كورونا يهوي بـ”الخام الأمريكي”.. الأزمة قد تفوق الكساد الكبير!

شيماء مصطفى

حسام عيد – محلل اقتصادي

المزاج العام اليوم في الأسواق النفطية ربما يشهد المزيد من التداعيات بعد التراجعات الحادة في عقود تسليم شهر مايو بالنسبة لخام غرب تكساس الوسيط ووصولها لـ40 دولارًا في النطاق السالب “37.63 دولارًا تحت الصفر للمرة الأولى في تاريخه” وبنسبة بلغت 305.97%، وعلى الرغم من أن هذا الأمر لم يؤثر في جلسة الإثنين الموافق 20 أبريل مباشرة على خام برنت، إلا أن انتقال العدوى لم تستغرق سوى ساعات قليلة كي تسجل أسعار عقود برنت لأقرب استحقاق تراجعًا بنحو 30% لتهبط دون مستويات الـ 20 دولاراً للبرميل، مع تصاعد المخاوف من التحول إلى معضلة عالمية مع وصول القدرة التخزينية العالمية لمستواها الأقصى وتحديدًا في مدينة كوشينج بولاية أوكلاهوما الأمريكية، في الوقت الذي ينكمش فيه الطلب العالمي بمستويات غير مسبوقة بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، وسط استمرار حالة عدم اليقين تجاه موضوع إنهاء الإغلاق في عدد من دول العالم وإلى أي مدى ستعطي دعمًا وأرضية بالنسبة لأسواق وأسعار النفط.

عمليًا، ما نشهده الآن بالنسبة لمنحنى أسعار النفط والتوجه نحو النطاق السالب، يعني أن منتج النفط يدفع للمشتري مقابل فقط التخلص من هذا النفط بسبب غياب القدرة التخزينية.

السؤال الآن إلى أي مدى من الممكن أن نشهد سيناريو الثمانينيات مجددًا عندما كان هناك معروض كبير في الأسواق أدى إلى تراجع الطلب، وهو تقريبًا نفس السيناريو الذي تشهده الأسواق بالوقت الحالي، نحن نرى تراجع الطلب نتيجة لفيروس كورونا، مع استمرار الإغلاقات الكلية والجزئية، كما أن حركة الطيران متوقفة والتي تستهلك عادة الوقود ومشتقات البترول، إضافة إلى تعطل أغلب المصانع في الصين، وبالتالي عملية الطلب تبدو ضعيفة نسبيًا وهو ما ينعكس على تحركات الأسعار.

التداعيات تتجه صوب إيقاف الإنتاج ورفع المنصات وتعطيل الحفارات وتقليص رأس المال الموجه لعمليات الاستخراج في أمريكا، بآمال تفادي إفلاس في أفق ينذر بأزمة تفوق مخاطرها الكساد العظيم، بينما تعول دول الخليج على مصدات المخزون النفطي الاستراتيجي، والاحتياطي من العملة الصعبة، لكن إلى أي مدى ستقاوم في ظل جائحة وبائية غير معلوم مداها أو عمقها، والمستقبل معها يبدو قاتمًا.

لماذا الخام الأمريكي؟!

 يتعلق انهيار سعر خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بسببين؛ الأول مؤقت، وهو انتهاء صلاحية عقود نفط تكساس، اليوم الثلاثاء الموافق 21 أبريل الجاري، وبالتالي، لا يرغب المستثمرون في الحصول على خام النفط، ففضلوا بيع العقد بأي سعر قبل انتهاء صلاحيته.

ويعود انهيار عقود مايو إلى أن المستثمرين الذين اشتروا خام تكساس في يناير وفبراير ومارس، لم يجدوا سعة تخزينية له بعد توقف حركة الشراء، فقرروا المضاربة وحرق الأسعار للتخلص من كل العقود الخاصة بمايو.

أما السبب الثاني فهو “مرتبط بأزمة تراجع الطلب وتخمة النفط المعروض في السوق، رغم قرار تحالف “أوبك” خفض المعروض من النفط، بنحو 9.7 ملايين برميل يوميًا.

العدوى تنتقل إلى برنت

وبعد يوم من تحول التعاملات الآجلة للخام الأمريكي تسليم مايو، سلبًا لأول مرة في التاريخ مع تهاوي الطلب بسبب أزمة كورونا، هوى سعر العقود الآجلة للخام الأمريكي وخام برنت للتسليم في يونيو لأقل مستوى في عقدين يوم الثلاثاء الموافق 21 أبريل.

ونزل خام برنت في عقود التسليم بيونيو، المعروفة بعقد شهر أقرب استحقاق، وذلك بعد انتهاء عقود مايو، بأكثر من 30% إلى 17.51 دولارًا للبرميل وهو الأقل منذ نوفمبر 2001.

ونزل عقد يونيو لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 52% إلى 9.74 دولارات للبرميل.

وسجل عقد خام غرب تكساس الوسيط لشهر مايو، وحجم التعاملات عليه أقل كثيرا، -3.99 دولار بعدما هوى يوم 20 أبريل لأقل من الصفر لأول مرة وأغلق على -37.63 دولار للبرميل.

