديد الأمني الرئيس للنظام الدولي، لذلك قد يجد الغرب وقف تفكك روسيا مفيدًا. ووفقًا لمبدأ حق تقرير المصير والتضامن الديني، يمكن تشجيع دول القوقاز المستقلة حديثًا على الدخول في كونفيدرالية على غرار يوغوسلافيا، بدلًا من الانقسام في صراع عرقي.

ربما يعجبك أيضا