لبنان.. اللاجئون السوريون بين سندان العنصرية ومطرقة الترحيل

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

يعاني اللاجئون في لبنان من ظروف معيشية صعبة، سواء داخل المخيمات أو خارجها، إما بسبب التضييق الأمني وتأخير استصدار الإقامات، أو من خلال الاعتقالات “التعسفية” والهجمات الإعلامية المستمرة عليهم من بعض السياسيين اللبنانيين والفضائيات اللبنانية التي وصل الأمر ببعضها لبث “فيديو كليبات” تهين اللاجئين السوريين في لبنان بشكل عنصري فج، وكل ذلك إجبارهم على الخروج من لبنان.

حيث كانت تلك الوسائل الإعلامية تحملهم مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان، مع العلم أن الاقتصاد اللبناني تلقى مساعدات دولية متعلقة باللاجئين بمليارات من الدولارات ولم تصل أكثرها إلى اللاجئين.

وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن اللاجئين السوريينغددهم  أقل من مليون، وتسعى الدولة اللبنانية إلى إعادة اللاجئين إلى سوريا لتخفيف الضغط على الخدمات المتهالكة والاقتصاد المتدهور.

ومنذ أشهر بدأ التخطيط الفعلي للتضييق على اللاجئين وإجبارهم على العودة القسرية إلى سوريا مع في ذلك من مخاطر هائلة تنتظرهم، حيث يتم التضييق عليهم في المخيمات واعتقال أعداد منهم باتهامات مفبركة، خصوصا إذا علمنا أن مليشيات “حزب الله” اللبنانية الموالية لإيران تهيمن على المشهد الأمني في لبنان.

الحادثة الأخيرة

وقد سلمت السلطات اللبنانية نحو ثلاثين لاجئًا سوريًا للنظام السوري، بينهم خمس نساء وثلاثة منشقين عن قوات الأسد.

وأكد مصدر مقرب من المرحلين لوسائل إعلام سورية، ترحيل الأمن اللبناني لثلاثة منشقين عن قوات الأسد وتسليمهم للأمن السوري قبل يومين، عبر المعبر الحدودي بين البلدين.

وقال المصدر، إن “أحد المنشقين مسجل لدى مفوضية اللاجئين وموجود في لبنان منذ ثلاثة أعوام، ومع ذلك تم ترحيله مع اثنين آخرين”.

جرى ذلك بعد حملة اعتقالات نفذها الأمن اللبناني خلال الأشهر الماضية وطالت عشرات اللاجئين السوريين بدعوى دخولهم بطريقة غير شرعية وعدم تسجيلهم لدى مفوضية اللاجئين.

وكانت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، قد قالت: إن السلطات اللبنانية اتخذت إجراءات لترحيل كل سوري دخل “خلسة” إلى لبنان بعد تاريخ 24 من أبريل/ نيسان 2019.

ويتزامن ذلك مع حملة تحريض رسمية لبنانية ضد اللاجئين السوريين، بهدف إعادتهم إلى سوريا، بما يتنافى مع الدعوات الأممية التي تؤكد على أن عودة السوريين يجب أن تكون طوعية.

منظمة العفو الدولية طالبت في اليوم العالمي للاجئين، السلطات في لبنان بالكف عن فرض سياسات تقييدية على اللاجئين السوريين تجبرهم على المغادرة ومنها عمليات إخلاء غير قانونية، وحظر التجول، والمداهمات المتواصلة للمخيمات، والاعتقالات الجماعية.

الائتلاف السوري

رئيس هيئة التفاوض السورية نصر الحريري قال: إن “وضع اللاجئين في لبنان والسياسات العنصرية وخطاب الكراهية والانتهاكات الممارسة ضدهم اخذت حيزا كبيرا من النقاش، واتفقنا مع عدد من الحكومات على إيلاء هذه المشكلة الاهتمام الكافي من أجل ممارسة الضغوط اللازمة على لبنان من أجل وقف كل ذلك والتعامل مع اللاجئين وفقا لمبادئ القانون الدولي”.

أما السياسي السوري جورج صبرا فقال: إن “الترحيل القسري الذي يجري للاجئين السوريين المنشقين عن نظام الأسد وبالتنسيق مع السفارة السورية في لبنان، يعرضهم لأقسى المخاطر. وهذا يستدعي تحرك مفوضية اللاجئين في لبنان وأنصار العدل والحريّة وحقوق الإنسان من إخوتنا اللبنانيين”.

من جهته، قال عضو لجنة المفاوضات هادي البحرة، “على من يريد رحيل السوريين وحرمانهم من حق اللجوء والحماية الإنسانية الدولية، أن يسترجع القتلة والمجرمين (حزب الله اللبناني) الذين تسببوا بتهجيرهم، فهو من سهل عبورهم من بلده، وهو من صمت عن جرائمهم، وهو من يقود خطاب الكراهية ويحرض عليها”.

