لهذه الأسباب تهدد أمريكا بسحب قواتها من ألمانيا

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

من جديد يثير السفير الأمريكي لدى ألمانيا “ريتشارد غرينل” قضية جديدة تثير غضب الساسة الألمان والحكومة الألمانية، بمطالبة بنقل القوات الأمريكية في ألمانيا، قاعدة “رامشتاين” إلى وارسو، مستكثرًا على برلين تغطية نفقات تواجدها العسكري، متناسيًا، أن القاعدة الأمريكية في ألمانيا، هي لخدمة المصالح الأمريكية إقليميًا ودوليًا، أكثر من توفير الحماية إلى ألمانيا.
تصريحات السفير الأمريكي من المتوقع أن تشهد تفاعلًا أكثر خلال الأيام القادمة، ويمكن اعتبارها “مؤشر” إلى نهج جديد في السياسة الأمريكية.

تستمر ضغوطات الرئيس الأمريكي ترامب على برلين، بإعلان السفير الأمريكي في ألمانيا، “ريتشارد غرينل” تهديده، بسحب جزئي للقوات الأمريكية من قاعدة “رامشتاين” Ramstein Air Base واضاف يوم أمس، 9 أغسطس 2019 قائلا: “إنه من المهين حقا الانتظار أن يواصل دافع الضرائب الأمريكي تسديد نفقات أكثر من 50 ألف أمريكي في ألمانيا، بينما يستخدم الألمان فائضهم التجاري”.

وجاء تعليق السفيرة الأمريكية في وارسو ـ بولندا “جورجيت موسباخر” مكملا بقولها: “بولندا تفي بالتزامها بتسديد 2% من ناتجها المحلي الإجمالي لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، بينما لا تفعل ألمانيا ذلك، سنرحب إذا انتقلت القوات الأمريكية من ألمانيا إلى بولندا”.

وسبق أن أعربت الحكومة الألمانية عن استيائها من تصريحات السفير الأمريكي في برلين ريتشارد غرينل حول “الموجة المحافظة” في أوروبا.

تصريحات و”تدخلات السفير الأمريكي في برلين لم تكن الأولى، فبعد أن أجرت ألمانيا اتصالات مع الصين، حول مشاركة لشركات صينية في توسيع شبكات الجيل الخامس، وهذا أثار غضب الولايات المتحدة، على لسان سفيرها في برلين ريتشارد غرينل، مهددا بإيقاف التعاون الاستخباري، لكن ردود حكومية أوروبية، جاء واضحًا يوم 20 مارس 2019، بقوله: “ألمانيا لن تخضع للابتزاز مطلقًا أيا كان الأمر أو الجهة التي تحاول ممارسة هذا الابتزاز”.

طالبت الأحزاب اليسارية الألمانية خلال عام 2018 بطرد السفير الأمريكي الجديد في برلين “ريتشارد غرينل” المقرب من الرئيس دونالد ترامب، متهمين إياه بالتدخل في شؤون البلاد الداخلية والتسبب بتفاقم التوتر في العلاقات الثنائية. وقالت لصحيفة “دي فيلت”: “لا يمكن لشخص مثل السفير الأمريكي ريتشارد غرينل -الذي يعتقد أن بإمكانه الهيمنة على أوروبا وتحديد من سيحكم فيها- أن يبقى في ألمانيا كدبلوماسي”.

قاعدة “رامشتاين” Ramstein Air Base

تثير قاعدة “رامشتاين” Ramstein Air Base جنوب غرب ألمانيا الكثير من الجدل، حول أنشطتها السرية، بالتدخل في مناطق النزاع، أبرزها سوريا، وتورطها، بتحويلها إلى محطة “ترانزيت” إعادة تصدير المعدات والذخيرة إلى الجماعات المسلحة في سوريا ومناطق نزاع أخرى، رغم نفي الحكومة الألمانية ذلك. وكشفت صحيفة “زود دويتشه أن الجيش الأمريكي أرسل عبر قاعدته العسكرية في “رامشتاين” بجنوب غرب ألمانيا أسلحة وذخائر إلى معارضين سوريين. وأفادت الصحيفة أن “رامشتاين” كانت على ما يبدو محطة مؤقتة في طريق نقل الأسلحة من شرق أوروبا والبلقان إلى معارضين للنظام السوري وجماعات أخرى من أجل دعمها في حربها على تنظيم داعش.

استدعت وزارة الخارجية الألمانية يوم 4 تموز 2014 السفير الأمريكي في برلين جون إيمرسون بعد إلقاء القبض على جاسوس يعمل لصالح الولايات المتحدة داخل جهاز الاستخبارات الألمانية. وكانت الاستخبارات الألمانية قد ألقت القبض على موظف في الاستخبارات الخارجية الألمانية BND لتورطه في عملية تجسس لصالح وكالة الاستخبارات المركزية CIA. العميل المزدوج سبق له العمل مع الاستخبارات المركزية لمدة عامين وسرق 218 وثيقة سرية.

