البداية من النرويج.. الصندوق السيادي الأكبر عالميًا يودع النفط

حسام عيد – محلل اقتصادي

في خطوة لخفض مخاطر القطاع النفطي، يسعى الصندوق السيادي النرويجي وهو الأكبر في العالم إلى الانسحاب بالكامل من القطاع وستكون هذه العملية تدريجية على فترة طويلة حسب شروط السوق.

الاتجاه بعيدًا عن النفط

بمتابعة التطورات حول الصندوق السيادي النرويجي، يتضح أنه بدأ في الاتجاه بعيدًا عن النفط منذ 2017 بطلب من البنك المركزي سعيًا لحماية البلاد في حال هبوط أسعار الخام.

وبالفعل بدأ الصندوق النرويجي في سحب استثماراته في الشركات المتعلقة بالنفط والغاز، وفي الأسبوع الأول من أكتوبر 2019، أعلنت وزارة المالية النرويجية أنها سمحت لصندوق الثروة السيادي باستبعاد كافة الأسهم التي تصنف من قبل مزودة المؤشرات “فوتسي راسل” على أنها شركات “منتجة للنفط” تدريجيًا.

وقد بلغ عدد الشركات من تلك الفئة التي يستثمر بها الصندق 95 شركة في منتصف سبتمبر، مما يعني بيع أسهم شركات بقطاع النفط والغاز بقيمة5.9 مليار دولار.

ولكن لم توضح الوزارة والصندوق قائمة بالشركات التيسيتم سحب الاستثمارات منها، مشيرين إلى أنه يتم الإفصاح نهاية كل عام  فقط تفصيليًا عن الحيازات.

ولكن اعتمدت وكالة “بلومبيرج” الأمريكية على بيانات”فوتسي راسل” للفئة الفرعية “النفط: منتجو الخام” المحدثة في الثاني من أكتوبر بعد أحدث مراجعة فصلية، وفحص حيازات الصندوق التي تم الإفصاح عنها علنًا في نهاية العام الماضي – مع افتراض عدم تغيرها – ورصدت قائمة بالأسهم التي سيسحب الصندوق استثماراته منها، مرتبة وفقًا لقيمة حيازات الصندوق بها. للاطلاع اضغط هنا

وحسب مخططات البنك المركزي النرويجي، يجب التخارج بقرابة 37 مليار دولار وهو الاقتراح الأساسي الذي قدمه للحكومة.

لكن بتوقعات مارس 2019، هبط هذا الرقم إلى قرابة 7.7 مليار دولار.

فيما بلغت قيمة الاستثمارات الفعلية التي تم سحبها قرابة 5.9 مليار دولار.

وتباطأت استثمارات الصندوق الفعلية في قطاع النفط بمعدل طفيف منذ اتخاذ القرار لعام 2017 لأقل من 33 مليار دولار، إلى أن هبطت إلى حدود 22 مليار دولار في ديسمبر 2018.

وكانت وزارة المالية أعلنت في مسودة ميزانية2020، أنها ستقلص الإنفاق من الصندوق إلى 243.6 مليار كرونة نرويجية (26.79 مليار دولار) في 2020 من 246.2 مليار كرونة في 2019. للاطلاع اضغط هنا

أسباب التخارج

أعلنت النرويج مؤخرًا، أن هبوط أسعار الخام إلى أرقام متدنية لا تلبي طموحات الدول المنتجة؛ معربة في الوقت ذاته من حدوث عمليات إغراق في الأسواق النفطية العالمية، في حال أصاب منظمة “أوبك” أي ضرر.

كما أنها رأت أن الفترة الراهنة التي يمر بها العالم من تغيرات مناخية شديدة تتطلب ضرورة خفض الانبعاثات التي تؤثر بشكل كبير ومباشر على البيئة.

وأقر البرلمان النرويجي خطط الصندوق السيادي للتخارج من استثمارات نفطية في أكثر من 90 شركة نفطية تعادل 1% من أصول الصندوق، الذي يبلغ حجمه نحو 1.1 تريليون دولار، وهو أكبر صندوق سيادي حكومي في العالم.

