أقدم أسير بالعالم.. فلسطيني 37 عاما خلف القضبان

خالد شتات

رؤية – محمد عبد الكريم

القدس المحتلة – 27 عاما قضاها نيلسون مانديلا في الأسر، كانت كفيلة لتوصله إلى سدة الحكم رغم نظام الفصل العنصري للمحتلين البيض في جنوب أفريقيا، إلا أن الحالة مختلفة مع عنصرية الاحتلال الإسرائيلي، الذي يرفض حتى مجرد التفكير في الإفراج عن الأسير نائل البرغوثي الذي أمضى 37 عاما في زنازين الاحتلال.
 
كانت ليلة الثامن عشر من حزيران من العام 2014، ليلة قاسية جدا علينا، ليلة أنهت أملنا بأن حلمي وحلم نائل بحياة هانئة بعد ان امضيت 10 سنوات في الأسر، وهو أمضى وقتها 34 عاما، وها هو اليوم يقارب على إكمال عامه الـ37 بعد أن أعيد اعتقاله في عام 2014″، تقول إيمان نافع زوجة الأسير نائل صالح البرغوثي (60 عاما) من قرية كوبر بمحافظة رام الله، والذي يخوض اضرابا مفتوحا عن الطعام مع قرابة 1700 أسير لليوم الـ15 على التوالي.
 
ويتهدد الموت الأسرى المضربين عن الطعام ويمتنعون عن المدعمات ولا يتناولون سوى الماء والملح لمنع تعفن أحشائهم، وهو ما صادره الاحتلال من بعض الأقسام، مع الأغطية والملابس إلا ما يلبسون، ومنع زيارات أهلهم ومحاميهم، ونقل العديد منهم ما أدى إلى إغلاق سجن “هداريم” ليخلق  اكتظاظا في السجون الأخرى، وسط استمرار الاعتداءات بالضرب والتفتيش، وإقامة مستشفى ميداني في الصحراء لاستقبال الأسرى الذين كان الوضع الصحي للعديد منهم سيء قبل الإضراب أصلا.
 
ويبلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال 7000 أسير، بينهم 58 أسيرة منهن 15 قاصرة، و320 طفلا، و1200 مريض بينهم 19 أسيرا يقيمون بشكل دائم بسجن مستشفى الرملة أو(مقبرة الرملة كما يسميها الأسرى لما فيها من اهمال طبي)، و500 أسير محكومون مؤبدات، و9 أسرى تجاوزوا 30 عاماً، و21  أسيراً تجاوزوا الـ25 عاماً، و 29 أسيراً من قبل عام 1994، فيما بلغ عدد شهداء الحركة الأسيرة 210 شهداء، 72  من بينهم استشهدوا نتيجة التعذيب، و57  اسيراً استشهدوا نتيجة الإهمال الطبي، و74  اسيراً استشهدوا نتيجة القتل العمد بعد الاعتقال مباشرة، عدا عن الأسرى الذين أصدرت سلطات الاحتلال بحقهم قرارات بالإفراج، بعد تيقنها أنهم في مرحلة حرجة، استشهدوا بعد فترة وجيزة من الإفراج عنهم.
 
وعن عدالة مطالب الأسرى المضربين من إنهاء سياسة الاعتقال الإداري، والعزل، ومنع زيارات العائلات وعدم انتظامها، والعلاج وغيرها من المطالب، يدلل الأسير فخري البرغوثي الذي أمضى مع ابن عمه نائل بالأسر 34 عاما أيضا، يدلل على حالته التي لم يعرف معها ولداه عندما دخلا عليه السجن، لولا ان قيل له انهما ابناه، وهو الذي كان محروما من رؤيتيهما 8 سنوات بسبب منع الاحتلال لهما من زيارته.
 
