حي جديد في مستوطنة بيت إيل .. تحرك إسرائيلي لفرض السيطرة على الضفة

محمد عبد الدايم

كتب – د.محمد عبدالدايم

في مستهل شهر أغسطس؛ دشن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حجر الأساس لبناء حي جديد في مستوطنة بيت إيل (بيت الرب)، ويشمل الحي الجديد 650 وحدة سكنية، في توسيع جديد للمستوطنة اليهودية التي تأسست عام 1977، وتقع في مدينة البيرة بالضفة الغربية.

اعتبر نتنياهو مشروع توسيع المستوطنة بمثابة “وفاء لوعد سبق أن وعد به” عام 2012 ويقضي ببناء 300 وحدة سكنية جديدة، وفي عام 2017 تمت المصادقة رسميا على توسيع المستوطنة وبناء الوحدات الجديدة.

لم يعد نتنياهو بتوسيع الاستيطان فحسب، لكنه وفقا لوسائل الإعلام وعد بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة، وهو الأمر الذي يمثل حاليا حجر زاوية في علاقة رئيس الحكومة بالأحزاب اليمينية والدينية المتحالفة معه.

شاقيد تدعو لفرض السيطرة الإسرائيلية على الضفة

على غرار الميثاق الذي وقعه أعضاء حزب هاليكود بالتوصية لنتنياهو وحده لتشكيل الحكومة القادمة؛ أعلن مرشحو أحزاب اليمين بقيادة أييلت شاقيد عن توقيع ميثاق ينص على أن “إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، ووجوب فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية ومعارضة إقامة دولة فلسطينية”.

في الوقت نفسه عارضت شاقيد رغبة رافي بيرتس وزير التعليم الإسرائيلي في أن تفرض إسرائيل سيادتها على جميع أراضي الضفة الغربية، وشددت على أن إسرائيل يجب أن تفرض سيادتها فقط على الأراضي ذات الأغلبية اليهودية المطلقة.

البداية من مستوطنة بيت إيل  الأمر لا يتعلق بالأراضي ذات الأغلبية اليهودية أو العربية، وإنما يتعلق برغبة إسرائيلية في السيطرة على كامل أراضي الضفة الغربية، لاستكمال مخطط الاستيطان، وحصر الفلسطينيين في غزة.

تجاوز خطأ شارون

بنيامين نتنياهو يتحرك ليسمي نفسه القائد التاريخي لإسرائيل، ولذلك يرفض تكرار ما فعله أربئيل شارون، الذي وضع ومرر خطة فك الارتباط عن قطاع غزة، ودفع مقابلها الثمن، بالخروج من حزبه هاليكود، وانتهاء المسيرة السياسية لتابعيه، وعلى رأسهم تسيبي ليفني، رغم أن خطته هذه أثمرت عن حصار الفلسطينيين، وتكميم المقاومة الفلسطينية إلى حد كبير.

دعاية انتخابية لضمان أصوات اليمين

يأتي مشهد نتنياهو وهو يضع حجر الأساس لتوسيع مستوطنة بيت إيل قبل الانتخابات بشهر واحد، في تحرك دعائي كبير له ولحلفائه من اليمين، وهنا يسبق الملك بيبي منافسيه بخطوات، فيدخل الانتخابات متقدما عليهم جميعا بالفعل وليس الأقوال، وهو ما يمنحه أرجحية لدى الجمهور اليميني تحديدا، واليمين الديني على وجه الخصوص، الذي أعلن قادته السياسيون مرارا التوصية به دون غيره لتشكيل الحكومة حتى لو لم يحقق أفضلية في عدد المقاعد، دون اعتبار لقضايا الفساد التي يواجهها.

كلما اقترب موعد الانتخابات يتحرك نتنياهو لإظهار أحقيته بالفوز وتشكيل الحكومة، وفي هذه المرحلة يحاول الحصول على تأييد أمريكي جديد، من حليفه الرئيس ترامب بالاعتراف لإسرائيل ببسط سيادتها على المناطق المأهولة باليهود في الضفة الغربية، وعدم التنازل عن شبر من المستوطنات القائمة فيها.

بانتظار الهدية الثالثة

هذا الاعتراف الأمريكي يستهدف نتنياهو أن يكون بمثابة الهدية الثالثة من ترامب، بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، وبعدها الاعتراف بفرض السيطرة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة، والتي وضع فيها نتنياهو حجر أساس لمستوطنة جديدة تحمل اسم ترامب.

