بدبلوماسية ناعمة.. الإمارات تجمع شمل إثيوبيا وإريتريا

Editor One Editor One

كتب – حسام عيد

مصالحة تاريخية بين إثيوبيا وإريتريا تنهي نزاعًا طال 20 عامًا، بعد توقيع “إعلان أسمرة” ليبدأ عصر جديد من السلام والصداقة.

رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد علي ورئيس إريتريا أسياسي أفورقي، اتفقا على ضرورة تطبيع العلاقات وفتح الحدود بين البلدين، والقيام بعمليات تطوير مشترك لموانئ إريترية على البحر الأحمر.

مصالحة لم تكن لتتم بهذه الوتيرة إلا برعاية إماراتية، حيث دفعت الجهود الحثيثة لولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إثيوبيا وإريتريا باتجاه حدوث هذا اليوم.

إعلان أسمرة.. عصر جديد من السلام

وقع رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد علي، يوم الإثنين الموافق 9 يوليو 2018، مع الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي، “إعلان أسمرة”، ليدشن صفحة جديدة في العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا.

الإعلان تضمن ضرورة تطبيع العلاقات بين البلدين مع فتح الحدود بينهما في وقت لاحق، وانسحاب إثيوبيا من المناطق التي تسيطر عليها.

كما شمل الإعلان إعادة الاتصالات الهاتفية والروابط الجوية والموافقة على أن تستخدم إثيوبيا التي لا تطل على مسطحات مائية الموانئ الإريترية المطلة على البحر الأحمر. وهو ما أكدته هيئة الإذاعة الإثيوبية “فانا”، بالقول: إن “إثيوبيا وإريتريا ستطوران معاً موانئ إريترية على البحر الأحمر”.

طي نزاع الـ 20 عامًا

تطورّت العلاقات سريعاً بين إثيوبيا وإريتريا، بفعل خطوات المصالحة الداخلية والخارجية التي بدأها رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد، آبي أحمد، وتوّجها بسلسلة خطوات داخلية متعلقة بالمعارضة الإثيوبية والأقليات العرقية، وصولاً إلى حلّ النزاع التاريخي مع إريتريا، لطيّ صفحة نصف قرن من القتال والعلاقات المسمّمة بينهما، حتى توقيع “إعلان مشترك للسلام والصداقة” بين إثيوبيا وإريتريا.

ويأتي “إعلان أسمرة” بعد يوم من وصول آبي أحمد علي إلى العاصمة الإريترية يوم الأحد الموافق 8 يوليو الجاري، في أول زيارة رسمية منذ قرابة عقدين.

وكانت العلاقات بين إثيوبيا وإرتيريا قد شهدت عداء طويلا تخللها حروب حدودية، بينها صراع في مايو 1998، عرف باسم “حرب بادمي” إشارة إلى مثلث بادمي الحدودي الذي يضم ثلاث مناطق بادمي وتسورنا ويوري.

وفي مايو 2000، اندلعت مواجهة ثانية بين الطرفين، خلفت نحو مئة ألف قتيل من الجانبين وآلاف الجرحى والأسرى والنازحين وأنفقت خلالها أكثر من 6 مليارات دولار.

وفي يونيو 2000 تم توقيع اتفاق بالجزائر لوقف الأعمال العدائية وإحالة النزاع إلى التحكيم وأنشئت مفوضية لترسيم الحدود بين الطرفين ويكون قرارها نهائيًا وملزماً للجانبين.

غير أن إثيوبيا رفضت حكم اللجنة الدولية، ونشرت الآلاف من الجنود الإضافيين على الحدود مع إريتريا حتى 2018، فيما ظلت إريتريا متمسكة بضرورة تنفيذ الاتفاقية كما جاءت.

في ديسمبر 2009، فرضت الأمم المتحدة عقوبات على إريتريا، على خلفية دعمها حركة الشباب المسلحة في الصومال وزعزعة استقرار المنطقة.

في أبريل 2018، ظهرت بوادر انفراج للأزمة بعد أن أعرب رئيس الوزراء الإثيوبي عن رغبته بإعادة العلاقات مع إريتريا كما أعلن الائتلاف الحاكم في إثيوبيا من جانبه موافقته على تنفيذ اتفاقية الجزائر.

وفي يوليو 2018، أنهى الاتفاق “الإعلان” الموقع في أسمرة حالة اللاسلم واللاحرب بين البلدين في سبيل المحبة والسلام. بينما يتطلع العالم إلى تطبيع العلاقات بين أسمرة وأديس أبابا نظرا لأهمية ذلك في دعم الاستقرار في المنطقة.

