شرطة الأخلاق.. حارس وجه النظام في الشارع الإيراني

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

يشير متابعون للشأن الإيراني إلى أن خلع عدد من الإيرانيات للحجاب يأتي كرد فعل على حالة التضييق التي تعاني منها المرأة الإيرانية وأن الأمر لا يتعلق بتمرد عقائدي بقدر ما هو نوع من التعبير عن الضيق من تصرفات المؤسسة الدينية الإيرانية التي تكيف القوانين على هواها ووفق مصالحها.

وفي إطار احتواء الشباب والاحتقان المجتمعي بعد التظاهرات الشبابية الأخيرة في إيران، قال وزير الداخلية الإيراني، عبد الرضا رحماني فضلي، إن أساليب إلزام النساء بإرتداء الحجاب بعد الثورة “لم تكن ناجحة”، داعيا إلى نقاش بشأن إلغاء سلطة شرطة الإرشاد (بمثابة شرطة دينية) على هذا الملف.

وتتولى دوريات شرطة الإرشاد في إيران تطبيق الأخلاقيات العامة الإسلامية التي تفرضها إيران.

وتركز دوريات الإرشاد على فرض ارتداء النساء للحجاب، وعدم التشجيع على استخدام مساحيق التجميل.

وتشمل صلاحيات هذه الدوريات تحذير من يشتبه في مخالفتهم للقواعد، وإبلاغ المخالفات للشرطة للقبض على المخالفين.

من جهتها، قالت نائبة الرئيس الإيراني، معصومة ابتكار، إنها ضد فرض الحجاب بواسطة استخدام العنف والإكراه.

فيما انتقد إمام جمعة طهران، سيد أحمد خاتمي، تصريحات مسؤولين حكوميين حول إلغاء “الزامية الحجاب”، متهمًا الداعين لإلغاء إلزاميته بـ”المبهورين بأوروبا”.

انقسام معسكر السلطة

وتعكس مختلف المواقف الإيرانية من ملف الحجاب حالة من الانقسام في ظل هيمنة المؤسسة الدينية التي تفرض رقابة على سلوك المواطنين وطريقة لباسهم، في حملة تسلط الضوء على انتهاك طهران للحريات.

وفيما يشير متابعون لملف الحجاب إلى التجاذبات الأخيرة بوصفها متغيرات تطرأ على المشهد الإيراني، يرى آخرون أنها تنذر بتفاقم الانقسامات بين التيار الاصلاحي الذي يحرص على ترويج نفسه كتيار منفتح والتيار المحافظ المتشدد الذي يقوده المرشد الأعلى علي خامنئي.

وأعلنت نائبة الرئيس المكلفة بشؤون المرأة والأسرة في الثامن والعشرين فبراير/شباط أن الحكومة الإيرانية لا تؤيد “استخدام القوة” لفرض ارتداء الحجاب في الأماكن العامة على المرأة.

وقالت معصومة ابتكار خلال مؤتمر صحافي في طهران “لا توجد أي مدينة في العالم يمكنك أن تسير عاريا في أحد شوارعها بدون أن يتم توقيفك من قبل هيئة لحفظ النظام”.

وفي الجمهورية الاسلامية يفرض القانون على المرأة ارتداء الحجاب، مضيفة أنه “قانون اجتماعي لكن فرضه بالقوة أسلوب لا نؤيده”.

وتابعت أن هذا مخالف للمبادئ الأساسية والفلسفة التي تطبقها حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني.

لكن تصريحات المسؤولة الإيرانية تتناقض مع الحزم الذي تظهره الشرطة والسلطات القضائية في هذه المسألة.

ومنذ نهاية ديسمبر/كانون الأول 2017 أعربت عشرات النساء في طهران عن معارضتهن لقوانين اللباس المفروضة ووقفن سافرات الرأس ملوحات بالحجاب، في تمرد معلن على المؤسسة الدينية التي تشدد القيود الاجتماعية وتفرض الرقابة على سلوك المواطنين في الشارع.

وتم اعتقال نحو ثلاثين من المتظاهرات اللواتي يواجهن عقوبة السجن حتى 10 سنوات في حال اعتبر القضاء أن تحركهن يرمي إلى تشجيع نساء أخريات على القيام بالمثل.

فتيات شارع انقلاب

وقد أثار فيديو أظهر اعتداء شرطي على محتجة ضد الحجاب جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويبدو أن التسجيل المصور للمحتجة التي خرجت وحدها التقط في شارع “انقلاب” حيث اعتقلت امرأة أول مرة في ديسمبر/كانون الأول 2017 بعدما وقفت دون غطاء رأس ملوحة بحجاب على عصى خشبية.

ومنذ ذلك الحين، نشرت عشرات النساء صورا لأنفسهن في الشارع أو الحدائق دون حجاب حيث لوحن بأغطية رؤوسهن في تحد للسلطات الايرانية.