في الوقت الراهن لا يستطيع نتنياهو إعلان قرار رسمي علني بفرض سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية؛ لأنه حاليا رئيس لحكومة مؤقتة انتقالية، لكنه يحاول اقتناص إعلان أمريكي لصالحه بالاعتراف الوشيك بسيطرته على الضفة، كي يلوح بورقة رابحة لجمهوره من اليمين مع اقتراب إجراء الانتخابات في سبتمبر المقبل.

تمسك أمريكي بنتنياهو

من جهة أخرى؛ يبدو أن إدارة ترامب ما تزال على عهدها برعاية نتنياهو، والتمسك بوجوده في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، ففي تصريحات له؛ قال السفير الأمريكي لدى إسرائيل، دافيد فريدمان، إن الإدارة الأمريكية “تتفهم رغبة إسرائيل في الاحتفاظ بأجزاء من الضفة الغربية”، وهو التصريح الذي أمّن عليه جيسون جرينبلاط المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط.

الجميع في تحالف اليمين الآن، وعلى رأسهم نتنياهو، بانتظار هذا الاعتراف قبيل الانتخابات، فقط يتوقعون تصريحًا شفاهيا من ترامب، يعقبه توقيع رسمي بعد الانتخابات.

التحرك بتصميم وروية

برغم أن “صفقة القرن” الأمريكية المزعومة تنص على ترك الضفة الغربية للفلسطينيين، مع الاعتراف بدولة فلسطينية “منزوعة السلاح”، فإن إسرائيل تتحرك لتجاوز هذين البندين تحديدا، باقتناص الضفة الغربية استنادا إلى اعتراف أمريكي وتوسيع الاستيطان، ورفض تسمية فلسطين بالدولة تحت أي ظرف، فقط قد يوافق اليمين الإسرائيلي على فكرة “حكم ذاتي فلسطيني”.

من المعروف، حتى الآن، أن الضفة الغربية مقسمة إلى ثلاثة قطاعات، أولها تحت السيطرة الفلسطينية، والثاني تحت السيطرة الإسرائيلية، في حين يتبقى قطاع ثالث تحت السيطرة الفلسطينية الإسرائيلية المشتركة، والمعضلة التي تواجه إسرائيل الآن هي ما بعد ضم الضفة، أي مصير الفلسطينيين المقيمين في القطاع الثالث الذي يشترك الفلسطينيون والإسرائيليون في السيطرة عليه، ويضم ما يقرب من 70 ألف فلسطيني.

أي محاولة إسرائيلية لفرض السيطرة على هذا القطاع تحديدا تعني ضم الفلسطينيين فيه تحت العلم الإسرائيلي، ليتحولوا إلى مواطنين من فلسطيني الداخل، وهذا يعني منحهم المواطنة الإسرائيلية، وهو الأمر المرفوض بأي حال بالنسبة لإسرائيل، كما أن طرد هؤلاء من الضفة يعني مواجهة كبيرة ومعارضة عالمية لإسرائيل، لن تختلف كثيرا إذا ما أقدمت إسرائيل على بناء جدار عازل جديد يفصل بين هؤلاء المواطنين الفلسطينيين وبين الأراضي التي ستفرض إسرائيل سيطرتها عليها.

من هنا نتنياهو يتحرك بروية، حيث يضغط لفرض سيطرته على الضفة الغربية أولا بالحديث عن الأراضي ذات الأغلبية اليهودية، والتي تضم تجمعات سكانية استيطانية، وفي هذا الاتجاه يدشن مزيدا من الوحدات السكنية داخل المستوطنات القائمة، ليصبح ضمها لإسرائيل أمرًا واقعا، باعتبارها كتل سكانية يهودية خالصة.

لكنه إلى الآن يرفض التصريح بشكل مباشر عن رغبته في السيطرة على الضفة الغربية بكاملها، لأن هذا التحرك في الوقت الحالي سيجلب بالتأكيد معارضة عالمية كبيرة، ورفضا فلسطينيا غاضبا، فبدلا من هذا، ولتجنب رد الفعل المعارض، يسهى لضم الأراضي التي تضم مستوطنات يهودية أولا، ورويدا رويدا مع الاتساع في الاستيطان يمكنه استلاب الضفة بكاملها، مثلما فعلت إسرائيل وتفعل كل يوم في الأراضي المحتلة.