«أردوغان الوجه الآخر».. كتاب يسلط الضوء على الرئيس التركي وكيف وصل للسلطة

وليد أبوالمعارف

رؤية

الجزائر – يسلط  كتاب “أردوغان الوجه الآخر” للدكتورة عقيلة دبيشي أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة باريس ورئيس المركز الفرنسي للأبحاث وتحليل السياسات الدولية، الضوء على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكيف وصل للسلطة في بلاده.

تقول الكاتبة إن أردوغان اهتم بالعمل السياسي في وقت مبكر، وبدأ انطلاقه وشغفه بالسلطة يتحقق منذ عام 1994 عندما شغل منصب رئيس بلدية إسطنبول ثم تخطيطه للوصول إلى أعلى قمة هرم السلطة؛ حيث وصل لمنصب رئيس الجمهورية في أغسطس 2014، حيث عمد إلى الاستفادة من شعبيته التي حققها في بداية حكمه.

وتشير المؤلفة  في كتابها إلى مجموعة من السياسات التي انتهجها أردوغان لإحكام سيطرته على مقاليد الحكم في تركيا، ومنها الإصلاحات الاقتصادية التي حققها أردوغان معتمدا على القاعدة الاقتصادية للطبقة البرجوازية الإسلامية لحزب العدالة والتنمية منذ مطلع التسعينيات، كما ساهمت المساعدات الأمريكية السخية التي تقدر بحوالي ستة مليارات دولار، والقروض التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لأردوغان في مقابل دعمه للحرب على العراق في ارتباط اسمه بفترة الانتعاش الاقتصادي ما جعله يظهر في شكل رجل الدولة القوي.

ويوضح الكتاب أن من بين هذه السياسات أيضا التلاعب بالأيديولوجية السياسية؛ حيث عمد “حزب العدالة والتنمية” في بداياته إلى إخفاء هويته الحقيقة؛ فقد صنف الحزب نفسه على أنه يتبع مسارا معتدلا غير معاد للغرب يتبنى رأسمالية السوق ومبادئ الديمقراطية الغربية مع مرجعية دينية “وليست إسلامية” ليشغل بهذا موقعا وسطا بين العلمانية والإسلام، ولكن ما أن ترأس أردوغان الحكومة، وما تلى ذلك من رئاسة الدولة، حتى أعلن عن هوية الحزب الحقيقة وأهدافه السياسية باعتباره المدافع عن الدين وحامي الإسلام ورافع راية الخلافة الإسلامية.

وفي طيات الكتاب تستعرض الكاتبه أن من السياسات الهامة والمؤثرة التي اتبعها أردوغان هي مصادرة السلطات بمعني ضرب القوى التي يمكن أن تهدد الهيمنة الكاملة لأردوغان على مقاليد السلطة في بلاده، ومنها السيطرة على الجيش التركي التي يشرح الكتاب مراحلها وخطواتها المختلفة، ومنها الحكم على 300 ضابط بالسجن في عام 2012 بتهمة التآمر للأطاحة بأردوغان، والحكم بسجن الجنرال كنعان أفرين( 97 عاما) مدى الحياة في يونيو 2014 بتهمة مسؤوليته عن قيادة انقلاب عام 1980 الخ، وجاءت الضربة الكبيرة للجيش التركي على يد أردوغان في يوليو 2016 بمحاولة الانقلاب الفاشل عليه.

ويشرح الكتاب أن المحاولة التي قادها سلاح الجو التركي أعطت المبرر والحجة لأردوغان لتنفيذ خطة الهيمنة الكاملة على الجيش وضمان ولائه له بشكل كامل، فتمت محاكمة وسجن مئات القادة من الرتب العالية في الجيش علاوة على الفصل من الخدمة وغيرها من العقوبات لآخرين من الجيش، كما تمت محاكمة وسجن آلاف الجنود بتهمة الانضمام للانقلاب أو دعمه، وكانت من التهم الرئيسية لهؤلاء جميعا الانضمام لحركة فتح الله غولن الذي يعتبر فعليا معلم أردوغان في مجال السياسة لكن الأخير انقلب عليه، ما جعل غولن يعيش في الولايات المتحدة هربا من سلطة وبطش أردوغان الذي بذل قصار جهده وضغوطه على واشنطن لتسليمه دون جدوى. وتوضح الدكتورة عقيلة دبيشي من خلال  الكتاب أن سيطرة أردوغان امتدت أيضا إلى مؤسسات القضاء والإعلام والتعليم لتكتمل سيطرة أردوغان على الرأي والفكر ومقاليد السلطة في البلاد.

ويستعرض الفصل الثاني من الكتاب علاقات أردوغان الخارجية بشكل شامل ومفصل حيث تناول الكتاب علاقات أردوغان  بدول الجوار العراق وسوريا، التي طالها عدوان أدوغان المستمر على حدودها، وبشكل خاص العدوان على حدود سوريا تحت مسمى إنشاء منطقة آمنة لتأمين الحدود التركية. ثم علاقة أردوغان بدول أفريقيا مثل مصر والسودان وليبيا والصومال.