وظهرت المرأة واقفة على المنصة ملوحة بيديها في الهواء وشعرها الأشقر مكشوفا قبل أن يبدأ حشد بالتصفيق لها.

وفي الجزء الثاني من التسجيل، الذي يبدو أنه التقط بهاتف جوال، ظهر عنصر شرطة اقترب من المرأة ودفعها من المنصة فيما سمع صوت رجل يسأل “أين حقوق الإنسان؟”

وفي تعليقها على الحادثة، كتبت الناشطة والمحامية المدافعة عن حقوق الإنسان نسرين ستوده على صفحتها بفيسبوك إن الشرطة خالفت القانون لأنه “لا يحق لأي رجل التعامل مع امرأة بهذه الطريقة”.

وأعرب مستخدمو موقع تويتر كذلك عن غضبهم حيال تصرف الشرطي وكتب أحدهم أن “مخالفة القانون من قبل أشخاص يرتدون بزات عناصر انفاذ القانون هي مشكلتنا في إيران”.

وقال آخر إن “الشرطة التي أوقعت الفتاة في شارع انقلاب هي ذاتها المسؤولة عن ضمان أمن ونجاح الانتخابات”.

وتسلط حادثة الاعتداء على المرأة التي خلعت حجابها، الضوء على القيود التي تفرضها المؤسسة الدينية على الإيرانيين في خضم انتقادات تواجهها طهران بسبب التضييق على الحريات الشخصية وانتهاك حقوق الانسان.

تطبيق ضد شرطة الإرشاد

يعاني الشباب الإيراني يوميًا، من شرطة تعرف باسم “دورية الإرشاد” وهم شرطة أخلاقية، تظهر فجأة في شوارع المدن، على شكل دوريات، وتقيم الحواجز. فتكون مؤلفة من سيارة Van وبعض الرجال الملتحين وامرأة منقبة أو اثنتين، يفتشون المارة ويملكون الكثير من الصلاحيات، لكن بضعة من الشباب الإيرانيين وجدوا حلاً محتملاً للكابوس الإيراني الذي يلاحقهم.

تملك دورية الإرشاد الكثير من الخيارات في حال عدم إعجابها بامرأة ترتدي حجاباً يخرج قليلاً عن الشكل التقليدي للحجاب الإيراني، أو بشاب “متأثر بالغرب” في تسريحة شعره أو طريقة لباسه. قد يصل الأمر إلى العنف الجسدي، وسحل النساء في الشوارع إذا اعترضن على المثول للتفتيش والمساءلة، كما يمكنهم إجبار المتهمين على توقيع تعهد بعدم ممارسة تلك الأفعال مجدداً. وقد يمثل المتهم أمام القضاء ليحاكم على فعلته، وتكون العقوبة بين الغرامة المالية والسجن، لأن تلك التصرفات “تسيء إلى السلوك الإسلامي العام الذي تتخذه دولة إيران”.

فقد قامت مجموعة من الشباب العاملين في مجال البرمجة المعلوماتية بتطوير تطبيق أطلقوا عليه اسم “گرشاد” (Gershad) لمواجهة “شرطة الأخلاق” الإيرانية. هذه الأخيرة التي تعرف حضوراً مكثفاً في جميع المدن الإيرانية، وبصفة خاصة في الشوارع والأماكن التي تعرف إقبالاً كبيراً، حيث تحرس “الشرطة الأخلاقية” في إيران على مراقبة التزام المواطنين بالقواعد الصارمة الخاصة باللباس والسلوك المعتمدة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وقد عرَف تطبيق “گرشاد” إقبالا منقطع النظير بعد طرحه على “متجر جوجل” (Google Play store)، حيث تمّ تحميله بكثافة لدرجة جعلت السلطات الإيرانية تمنعه بعد 24 ساعة على طرحه. ويعتمد التطبيق بشكل أساسي على خدمة GPS لتحديد الموقع. فإذا كان الشاب الإيراني من مستخدمي التطبيق، كل ما عليه فعله هو التبليغ عن حاجز لـ”دورية الإرشاد” فور رؤيته، وكلما زاد عدد المبلغين عن موقع الدورية، يقوم التطبيق بضمان تثبيت الحاجز في المنطقة، وبالتالي يتجنب بقية مستخدمي التطبيق المرور بالمنطقة التي توجد فيها الدورية، ويغيرون طريقهم. وكلما نقص التبليغ عن حاجز معين أزاله التطبيق شيئاً فشيئاً عن الخريطة، لأن تلك الحواجز تتغير بشكل دائم.

تنتشر الرقابة على الانترنت في إيران على نطاق واسع، فكثير من الإيرانيين يعمدون للالتفاف على القيود التي تفرضها السلطات الإيرانية المواقع الإلكترونية باستعمال الخدمات الوكيلة (Proxy-Server) للدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر. وقد حظي التطبيق الجديد المناهض لـ”شرطة الأخلاق الإيرانية” رغم منعه بإعجاب كبير من طرف الشباب الإيراني على المواقع الاجتماعية.