استماتة الأكراد في عفرين تربك حسابات تركيا

يوسف بنده

رؤية

أظهر الأكراد استماتة واضحة أمام القوات التركية المدعومة بمقاتلين سوريين، والتي تحاول منذ ستة أيام تحقيق اختراق في عفرين، يأتي ذلك فيما بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقرع طبول الحرب على منبج والسؤال: هل هو قادر فعلا على تحويل تهديده إلى واقع؟
 
فقد شارفت العملية العسكرية التركية التي أطلق عليها تسمية “غصن الزيتون” في عفرين بريف حلب على نهاية أسبوعها الأول دون أن تحقق أي تقدم نوعي في المنطقة التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردي، الأمر الذي يثير الشكوك في مدى قدرة الجانب التركي على إنهاء العملية في “وقت سريع” كما تعهد بذلك الرئيس رجب طيب أردوغان.

ورغم التفوّق الناري والعددي للأتراك المسنودين بالآلاف من مقاتلي المعارضة السورية الذين تحوّلوا من قتال نظام الرئيس بشار الأسد إلى مجرّد أدوات لحروب غيرهم، كما بات يردّد السوريون، إلا أن الوحدات الكردية إلى اليوم تبدو صامدة وفي وضع لا يؤشر عن قرب انهيارها.

وتركّزت الغارات الجوية التركية الأربعاء على المناطق الحدودية في شمال غرب وشمال شرق عفرين “لحمل المقاتلين الأكراد على التراجع وفتح الطريق أمام تقدّم بري”، بحسب ما كشفه مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن.

وأكد عبد الرحمن أنّ القوات التركية المدعومة من الفصائل السورية لم تحرز سوى تقدّم محدود في منطقة عفرين منذ بدء الهجوم. ومضى يقول: “بمجرد حصول تقدّم والسيطرة على بلدة، يشنّ الأكراد هجوما مضادا ويستعيدون السيطرة عليها”.

ويقول خبراء عسكريون: إن طول معركة عفرين ليس في صالح تركيا فهي قد تجد نفسها في مستنقع بلا قرار يصعب عليها الخلاص منه، خاصة وأنها تطمح إلى أبعد من ذلك وهو الزحف على منبج، في ظل كثرة المتربصين بها، وحتى من حلفائها اليوم الذين يتعاطون معها بحذر شديد ويخضعون كل حركة منها إلى فحص شامل ودقيق في غياب الثقة بنواياها.

وبالتوازي مع احتدام المعارك على حدود عفرين تدور حرب أرقام بين الأكراد وتركيا، ففيما زعمت أنقرة أنها نجحت في القضاء على أكثر من 268 عنصرا من وحدات حماية الشعب وأيضا من عناصر داعش في المنطقة، أكد القيادي البارز في تحالف قوات سوريا الديمقراطية الذي تشكّل الوحدات عموده الفقري، ريدور خليل أن الجيش التركي يبالغ كثيرا في عدد القتلى، داحضا الرواية التركية بشأن وجود مقاتلين من تنظيم الدولة في المدينة حيث قال “العالم كله يعرف أن تنظيم داعش غير موجود في عفرين”.

وفي ظل التضارب بشأن عدد قتلى الأكراد أعلن الجيش التركي مقتل ثلاثة من عناصره منذ بدء الحملة السبت الماضي، وسط أنباء غير مؤكدة تتداولها المواقع الكردية عن عملية نوعية شنّتها الوحدات الأربعاء أسفرت عن مقتل ثمانية من الجنود الأتراك.
 
وجدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء تأكيده أن قواته ماضية قُدما في عملية عفرين، إلى حين طرد الوحدات التي وصفها بـ”الإرهابية”، من المدينة، وتركيز اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا بها.

ويعكس حديث أردوغان عن توطين الفارين من النزاع السوري في عفرين، عن رغبة تركية واضحة في تغيير الوضع الديموغرافي للمناطق الحدودية، بتفريغها من المكوّن الكردي، واستبدالهم بعرب سنّة، في مسعى يتجاوز، وفق البعض، إجهاض أيّ كيان مستقبلي للأكراد هناك، إلى عملية عنصرية ممنهجة تتعارض مع كل المواثيق الدولية.

وقال أردوغان: “اللاجئون إلى تركيا من كوباني (عين العرب) السورية، لا يعودون إلى منازلهم رغم تطهير المنطقة من داعش، لأن تنظيما إرهابيا آخر هو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي قد تمركز هناك”.

