في عرسال.. النازحون السوريون بين رحى اللبنانيين وفك الأسد

خالد شتات

كتبت ولاء عدلان
 
ما أشبه اليوم بالأمس… هذا هو لسان حال المتابع لأزمة النازحين السوريين في لبنان، فمع ارتفاع حرارة الصيف يبدو أن فريقا في لبنان قرر فتح النار على النازحين السوريين، ليدفعهم إلى فك الأسد تارة بحجة مكافحة الإرهاب وتارة أخرى بحجة تخفيف أعباء الدولة الاقتصادية.
 
كل يوم ينال السوريون في بلاد الشتات قسطا وافيا من التعسف والتمييز، لكن هذه المرة الأمر مختلف فهناك تقارير حقوقية تؤكد تورط الجيش اللبناني في قتل أربعة لاجئين تحت التعذيب إثر توقيفهم شرق لبنان، هذه التقارير دفعت القضاء العسكري منذ أيام لفتح تحقيق موسع لكشف ملابسات مقتل هؤلاء اللاجئين، فمن جانبه يؤكد الجيش اللبناني أن المعتقلين الأربعة لقوا حتفهم نتيجة الطقس الحار وتدهور حالتهم الصحية.
 
أما المنظمات الحقوقية التي تطرقت إلى هذا الملف وفي مقدمتها منظمة هيومن رايتس ووتش، فطالبت بالتحقيق العاجل في الواقعة وكشف ملابساتها ومحاسبة المتورطين، فيما تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صورا تظهر عشرات النازحين ممددين على أرض مغطاة بالحصى وهم عراة الصدور وموثوقو الأيدي تحت الشمس ويقف بينهم عناصر من الجيش، وبعد إعلان الجيش عن موت الموقوفين الأربعة، انتشرت صور ومقاطع فيديو تظهر آثار كدمات وتعذيب على جثتين على الأقل قيل أنهما تعودان إلى اثنين من الضحايا.
 
استهداف متعمد
 
وفي حال صحت هذه التقارير الحقوقية وبالفعل كان الجيش متورطا في مقتل اللاجئين الأربعة، فإن هذا يعني أن الجيش تعمد استهداف اللاجئين السوريين وتصفيتهم ربما بهدف نشر الرعب وإيصال رسالة لمن يوصمهم الجيش بتهمة الإرهاب تلك التهمة الفضفاضة التي بات من السهل استخدامها لتصفية معارضين سياسييين أو أبناء طائفة أخرى أو أي طرف يتبنى وجهة نظر مخالفة يمينا أو يسارا، مفاد هذه الرسالة أن الجيش اللبناني لن يرحم من يقع في قبضته وأنه من الأفضل لكم الهروب والعودة إلى ما وراء الحدود اللبنانية.
 
ومنذ بداية شهر يونيو الماضي والجيش اللبناني ينفذ عمليات نوعية في مخيمات عرسال أوقف خلالها وصفى عشرات النازحين السوريين وأعلن عن إحباط مخططات إرهابية لزعزعة الأمن والاستقرار، ومن جانبه أوضح وزير الداخلية نهاد مشنوق لوسائل الإعلام أن الجيش اللبناني لا يستهدف اللاجئين السوريين، وأنما حدث في عرسال هو عملية عسكرية جاءت في أعقاب قيام خمسة انتحاريين بتفجير أنفسهم أثناء مداهمات الجيش بالمنطقة.
 
وقال المشنوق عملية عرسال ليست حملة على النازحين واللاجئين ولكنها ضد الإرهابيين، حيث إن جرود عرسال تضم مدنيين سوريين، إضافة إلى تنظيمات إرهابية مثل جبهة النصرة وداعش، مؤكدا أن لبنان لن يعيد أي سوري إلى بلاده إلا وفق ضمانات دولية.
 
وهذا أيضا ما أكده رئيس الحكومة سعد الحريري بالأمس خلال اجتماع للجنة التوجيهية العليا للنازحين، عندما قال في الآونة الأخيرة، برز نقاش حول عودة السوريين، وهنا أود أن أكرر موقفي من هذه المسألة بعبارات واضحة جدا، سنتناول هذه المسألة فقط بالتنسيق الوثيق والتخطيط المشترك مع الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
 
الحديث عن عودة النازحين السوريين ليس جديدا، ودائما ما يتجدد من وقت لأخر على الساحة اللبنانية، وكانت أول مرة يتم التطرق إلى هذا الملف رسميا في 2014، عندما أصدرت الحكومة قرارا بوقف استقبال النازحين السوريين مع التشجيع على عودتهم إلى بلادهم، وذلك بتحريض من حزب الله الموالي لنظام بشار الأسد، وبعد موجة كبيرة وعارمة من الاعتداءات طالت جميع السوريين النازحين والقابعين داخل مخيّماتهم في عدد من القرى اللبنانية، وبعد أن قامت عناصر من الجيش اللبناني بإزالة 90% من مخيّمات النازحين السوريين في البقاع.
 