أثار الكشف عن تورط الاستخبارات المركزية في قضايا تجسس على حليفاتها، الكثير من الأزمات، ودفع دولا داخل الناتو والاتحاد الاوروبي لمراجعة مصادر معلوماتها وتعزيز حصانة أجهزتها الاستخبارية، وكأنها تعود إلى مرحلة الحرب الباردة من جديد.

النتائج

ـ تأتي تعليقات السفير الأمريكي في برلين، ضمن عمل ممنهج، لتنفيذ ضغوطات ترامب على ألمانيا، وهذا التعليق، ربما يبحث في زاوية وجود القوات الأمريكية في ألمانيا، قاعدة “رامشتاين”، تعليق السفير الأمريكي حول القاعدة الأمريكية يعتبر سابقة، ومؤشرا على أن الولايات المتحدة الأمريكية، لم تعد تعتبر ألمانيا حليفها القوي في أوروبا.

ـ ما يهدف له ترامب، بدفع ألمانيا وأوروبا بزيادة إنفاقها العسكري ليتجاوز 2% من ناتجها القومي، يأتي ضمن مساعي ترامب، بتقليص إنفاق أمريكا العسكري، وتحمل الدول الأعضاء في الناتو إنفاق الدفاع والحماية الأمريكية. ما يريده ترامب، هو إيجاد أكبر قدر من الضغوطات على ألمانيا ودول أوروبا، لتصعيد إنفاقها العسكري وهذا من شأنه إضعاف دول أوروبا وألمانيا اقتصاديا أمام أمريكا، وهذا ما يريده ترامب.

ـ لم يعد ترامب يكترث بحماية حليفاتها، وخاصة أوروبا، بعد إعلان واشنطن، يوم 2 أغسطس 2019، انسحابها رسميا من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى مع روسيا المبرمة، عام 1987 إبان الحرب الباردة. ما يريده ترامب هو رفع مظلة الحماية عن أوروبا، من أجل استنزاف اقتصادياتها. أعلن ترامب منذ أيامه الأولى في البيت الأبيض، أنه :”لا يوجد أمن مجانا” هو ينظر إلى القضايا ضمن مبدأ الربح والخسارة الاقتصادية، على حساب الأمن والعلاقات السياسية، وهذا من شأنه سيعمل على تراجع دورها كقوة عظمى، بفرط عقد تحالفاتها مع أوروبا وأطراف أخرى.

ـ الحراك الذي تشهده ألمانيا سياسيا واقتصاديا على المسرح الأوروبي والدولي، تقول إن السيطرة الأمريكية على برلين وصلت حد العقدة التي يعاني منها الألمان.

ـ يبدو أن ألمانيا لم تعد تسمع بعد مطالب إدارة ترامب، وهي قد أدركت جيدا توجهات السياسة الأمريكية الجدية، فلم تعول كثيرا على الحماية الأمريكية، رغم أنها ما زالت تحتاج لهذه الحماية، خاصة في موضوع المظلة النووية.

ـ يسعى ترامب إلى إضعاف دور ألمانيا داخل الناتو، وإضعاف مكانتها السياسية والاقتصادية، من خلال إيجاد علاقات جديدة مع بقية دول أوروبا، أبرزها مع وارسو.

ـ من المرجح أن تشهد العلاقات بين ضفتي الأطلسي تدهورا أكثر في زمن ترامب، خاصة بين واشنطن وبرلين، ويبدو أن هناك تجاهلا أمريكيا -من قبل ترامب- متعمدًا تجاه ألمانيا، من شأنه أن يوسع الفجوة بين الطرفين.

ما ينبغي العمل عليه، هو أن تدرك ألمانيا ودول أوروبا وكذلك حلفاء الولايات المتحدة، أن ترامب، يعتمد “العامل” الاقتصادي في تحالفاته الاستراتيجية، على حساب الأمن والدفاع وعلى حساب الدور الأمريكي باعتبارها دولة عظمى. وأن تدرك جيدا أن سياسات ترامب في الوقت الحاضر، تهدف إلى دفع أوروبا وكذلك روسيا إلى الإنفاق العسكري وربما التسابق في التسلح، بتصعيد إنفاقها العسكري وإضعاف حجم اقتصادياتها، رغم أن ترامب لا يريد أبدا نشر قوات أمريكية جديدة ولا يريد أن يدخل في حرب، جل ما يريده ترامب هو تعزيز الاقتصاد الأمريكي وإعادة موازين القوى دوليا.