وفي الشأن المصري تحديدا يوضح الكتاب أن دور تركيا بدا واضحًا بعد الثورة عام 2011 وذلك سعت لكسب نظام الحكم الإسلامي الجديد في البلاد المتمثل في حكم جماعة الإخوان المسلمين، فقد جمع بين الطرفين حلم إحياء دولة الخلافة الإسلامية بمطامع مشتركة بين أردوغان وجماعة الإخوان المسلمين. فكانت زيارة أردوغان مع وفد مكون من 250 رجل أعمال تركيًا إلى مصر لتوقيع عشرات الاتفاقيات الاقتصادية وبدا واضحا ذلك التناغم الكبير بين سياسات الجماعة وطموحات وأهداف أردوغان الذي رأى أنه قد حان الوقت للكشف صراحة عن أهدافه دون مواربة أو تحفظ فأصبح إسلاميا بعد أن كان ليبراليا رأسماليا يدافع عن الديمقراطية بمعناها الغربي ويحاول تطبيقها في بلاده؛ حتى إنه كان قد ألغى عقوبة الإعدام في البلاد طمعا في أن يسهل ذلك دخوله إلى عضوية الاتحاد الأوروبي!

وهذا ويتناول الكتاب أيضا علاقة أردوغان مع دول الخليج العربي، المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيث كان وقوف دولة الإمارات ومعها السعودية ضد نظام الإخوان المسلمين في مصر والتوتر الشديد الذي شاب علاقة مصر بالدولتين، وخاصة مع الإمارات، في فترة حكم الرئيس محمد مرسي سببًا في توتر العلاقات بين أروغان والدولتين، حيث رأي أردوغان أن التكتل السعودي الإماراتي ساهم بعد ذلك في عزل مرسي في عام 2013 كما ساهم في توفير دعم اقتصادي  قوى لمصر لتستطيع الخروج من أزماتها المستمرة خلال الفترة (2011-2013) بسبب الثورة ثم فشل حكم نظام الإخوان المسلمين.

 وعن قطر فقد جمعت علاقة المصلحة بين الطرفين حيث رأى أردوغان في قطر الداعم الثري لطموحاته وأهدافه كما رأى فيها موطأ قدم له في دول الخليج العربي، في حين رأت الدوحة في أردوغان الداعم والحامي لها علاوة على الاستفادة من القدرات التركية لتعزيز سياسات قطر في التدخل في شؤون الداخلية للدول الأخرى، علاوة على دعم كليهما لجماعة الإخوان المسلمين ماديا وإعلاميا واستضافة قيادات الجماعة على أراضي البلدين.

بالإضافة إلى ذلك يسلط الكتاب الضوء على جدلية العلاقة بين أردوغان والقضية الفلسطينية وعلاقته بإسرائيل، فهو يزعم دعم القضية الفلسطينية في ظل وجود علاقات ممتازة مع إسرائيل سياسيا واقتصاديا وعسكريا الخ، ولكن الحقيقة أنه يرغب في الاستفادة من زخم تعاطف الشعوب العربية مع الشعب الفلسطيني ليظهر في مكانة البطل المدافع عن حقوق المسلمين.

كما يسلط الكتاب الضوء على علاقات أردوغان بدول أوروبا، عبر علاقات أردوغان بدول الاتحاد الأوروبي وعلاقاته بروسيا، حيث تم تسليط الضوء على ملفات الهجرة وتدفق المقاتلين والصراع على ثروات البحر المتوسط. وهنا يظهر أردوغان مرة أخرى باحثا عن الثروات حتى وإن كانت غير شرعية، مستغلا لقضية المهاجرين لابتزاز أوروبا والحصول منها على دعم لا يتوقف ماليا وسياسيا. علاوة على كل ذلك الاستفادة من معاناة المهاجرين في سوريا وغيرها لتوظيفهم في شكل مرتزقة للقتال في مغامراته الخارجية في ليبيا وسوريا نفسها ومؤخرا في نزاع أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناجورنو كارابخ! 

ويختتم الفصل أيضا علاقة أردوغان بدول آسيا الإسلامية، حيث تم التركيز على علاقاته بكل من إيران وماليزيا، وطموحاته بخلق مرجعيات سنية بديلة للمملكة العربية السعودية والدول العربية.

هذا ويلقي الكتاب نظرة شاملة على سياسات أردوغان داخليا وخارجيا، كما يتناول الأحداث والتحليل من خلال مراجع موثقة؛ ما يعطيه قدرا عاليا من المصداقية، وهو دراسة سيكولوجيا الفرد السياسية وربطها بالأحداث والاستشراف والتنبؤ بالمواقف المستقبلية له.

ربما يعجبك أيضا