فتنة كبرى

وقد حذرت “هيئة علماء المسلمين في لبنان” من حدوث “فتنة كبرى” بسبب تسليم جهات لبنانية لاجئين سوريين إلى النظام السوري.

وأعربت الهيئة في بيان لها، عن خشيتها من أن تؤدي سلسلة الإجراءات التي تقوم بها بعض الجهات اللبنانية من “هدم خيام النازحين وتسليمهم لقاتليهم ومداهمات عشوائية لأماكن سكنهم وتجويعهم، وإذلالهم وسجنهم بحجج واهية (..) إلى فتنة كبرى، لا يتمناها أحد”.

وأكدت الهيئة أن تسليم النازحين إلى النظام “أمر مخالف للشرائع السماوية وللقوانين والمواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان، ويتنافى مع الأخلاق الإنسانية، وشيم إغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم وحسن الجوار”.

وأشارت الهيئة إلى أن ذلك سيعرض حكومة لبنان للمساءلة القانونية أمام المجتمع الدولي، وربما الحرمان من المساعدات الدولية، معتبرة أن تسليمهم اشتراك في الجريمة.

وطالبت “هيئة علماء المسلمين في لبنان “المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية والمحلية بتحمل مسؤولياتها والتحرك العاجل لإيقاف ما وصفتها “الجريمة البشعة”.

تضامن لبناني

وقد اصدر مجموعة من الصحفيين والإعلاميين والمثقفين والناشطين والحقوقيين اللبنانيين من جميع الطوائف بيانا انتقدوا فيه العنصرية في لبنان، وأعلنوا فيه، استنكارهم المطلق للحملة التي يتعرّض لها المواطنون والمواطنات السوريّون في بلدنا، مؤكدين استيائهم من الهستيريا العنصريّة التي يُديرها وزير خارجيّتنا السيّد جبران باسيل، ضدّ أفراد عُزّل هجّرهم من بلدهم نظامهم القاتل، فيما عاونَه على تهجيرهم طرف لبنانيّ يشارك اليوم، ومنذ سنوات، في حكومات بلدنا.

وتابع البيان الذي وقعه العشرات: أهمّ من ذلك أنّ الحملة هذه إنّما تسمّم المناخ الداخليّ برمّته، هو المُبتلى أصلاً بطائفيّة يبالغ في شحذ شفرتها وفي استنفار غرائزيّتها زعماءٌ شعبويّون يتقدّمهم باسيل نفسه. وهي، في فعلها هذا، وفي ما تتسبّب به من اعتداءات مباشرة ومن ترويع للأفراد السوريّين ولمؤسّساتهم المتواضعة، ترسم بلدنا مكاناً للاضطهاد والاسترقاق يجافي كلّ المزاعم المعهودة عن لبنان بوصفه “بلد الإشعاع والنور” و”ملجأ المضطهَدين في الجوار”. وفي هذه الغضون يُدفَع سِلمنا الأهليّ، على هشاشته، في وجهة الاحتمالات العنفيّة التي سبق لها أن كلّفت بلدنا الكثير”.

الأسد يستهدف العائدين

وقد طالب وزير الدولة اللبناني السابق لشؤون النازحين معين المرعبي، بضغط دولي على نظام الأسد لوقف عمليات قتل وتجنيد اللاجئين العائدين إلى بلادهم، وتحدث عنها بالقول: “علمنا من مصادر محلية من اللاجئين عن قتل أكثر من 20 لاجئًا عادوا إلى سوريا، وإجبار آخرين على التجنيد في الجيش السوري”.

كما تعرض بعض العائدين لعميات اختطاف “وهذا ما أدى إلى رعب لدى اللاجئين”، وفق الوزير اللبناني، وعرض المرعبي صوراً تظهر تعرض لاجئين سوريين عادوا من لبنان إلى بلادهم للقتل من قبل نظام الأسد.

كما وصف المرعبي مليشيات “حزب الله” اللبنانية بـ”المحتلة” لـ”أراض ومدن وبلدات في سوريا”، وقال إن: “احتلالها هذا أدى إلى نزوح السوريين إلى الأراضي اللبنانية وهو مسؤول عما جرى لهم”.

واستطرد قائلاً: “إذا أردنا مساعدة السوريين للعودة ما علينا إلا أن نطلب من حزب الله والنظام السوري وكل الميليشيات التابعة لإيران الانسحاب حتى يتمكن السوري من العودة إلى بلاده”.

وشكك المرعبي بصدق الدعوات المتكررة للنظام السوري بدعوة اللاجئين إلى العودة قائلا: “كلامه غير صحيح لأن ممارسته غير ذلك”، وأشار أن النظام يمنع عشرات الآلاف من العائلات السورية من العودة إلى قراهم ومدنهم من أجل تحقيق تغيير ديموغرافي، يقوم به بمساعدة الإيرانيين ومليشيات “حزب الله” اللبنانية.