تورط حزب الله
 
فريق حسن نصرالله مكون سياسي لا يستهان به، لاسيما وأنه فصيل مسلح لديه نواب ومسؤولون داخل مؤسسات الدولة، وبالتالي يملك القدرة على تعطيل القرار اللبناني في أي وقت وتفجير الأزمات داخل الحكومة، هذا الفريق لا يخفي دعمه لنظام الأسد ولا عنصريته ضد كل ما هو سُني، إذ تشير تقارير حقوقية إلى أن التضيق في الجنوب اللبناني طال اللاجئين السوريين من الطائفة السنية فقط، فحزب الله منذ الشرارة الأولى للثورة السورية، وهو يمارس أساليب شتى للضغط على النازحين السوريين الذين استقروا في الجنوب اللبناني حيث يمارس نفوذه ضاربا عرض الحائط بمؤسسات الدولة، لنسمع عن مداهمات ينفذها لمنازل اللاجئين وفرض حظر تجوال يفرضه على السوريين في البقاع وغيرها من الأمور التي تكشف الوجه العنصري لهذا الفصيل.
 
صباح اليوم تداولت مواقع لبنانية خبرا يفيد بأن حزب الله يستعد لخوض معركة  في عرسال أكّد الأمين العام للحزب أنها ستكون الفاصلة، ولن يبقى إرهابيون في الجرود بعدها، وأشارت وسائل  إعلام إلى أن هذه المعركة ستكون بالتنسيق مع الجيش اللبناني المتمركز حول عرسال، هذا في الوقت الذي تحدثت فيه صحيفة الرأي الكويتية عن مفاوضات بين “سرايا أهل الشام” القريبة من”جبهة النصرة” وحزب الله لإجلاء المسلحين من الجرود باتجاه أدلب وجرابلس.
 
ربما أراد نصرالله من الحديث عن المعركة الحاسمة الضغط على “جبهة النصرة” للرضوخ إلى مطالبه “المعلنة” متمثلة في إجلاء المسلحين، لكن ماذا على غير المعلن من أهداف نصرالله الذي يدين بالولاء التام لملالي طهران، يمكنا أن نتوقع أن الأراضي اللبنانية وكالعادة يتم استخدامها كصندوق بريد إقليمي، فنصرالله عندما تحدث عن معركة حاسمة في الطريق ربما أراد توجيه رسالة من طهران إلى أمريكا وموسكو مفادها أنه كما في إمكانهما التخطيط لإقامة مناطق آمنة داخل سوريا بالتعاون مع الأسد،  فإن بإمكان طهران إيضا تغيير الواقع على الأرض وتقديم هدية جديدة للأسد، تؤكد من خلالها وجودها داخل قلب اللعبة الأقليمية.
 
وإن كان الوزير المشنوق وكذلك رئيس الحكومة أكدا أكثر من مرة أن الجيش اللبناني هو المنوط بأي عملية سيتم تنفيذها في عرسال التي تضم 116 مخيما للاجئين، فهذا لن يمنع حزب الله من فعل ما يريد وهذه عادته، لكن الواقع على الأرض يجعل حزب الله في حاجة إلى شرعنة أي عملية سيقوم بها في الجنوب وهذا سيتحقق بالتنسيق مع الجيش.
 
العمليات النوعية التي ينفذها الجيش اللبناني من جهة وتلويح حزب الله بعملية حاسمة واستفزازاته المستمرة في عرسال، دفعت مئات اللاجئين على مدار الإسبوع الماضي باتجاه العودة إلى قراهم  السورية وتحديدا عسال الورد على متن حافلات حظيت بمواكبة من الجيش اللبناني، لتبدو الصورة للمتابع وكأنه قرار دولة بعوة هؤلاء اللاجئين الشبه إجبارية.
 
أسباب موضوعية
 
ربما في محاولة الدولة اللبنانية التخلص من عبء اللاجئين السوريين أسباب منطقية يراه البعض من القلة المحايدة في لبنان، وتتمثل هذه الأسباب فخسائر يتكبدها الاقتصاد اللبناني منذ العام 2014 أي مع بداية موجات النزح السوري الأولى، قدرت بنحو ثماني مليارات دولار حتى العام الماضي، فضلا عن ارتفاع نسبة البطالة بين اللبنانيين بنحو 15 %، هذا بالطبع بعيدا عما يمثله اللاجئين في أي دولة وليس في لبنان فقط من عبء على القطاع الخدمي، وبالإضافة إلى الهاجس الأمني الذي يصاحب وجود مليون ونصف نازح في مخيمات عشوائية في بلد يمثل بيئة خصبة للإرهاب والتطرف بما تعانيه من احتقان طائفي يجعلها أشبه بالقنبلة القابلة للاشتعال في أي وقت.
 
لكن هذه الأسباب المنطقية ليست المحرك الرئيس للحملة الشرسة ضد عرسال سواء من الجيش اللبناني أو حزب الله فالجميع متورط ومشكوك في نواياه، فرئيس البلاد نفسه حليف قريب من حزب الله الذي تربطه صلات لا يخفيها بالنظام السوري، وعمليته المنتظرة في عرسال ربما تكون مجرد باب أوسع للدخول إلى الأراضي السورية بشكل أعمق لتنفيذ عمليات بالنيابة عن الجيش السوري المنهك، بعد أن يكون قد أمن ظهره، فلا ننسى أن عرسال تضم عناصر من جبهة النصرة وسرايا أهل الشام، ولا ننسى أهمية توقيت هذه الحملة التي تزامنت مع طرح الأدارة الأمريكية لحل المناطق الآمنة والذي قد يكون مدخلا لتقسيم سوريا مع الإبقاء على الأسد.. وفي كل الأحوال ستبقى الطائفية السياسية والدينية كلمة السر التي لا يمكن تجاوزها سواء في المعادة السورية أو اللبنانية.