أبرز استثمارات الصندوق بالنفط والغاز

هناك العديد من الشركات ضمن الصندوق السيادي النرويجي تُستثمر في قطاع النفط والغاز، وتعتبر “شل” واحدة من أكبر الشركات المتواجدة، فاستثمارات الصندوق بها بلغت 5.92 مليار دولار.

فيما يستثمر الصندوق السيادي النرويجي ما قيمته 2.93 مليار دولار في شركة “بريتيش بتروليوم”، و2.86 مليار دولار في مجموعة توتال النفطية الفرنسية، و2.70 مليار دولار في إكسون موبيل والتي تعد إحدى الشركات الكبيرة التي يمكن أن تبقى ضمن الصندوق لتنوع محفظتها الاستثمارية وعدم اقتصارها فقط على النفط.

كما يستثمر الصندوق السيادي النرويجي في شركة شيفرون بقرابة 2.06 مليار دولار، وكذلك يستثمر في إيني الإيطالية بـ910 مليون دولار، وكونوكو فيليبس بـ710 مليون دولار.

ويشكل النفط والغاز 5.9% من الاستثمارات في الأسهم بالصندوق السيادي النرويجي، وهو ما يمثل قرابة الـ37 مليار دولار.

وبحسب البيانات الصادرة بنهاية 2018، اتجه الصندوق السيادي النرويجي إلى أمريكا الشمالية وهي الوجهة الأكبر استثماريًا بـ43 %، كما بلغت استثماراته في أوروبا نسبة 34.1%، فيما استحوذت آسيا على 17%، أما أستراليا فالصندوق يستثمر 2.3% فيها، وأمريكا الجنوبية بنسبة 1.9%، وأفريقيا بـ0.7%، ويأتي الشرق الأوسط في المرتبة الأدنى باستثمارات الصندوق السيادي النرويجي بنسبة 0.3%.

النرويج منتج نفطي ضخم

وتعتبر النرويج ثاني أكبر منتج نفطي في أوروبا الغربية حسب البيانات الأخيرة التي صدرت في يونيو 2019، بحجم 1.65 مليون برميل يوميا، وذلك بعد روسيا الأولى أوروبيا في إنتاج النفط بـ10.7 مليون برميل يوميًا.

فيما تأتي بريطانيا ثالثُا بإنتاج يومي من النفط الخام يبلغ 1.05 مليون برميل يوميًا.

ويعود تراجع إنتاج النرويج اليومي من الخام إلى إلغاء خطط للاستثمار في مشاريع استكشاف حقول وحفر آبار جديدة بقيمة 7 مليارات دولار؛ كما أنها شجعت الاستثمار في الطاقة المتجددة، كالرياح والطاقة الشمسية، بقيمة 20 مليار دولار خلال السنوات المقبلة.

الصندوق السيادي النرويج.. الأكبر عالميًا

منذ عام 2010، يسجل الصندوق السيادي النرويجي عوائد متذبذبة، فتارة ترتفع بمعدل طفيف وتارة أخرى تتراجع، وذلك بحكم الأزمة المالية العالمية في 2008.

لكن عاد ليعوض جزء من هذه التراجعات، ففي 2012 و2013 لتلامس العوائد ارتفاعات قاربت الـ 20%.

ومنذ بداية 2019، تراجعت العوائد لتقترب من الـ3% مع تزايد احتمالات دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة ركود بفعل تصاعد التوترات التجارية بين أمريكا والصين القطبين الأكبر اقتصاديًا.

هذه التوجهات للصندوق السيادي النرويجي مرتبطة بأسواق النفط وتقلباتها على صعيد الأسعار، وكذلك توجه عديد من الدول إلى الاعتماد على السيارات الكهربائية في المستقبل ضمن إطار خططها الإصلاحية الاستراتيجية في تنويع استثماراتها بعيدًا عن استخدامات النفط، وهو ما قد يحتسبه الصندوق ضمن استثماراته في الأعوام طويلة المدى.