وساطة ولي عهد أبوظبي

بدبلوماسية ناعمة لطالما عرف ووصف بها قيادات دولة الإمارات العربية المتحدة، وبحكمة مستقاة من الوالد المؤسس المغفور له الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، استطاع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أن يطوي خلافاً دام عشرين عاماً بين إثيوبيا وإريتريا بفضل حسن النوايا بين الجارين ورغبتهما الإيجابية.

في 15 يونيو الماضي، عقد ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان جلسة محادثات رسمية مع رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد، في أديس أبابا، تناولت تعزيز علاقات الصداقة والتعاون والشراكة الاستراتيجية بين البلدين ومجمل القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

وأكد الشيخ محمد بن زايد خلال زيارته لإثيوبيا أن دولة الإمارات بقيادة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “تولي أهمية كبيرة لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع جمهورية إثيوبيا خاصة في ظل البيئة الاستثمارية الجاذبة فيها والتطور الاقتصادي الكبير الذي تشهده”، مشيرا إلى النمو المتسارع في حجم الاستثمارات الإماراتية في إثيوبيا والمستقبل الواعد لهذه الاستثمارات التي تشمل العديد من المجالات الحيوية التي تهم البلدين الصديقين.

وشدد الجانبان على أهمية مضاعفة المجتمع الدولي جهود تحقيق السلام والأمان في المنطقة والعالم إضافة إلى ترسيخ مفاهيم التسامح والحوار والتعايش المشترك بين مختلف شعوب العالم.

وفي يوم الثلاثاء الموافق 3 يوليو الجاري، استقبل ولي عهد أبوظبي رئيس إريتريا، أسياسي أفورقي، معربا عن تطلعه إلى أن تسهم هذه الزيارة في دعم علاقات التعاون بين دولة الإمارات وإريتريا خلال المرحلة المقبلة بما يعود بالخير على البلدين وشعبيهما الصديقين.

وبدوره، رحب الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي بعودة العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية إثيوبيا الفدرالية الديمقراطية ودولة إريتريا.

وصرح قائلا: “إن هذ الاتفاق سينعكس إيجابا على تعزيز الأمن والاستقرار في البلدين بشكل خاص وعلى القرن الأفريقي والمنطقة بشكل عام”.

تعزيز آفاق التنمية في منطقة القرن الإفريقي

بهذه المصالحة التاريخية والتي لم تكن لتتم بهذه الوتيرة، من دون دعم وإسناد إماراتي، ستنمو وتتوسع آفاق التعاون الاستراتيجي في منطقة القرن الإفريقي.

وبعد أن كانت جيبوتي المنفذ الرئيسي لواردات إثيوبيا، التي لا تملك أيّ منافذ بحرية، فإنّ موانئ إريتريا ستكون البديل لميناء جيبوتي، التي اختارت التغريد خارج إطار مصالحها في القرن الأفريقي.

وسيعزز التعاون الإماراتي الإثيوبي من جهود التنمية بين البلدين وسائر دول القرن الأفريقي، وهو ما عبّر عنه استقبالُ الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي ضيفه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي في المطار بالعناق، في مشهد لم يدر بمخيلة أكثر المتفائلين في البلدين، بعد أن خاض البلدان حرباً في أواخر التسعينيات قتل فيها عشرات الآلاف.

قطر الخاسر الوحيد

وتشهد منطقة القرن الأفريقي هجوما لأجندات مختلفة بينها أجندة تركية تحاول تطويق مصر والتسلل إلى البحر الأحمر مستفيدة من أدوار ثانوية تلعبها الدوحة لخدمة الأجندة التركية أكثر من البحث عن مصالح قطرية وأيضا في سياق محاولاتها لإرباك استراتيجية السعودية والإمارات في تأمين الممرات المائية وتحرير الملاحة الدولية في البحر الأحمر حفاظا على الأمن القومي الخليجي والعربي ككل.

ولم يكن التقارب بين دولتي إثيوبيا وإريتريا مجرد مكسب تاريخي لاستقرار شعبي البلدين فحسب، وإنما امتدت تأثيراته الإيجابية لتعصف بمخطط التخريب القطري في منطقة القرن الإفريقي، وليشكل نقطة تحول تاريخية ستحدث انقلاباً في الميزان الإقليمي.

فقد ظلت الدوحة، طوال العقدين الماضيين، تستثمر خلاف أديس أبابا وأسمرة لمصلحة مشروعها التمددي من خلال إثارة الفتن عبر آلياتها الدعائية، لاسيما بوقها التحريضي المعروف بـ”الجزيرة”.