عيد العمال.. عقود من النضال

سهام عيد

كتبت – سهام عيد

يعتبر العامل محور بناء الاقتصاد القومي لأي دولة، فإذا ما توافرت له كل سبل الراحة والدعم ساهم بلا شك في تقدم البلاد، لذا خصصت بعض البلدان له يومًا سنويًا للاحتفال به تقديرًا لجهودهم ودعمهم من بينهم مصر.

يسمى أيضًا عيد العمل أو يوم العمل، وهو احتفال شيوعي، اشتراكي، علماني، لا سلطوي، تنظمه حركة عمالية، شيوعية، لاسلطوية “فوضوية”، اشتراكية، يحتفل به في الأول من شهر مايو من كل سنة في عدد من دول العالم، وعطلة رسمية في أغلب دول العالم.

تعود خلفية هذا اليوم إلى القرن التاسع عشر إلى أمريكا وكندا وأستراليا، فقبل الإعلان عن هذا اليوم بسنوات، كانت شيكاغو في القرن التاسع عشر تخوض نزاعات عمالية لتخفيض ساعات العمل في هاميلتون، وبشكل خاص في الحركة التي تعرف بحركة الثمان ساعات.

نضال الثمان ساعات

في يوم 1 مايو من عام 1886 نظم العمال في شيكاغو ومن ثم في تورنتو إضرابا عن العمل شارك فيه ما بين 350 و400 ألف عامل، يطالبون فيه بتحديد ساعات العمل تحت شعار “ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات فراغ للراحة والاستمتاع”، الأمر الذي لم يَرق للسلطات وأصحاب المعامل خصوصا وأن الدعوة للإضراب حققت نجاحا جيدا وشلت الحركة الاقتصادية في المدينة، ففتحت الشرطة النار على المتظاهرين وقتلت عدداً منهم، ثم ألقى مجهول قنبلة في وسط تجمع للشرطة أدى إلى مقتل 11 شخصا بينهم 7 من رجال الشرطة واعتُقِلَ على إثر ذلك العديد من قادة العمال وحكم على 4 منهم بالإعدام، وعلى الآخرين بالسجن لفترات مُتفاوتة.

 وبينما كان الجلاد ينفذ حكم الإعدام بالعمال الأربعة كانت زوجة اوجست سبايز أحد العمال المحكوم عليهم بالإعدام تقرأ خطابا كتبه زوجها لابنه الصغير جيم “ولدي الصغيرعندما تكبر وتصبح شابا وتحقق أمنية عمري ستعرف لماذا أموت.ليس عندي ما أقوله لك أكثر من أننى بريء.

وأموت من أجل قضية شريفة ولهذا لا أخاف الموت وعندما تكبر ستفخر بأبيك وتحكى قصته لأصدقائك”.. وقد ظهرت حقيقة الجهة التي رمت القنبلة عندما اعترف أحد عناصر الشرطة بأن من رمى القنبلة كان أحد عناصر الشرطة أنفسهم.

وبعد وفاة عمال على أيدي الجيش الأميركي فيما عرف بإضراب بولمان عام 1894، سعى الرئيس الأميركي غروفر كليفلاند لمصالحة مع حزب العمل، تم على إثرها بستة أيام تشريع عيد العمال وإعلانه إجازة رسمية.

وفي بلد تلو الأخرى أخذت الحكومات البرجوازية تحول احتفال الأول من مايو من  يوم احتجاج وصراع طبقي إلى يوم استيعاب وتعاون طبقي، وفيما يلي نتناول أبرز طقوس الاحتفال به حول العالم.

أمريكا

في أمريكا، يحتفل الأمريكيون بعيد العمال كرمز لبداية فصل الصيف، ويتم التحضير للعطلة كيوم للراحة، والحصول على الرفاهية والاستجمام، كما يُمكن السياحة إلى بلدان أخرى، وإلقاء الخطب والمظاهرات السياسية، وعلى الرغم من أنّ عطلة عيد العمال يتم تنظيمها من قبل منظمات وهيئات العمال، إلا أنّ كثيرا من السياسيين يستغلونها لإلقاء مواضيع سياسية من قبل المرشحين بشكلٍ خاص في الانتخابات.

كما يصادف عيد العمال في أمريكا بداية مواسم دوري لكرة القدم ودوري الجامعات، وعادة ما يلعب الاتحاد الرياضي القومي أولى مبارياته في الأسبوع الذي يسبق عيد العمال، ويلعب اتحاد كرة القدم الأمريكي مباراته الأولى يوم الخميس الذي يلي عيد العمال.

