حارس الحنون

رقية كامل

رؤية – محمد عبد الكريم
رام الله – على مدخل المحمية حيث يمر شارع رئيسي يربط بين عدة قرى غرب رام الله وعدد من المستوطنات القريبة “حلميش، ونحلئيل، ودولف”، تمر مركبات المستوطنين مسرعة وحين يشاهدون عربيا يبطئون، فإما يطردوه أو يشتموه أو يحدقون بوقاحة في تفاصيله، وكأنهم يقولون: أخرج من هنا يا سارق أرضنا.
زهر الحّنون (شقائق النعمان التي حاول الاحتلال اعتباره رمزا وطنيا له وفشل) ينتشر بكثرة على أطراف الشارع وقطع الأراضي المجاورة لمدخل المحمية، لا يُهنِئ المستوطنون وجيبات الجيش المارة بكثرة، أي سائح فلسطيني في التقاط صورة للطبيعة، فخلال دقائق معدودة يستوقفونه ويسألونه عن سبب تواجده هنا! مطالبين اياه بالرحيل، أو أقلها: ينغصون عليه بحثه عن راحة البال في طبيعته، تاركين له صورا سريعة لم يضبط جودتها بالشكل المطلوب.
ويروي محمود رضوان (85 عاما) قصته مع المحمية، فقد سكنها شاب بعمر 21 عاما، عندما كان الوادي تسكنه 20 عائلة يعملون كلهم في الزراعة، ويصوب ابهامه صوب غرفة حجرية قديمة شيدها في عام 1953 والتي لا تزال قائمة عند مدخل المحمية، قائلا: تلك الغرفة الصغيرة سكنتها الى ان انتقلت الى هذا المنزل في العام 1975، واقيم فيه الآن، فأنا لا استطيع مغادرة هذا الوادي الا عندما يحين الاجل، فقد سكنني الوادي كما سكنته”.
الحاج رضوان الذي لم يرضخ لمغريات الحياة العصرية، يقول: ارتباطي بهذا الوادي ليس لانتفاع مادي، فالحياة هنا تفتقر لأبسط الخدمات التي يتنعم بها الناس خارجه، فلم يعد يسكن الوادي معي انا وزوجتي العجوز، سوى ابن اخي الذي لا اعلم ان كان سيصمد معي وانا على قيد الحياة او وحيدا بعد وفاتي، وحدي في هذا الوادي بعد ان هجره كل من سكنه، لغياب ابسط الخدمات، ولكني اعلم علم اليقين ان خلو الوادي من اصحابه سيعني اقامة بؤرة استيطانية فيه فور خلوه من اهله”.
ويضيف رضوان: المستوطنون هنا لا يألون جهدا لوضع بؤرة لهم هنا تمكنه من سرقة الوادي واستيطانه، والسيطرة على ينابيع الماء فيه”.
ويتابع: “نتعرض دوما لتحرشاتهم واستفزازاتهم، وحتى الاعتداءات، ففي آخر مرة هاجمني 6 مستوطنين بالحجارة، ثم طرحوني ارضا وبدأووا ينهالون علي بالضرب بالعصي والاقدام، نقلت على اثرها الى المستشفى مدرجا بدمائي”.
ويقف نجل ابو عصام امام وفد من الاعلاميين ومؤسسات بيئية ورسمية وممثلة عن الاتحاد الاوروبي، زار الوادي صباح اول امس الاثنين، شارحا حاجة الوادي على الاقل للكهرباء، قائلا: انا واخوتي لا نريد ترك والدينا هنا وحدهما، ولكننا نناشدكم كما ناشدناكم قبل سنوات، ان تزودوا الوادي بالطاقة الكهربائية التي قدرت شركة الكهرباء كلفة توصيلها الى الوادي بحوالي 150 الف دولار”.
وهو ما اكده رئيس بلدية الاتحاد التي يتبع لها الوادي هشام بزار، قائلا: ان من سبقني من رؤساء بلديات لم يوفروا جهدا في ايصال ابسط الخدمات الى هذه المحمية، وعلى الاقل ومنذ استلمت انا رئاسة البلدية في العام 2012 توجهت برسالة مناشدة الى مجلس الوزراء وعلى رأسه رئيس الوزراء رامي الحمد الله، والى وزراء الصحة، والبيئة، والزراعة، والحكم المحلي، ومحافظ رام الله والبيرة.. والى المؤسسات الاهلية والمدنية، لإنقاذ المحمية من براثن الاستيطان ومخالب المستوطنين، بايصال الكهرباء على الاقل الى الوادي، ما من شأنه اعادة العائلات التي رحلت عنه إليه، فهذه المنطقة مصنفة “ب” ونستطيع استصدار رخص بناء فيه لحمايته”.
ويضيف بزار: نحن نقدر ما قدم سابقا من مشاريع، ولكني اؤكد لكم لم تكن كافية حتى ان مشروع ايصال المياه الى الخزانات الزراعية عبر الطاقة الشمسية فشل، فهل يعقل ان نفرط بمحمية طبيعية تمتد على مساحة 3500 دونم، 500 دونم منها مستغلة زراعيا و3 الاف اخرى بنباتات طبيعية واحراش، ونتركها تحت مسوغات الاحتلال لاستيطانها، الامر بحاجة الى وقفة جدية”.
ويتابع بزار “لقد شاهدتم اليوم ما طرح وما قدم لم يتجاوز سوى وعودات بمشاريع دعم للمحمية يفترض ان تدرس، وهذا لا يقي الوادي من اطماع المستوطنين بالسيطرة على هذه الدونمات التي تحوي قرابة الـ70 نبعا”.
ويؤكد مدير التنوع الحيوي في سلطة جودة البيئة محمد محاسنة ان حجم ما يقدم للمحمية لا يرقى الى المستوى المطلوب ليس فقط على المستوى الدعم المادي في المشاريع البيئية لحماية الطبيعية في المحمية، ولا حتى في المشاريع الزراعية لدعم المزارعين، او حتى في مجال مد الخدمات الاساسية من الكهرباء كما يطالب الاهالي، وانما ايضا في المجالات المعنوية من قبل وزارة السياحة وحتى وزارة التربية والتعليم، بضرورة تسيير الرحلات الى مثل هذه المحميات.
بدورها، تشير ممثلة الاتحاد الاوروبي ليزا تنتاري الى ان المقدم لا يتوافق مع حجم المطلوب على الارض، الا ان سوء التنسيق بين المؤسسات والجمعيات الفلسطينية المعنية بالشؤون البيئية والتي يفترض بها ان تساعد في هذا المجال، هو بحد ذاته تقصير.
وتشير ارقام جهاز الاحصاء الى أن الاحتلال حول 40% من مساحة الضفة إلى ما يسمها “أراضي دولة” لامتلاك حق التصرف فيها بشكل كامل، وأن عدد المواقع الاستيطانية والقواعد العسكرية في نهاية العام 2015 بلغت في الضفة الغربية 413 موقعا، حوالي 48% من مساحة المستوطنات مقامة على أراضٍ ذات ملكية خاصة، وأن الاحتلال صادق في عام 2016 على 115 مخططا استيطانيا جديدا يشمل بناء أكثر من خمسة آلاف وحدة في مستوطنات الضفة الغربية.