سريعا قد يمضي الوقت خارج جدران السجن في الرتابة اليومية، الا انه بطيء ثقيل خلف القضبان مع أمعاء فرغت في يومها الـ15 إلا من الماء والملح، وهي حالة خبرها فخري أكثر من مرة في الأسر، وبالأمس ايضا عندما أعلن إضرابه عن الطعام، مؤكدا ان المطالب الحياتية البسيطة للأسرى والتي قد تبدو عادية خارج السجن، هي البرزخ بين الاحساس بالحياة او عدمها خلف القضبان، وهو ما يدفع الأسرى لمصارعة الموت رغم تهديدات الاحتلال بتركهم يموتون جوعا اقتداءً بما فعلته مارغريت تاتشر مع الأسرى الايرلنديين الذين استشهد منهم 10 بإضرابهم.
 
ايمان زوجة نائل التي خبرت الاضراب عن الطعام أيضا في أسرها الذي استمر 10 أعوام في سجون الاحتلال، كانت حريصة خلال اللقاء معها على التذكير بكافة الأسرى من أسيرات قاصرات وأخريات أمهات، والاداريين، والقدامى، والمرضى كحال الأسير كريم يونس المعتقل منذ عام 1983، والذي نقل بالأمس الى المستشفى بسبب تردي حالته الصحية بفعل الإضراب.. تؤكد أن ما أريد له أن يكون حجبا للأسرى عن محيطهم، قد انقلب وباتوا اليوم يسيّرون دفة الشارع ويعطونه زخما للمقاومة، وأن الواقع السياسي المنقسم خارج جدران السجن، قد بات أمله بالوحدة مستمدا من داخله وهو ما يخشاه الاحتلال حقا.
 
وتقول ايمان: نائل هو أشبه بمعتقل اداري حكم بعد اعتقاله الثاني بـ30 شهرا بدون “”تهمة”” عقب تحرره في صفقة وفاء الأحرار (شاليط) عام 2011، واليوم لا يزوره في كل 6 شهور إلا أنا وشقيقته حنان التي أبعد عنها وهي (12 عاما) وها هي اليوم بعد اعتقاله الثاني جدة لعدة أطفال، أما شقيقه عمر الذي أمضى أيضا 26 سنة في السجن فهو محروم من زيارته، إخوة لم يجتمعوا إلا فترة وجيزة بعد 35 عاما بعد اعتقال نائل للمرة الأولى عام 1978، وهذا كله جزء من الواقع الذي يطالب الأسرى بتغييره، وهو حق كفلته كل المواثيق والقوانين الدولية.
 
نائل الذي بلغ من العمر عتيا، 23 عاما فقط هو العمر الذي أمضاه حرا، قد يكون تفوق على الحرية أو تفوقت عليه ب14 عاما، كان حنونا يحب الاطفال واللعب معهم، يعشق الأرض وفلاحتها أحاط منزله الذي تزوج فيه بأصناف عدة من الأشجار المثمرة، إلا أن ليلة الثامن عشر من حزيران، كانت مختلفة كما تروي ايمان، إذ ظل نائل مستيقظا وجفاه النوم فيها، وكان إحساسه ينبئهُ بأن حلمه بالحياة قد أوشك على الانتهاء، ليعقب سهره في تلك الليلة اقتحام جنود الاحتلال حياته مجددا، وليعتقلوه بعد ساعة من التحقيق معه في الغرفة التي رأت ايمان “في حلمها” ان الفتية يحيطونه بها.
 
وتروي ايمان عن نائل الذي لم يعرف من العالم في الأشهر القليلة التي كان فيها خارج السجن، الا فقدانا للكثير من الأحبة غيبهم الموت، وضياعا لأحداث كثيرة بحلوها ومرها، وأحلاما بأبناء ومنزل زوجية يسكن إليه في سنوات عمره الأخيرة.
 
وتروي عن تساؤله بعد الاعتقال الثاني: أحقا خرجت إلى حياة لم أعرف عنها ومنها إلا القليل؟؟ أحقا تزوجت وجلست مع أهلي بعد أن حرمت حتى من لمسهم طوال عقود؟؟ كأنه حلم جميل وسط كابوس امتد لـ37 عاما.