وأضاف الرئيس التركي أن الهدف من معركة عفرين هو “القضاء أولا على الإرهابيين هناك ومن ثمّ سنجعل تلك المناطق مؤهلة للعيش، واستيعاب 3.5 مليون سوري نستضيفهم في أراضينا الآن”.

وتنظر تركيا إلى الأكراد على أنهم جميعهم إرهابيون، يشكّلون تهديدا لأمنها القومي، وبالتالي لا بد من استئصالهم.

ورغم أن الجيش التركي لا يبدو قادرا على تحقيق إنجاز سريع في عفرين في ظل استماتة الأكراد، إلا أن أردوغان بدأ يروّج للمحطة التالية بعدها وهي منبج التي تبعد عن تلك المدينة بنحو 100 كم شرقا، وحيث تنتشر قوات أميركية إلى جانب مقاتلي الوحدات، الأمر الذي يشكّل استفزازا كبيرا للأميركيين.

وقال الرئيس التركي -خلال لقائه مع ممثلي السلطات المحلية التركية بأنقرة- “سنواصل إحباط كافة المؤامرات على طول حدودنا بدءا من منبج”.

وأضاف، أن بلاده ستقضي على “التنظيم الإرهابي”، الذي تلقّى حمولة 200 طائرة و5000 شاحنة من الأسلحة والذخيرة، في إشارة ضمنية إلى الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية.

ويرى مراقبون أنه في حال نفّذ أردوغان تهديده بالتقدّم صوب منبج، فإن ذلك سيجعل الولايات المتحدة مضطرة للتحرك، وحسم موقفها بين الانضواء كليا إلى جانب الأكراد وهذا قد يقود إلى مواجهة مباشرة مع الأتراك، أو التخلّي عن دعمهم وهذا سيعني خسارة حليف بنت عليه كل استراتيجيتها في سوريا.

وقال شرفان درويش -من مجلس منبج العسكري التابع لقوات سوريا الديمقراطية- إن المقاتلين انتشروا في الخطوط الأمامية للتصدي لأي هجوم قد تشنه تركيا، كما أنهم على تواصل مع التحالف الذي تقوده واشنطن بشأن حماية المدينة.

وذكر أن التحالف بقيادة الولايات المتحدة كثّف دورياته في منطقة منبج في استجابة في ما يبدو للتهديد التركي.

من جهته قال المتحدث باسم التحالف الكولونيل ريان ديلون: “بالطبع نحن في حالة تأهب لما يحدث لا سيما في منطقة منبج لأن هذه هي المنطقة التي توجد بها قواتنا للتحالف”.

وتابع “قوات التحالف موجودة في تلك المنطقة ولها حق متأصل في الدفاع عن نفسها وستفعل ذلك إذا لزم الأمر”.

وفي وقت سابق استبعد بكر بوزداج نائب رئيس الوزراء التركي أن تصل الأمور إلى مواجهة مباشرة بين بلاده والولايات المتحدة خلال عملياتها في سوريا، مستدركا بأن هناك احتمالا ضئيلا بأن يحدث ذلك في منطقة منبج. ومنبج الواقعة شرق عفرين هي جزء من منطقة أكبر بكثير في شمال سوريا تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية. وتتاخمها من الغرب منطقة تسيطر عليها جماعات سورية مدعومة من تركيا.

ولا يستبعد مراقبون أن تقدم أنقرة على عملية في منبج بالتوازي مع المعركة في عفرين، ولكن يبقى ذلك رهين توافق مع روسيا.

وتعتبر منبج مهمة جدا بالنسبة لتركيا لأن ذلك يعني ضربة قاصمة لأي مشروع كردي قابل للحياة في سوريا، وسبق وأن اتخذتها أنقرة هدفا في العملية العسكرية التي شنتها في أغسطس العام 2016، تحت مسمى “درع الفرات” بيد أنها فشلت في تحقيق ذلك لوجود محاذير كبيرة منها وجود فيتو روسي أميركي عليها.

ويرجّح مراقبون أن تؤيد روسيا هذه المرة الأتراك ورغم ذلك يتساءل هؤلاء هل بوسع أنقرة تحدي الأميركيين والذهاب فعلا نحو منبج؟.

المصدر: صحيفة العرب