أفريقيا وآسيا

أما في أفريقيا وآسيا، فيتم الاحتفال بعيد العمال في دولة مصر والجزائر في اليوم الأول من مايو من كل عام، وفي آسيا تحتفل بعض دول آسيا بعيد العمال في اليوم الأول من شهر مايو مثل الصين، والهند وروسيا وتركيا، وسوريا والعراق وفلسطين، والأردن واليمن، وتعتبره بعض الدول عطلة رسمية كسوريا وفلسطين والعراق، بينما دول السعودية وعُمان وأفغانستان فلا تعتبره عطلة رسمية ولا تحتفل أو تُؤمن به.

مصر

كان هناك تراث عمالي مستقل للاحتفال بعيد العمال في مصر بدأ في عام 1924 حيث نظم عمال الإسكندرية احتفالاً كبيرًا في مقر الاتحاد العام لنقابات العمال ثم ساروا في مظاهرة ضخمة حتى وصلت إلى سينما “باريتيه” حيث عقد مؤتمرًا ألقيت فيه الخطب.

ورغم ما كان يوجد من صعوبات أمام هذه الحركة النقابية المصرية فقد واصلت الاحتفالات بالمناسبة وتنظيم المسيرات والمؤتمرات طوال الثلاثينات والأربعينات ولكن مع وصول جمال عبد الناصر إلى السلطة والتأميم التدريجي للحركة العمالية أخذت المناسبة شكلًا رسميًا وتم استيعابها، وفي عام 1964 أصبح الأول من مايو عطلة رسمية يلقي فيها رئيس الجمهورية خطابًا سياسيًا أمام قيادات هؤلاء النقابيين. 

عيد العمال من المصانع للقاعات المكيفة

تنوعت اختيارات حكام مصر لأماكن الاحتفال بعيد العمال بين المصانع وقاعة المؤتمرات والقصور الجمهورية، إلى أكاديمية الشرطة، حيث كانت المصانع والميادين العامة هي الاختيارات الأكثر تكرارًا للرئيسين جمال عبد الناصر، ومحمد أنور السادات، ثم انتقلت تللك الاحتفالات في عهد “مبارك” إلى قاعة المؤتمرات، ثم إلى قصر القبة في عهد محمد مرسي، لينتهي مكان الاحتفال إلى أكاديمية الشرطة في أول عيد للعمال في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.

ففي عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بدأ الاحتفال بالعيد عام 1964، في ميدان الجمهورية، وتكرر المكان في العام الذي يليه.

وفي 2 مايو 1967 ألقى “عبد الناصر” كلمة الاحتفالية من منطقة شبرا العمالية.

وفي أول احتفال بعد نكسة 1967، احتفل عبد الناصر بالعيد في 1968 من مصنع كفر الدوار، ثم انتقل في عام 1969 إلى مصنع الحديد والصلب بحلوان، والذي مزج في خطبته في تلك المناسبة بين الهمّ الخاص بالعمال والهمّ العام المرتبط بالوطن حين طالبهم بالصمود لتحرير الأرض.

وتضمنت حقبة الرئيس الراحل محمد أنور السادات 11 خطبة بشكل سنوي متزامن احتفالا بعيد العمال، حيث بدأ أولى خطبه بمدينة الحديد والصلب بحلوان تيمناً بسابقه عبد الناصر، ثم تنوعت أماكن الاحتفالات بعد ذلك بين سفاجا والعريش والإسكندرية والمحلة الكبرى، وفي عام 1979 بمدينة سفاجا، حتى وصل للعام 1981 واحتفل به بمدينة 15 مايو.

المنحة ياريس

وخلال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، أصبحت قاعة المؤتمرات في مدينة نصر هي المكان الأثير له لتنظيم الاحتفالية خلال فترة حكمه التي امتدت لفترة 30 عاماً والتي اشتهرت بمطلب متكرر لأحد الحضور، صارخًا: المنحة يا ريس، ينهيها مبارك بضحكة وإعلان موافقته عليها.

وخلال عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، انتقل مقر الاحتفال بعيد العمال إلى قصر القبة، بعد يوم واحد من الاحتفال بالعيد داخل مصنع الحديد والصلب في منطقة حلوان الصناعية يوم 30 أبريل 2013.

وتضمن خطابه في احتفالية قصر القبة زيادة نسبة منحة عيد العمال بنسبة 50%.

وخلال ولاية المستشار عدلي منصور كرئيس انتقالي للبلاد، انتقل مقر الاحتفال إلى قصر الاتحادية، مساء يوم 29 أبريل للعام 2014.

وفي أول احتفالاته بعيد للعمال منذ توليه منصبه كرئيس للجمهورية، احتفل الرئيس السيسي داخل أكاديمية الشرطة بالتجمع الخامس، في حضور ممثلين عن الاتحاد العام لعمال مصر الرسمي، وسط حضور رئيس الحكومة المهندس إبراهيم محلب، وعدد من الوزراء.

أما في 2017 فقد حضر الرئيس السيسي الاحتفالية التي ينظمها الاتحاد العام لنقابات عمال مصر بمناسبة عيد العمال، بإحدى قاعات فندق الماسة.