وينتهي التعامل على عقد أقرب استحقاق للخام الأمريكي لشهر مايو في وقت لاحق يوم الثلاثاء مما فاقم الخسائر. ومع وجود فائض في السوق وامتلاء منشآت التخزين وجد حائزو عقد مايو أنفسهم في وضع غير مسبوق إذ يدفعون لمن يشترون الخام.

تحدي التخزين ومخاطر الإفلاس

ومن تداعيات انهيار الأسعار عبر صناعة النفط إيقاف 13% من الحفارات الأمريكية الأسبوع الماضي بسبب عدم جدوى التكاليف في ظل الأسعار الحالية.

بينما توقعت أكبر شركة نرويجية لاستشارات الطاقة rystad energy؛ انخفاض إجمالي النفقات الرأسمالية للشركات الأمريكية 17% بشكل عام ومن المتوقع أن تتقلص خلال عام 2020 بـ 64 مليارًا، بعد أن كانت 107 مليارات في عام 2019، أما بالنسبة للحد الأدنى في 13 عامًا من نفقات الشركات من المتوقع أن يصل إلى 450 مليارًا بعد أن كان 546 في عام 2019.

أما أبرز الشركات الأمريكية التي أعلنت عن خطط  لخفض نفقتها، شركة conocophillips خفض الإنتاج بمقدار 225 ألف برميل يوميًا وخفض الإنفاق المخطط بأكثر من 25% إلى 4.3 مليار دولار، بالإضافة إلى  خفض تكاليف التشغيل إلى 5.3 مليار دولار بنسبة 10%.

اما بالنسبة لشركة exxon Mobil وهي أكبر هذه الشركات، من حيث خفض الإنفاق بنسبة 10 مليارات دولار في 2020، وستتركز في حوض بيرميان الواقع في تكساس ونيو مكسيكو.

كما ستخفض شركة chevron توقعاتها للإنفاق والإنتاج في الحوض البرمي إلى 16 مليار دولار بنسبة 20%، وبيع أصول في أذربيجان وتركيا بـ 1.6 مليار دولار.

وذلك يأتي في ظل التوجه الذي تسلكه إدارة ترامب لزيادة مستوى مخزون النفط الخام لحالات الطوارئ مع هبوط الأسعار.

وتعكف وزارة الطاقة الأمريكية على تأجير مساحات متاحة تكفي حوالي 77 مليون برميل في احتياطي النفط الاستراتيجي لشركات النفط الأمريكية لمساعدة هذه الشركات في أزمة التخزين التجاري مع انهيار الطلب المحلي على الطاقة بسبب تفشي فيروس كورونا.

ويُتوقع امتلاء مركز كوشينح للتخزين في أوكلاهوما بالولايات المتحدة، وهو نقطة تسعير وتسليم خام غرب تكساس الوسيط بأمريكا ومن ثم إلى أي مكان بالعالم، بحلول منتصف مايو المقبل، وهو ما سيرفع التكلفة بشكل كبير بالمقارنة مع أسعار النقل التي وصلت لقرابة الـ200 ألف دولار، وهذا مؤشر على نسبة الهلع السائدة بالأسواق النفطية حاليًا، وتداعي بعض الشركات الأمريكية بالتلويح بمخاطر الإفلاس في الأفق القريب.

ترامب يدرس وقف شحنات النفط السعودي

وتفاعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الانهيار التاريخي الذي شهدته أسعار النفط، واصفًا إياه بأنه قصير الأجل وناجم عن “ضغوط مالية”، مع التلويح بأن إدارته ستدرس وقف شحنات النفط القادمة من السعودية، كإجراء لدعم قطاع التنقيب المحلي المتضرر.

وانهيار الأسعار يهدد بتحويل كفة قطاع النفط الأمريكي الذي كان مزدهرا نحو الإفلاس.

ولوح ترامب إلى أن مجموعة المنتجين العالمية المعروفة باسم أوبك قد تضطر إلى مزيد من التحفيضات، رغم الاتفاق التاريخي على خفض الإنتاج بنحو 9.7 مليون برميل يوميًا، قائلا: “عليهم أن يفعلوا المزيد فيما يتعلق بالسوق.. الأمر مماثل هنا. إذا ظل السوق على حاله سيبطئ الناس أو يتوقفون. سيكون ذلك تلقائيا وهذا يحدث”. ويعتبر قطاع الطاقة ورقة مهمة في لعبة الانتخابات الرئاسية في أمريكا.

تداعيات واسعة المدى بدول الخليج

بيد أنه بعد ساعات على إعلان انهيار أسعار العقود، انخفضت تعاملات سوق “تداول” في السعودية بنسبة 2.1%. ورغم تحقيق السوق بعض المكاسب إلّا أنها لم تخرج من دائرة الخسارة، كما انخفض سهم أرامكو، بـ2%، بينما تراجعت مؤشّرات الأسواق في دبي 3.3%، وأبوظبي 2.7%، وقطر 1.4%، والكويت 2.6%.

فيما دفع التأثير النفسي لانخفاض خام تكساس، دولًا مثل الكويت إلى خفض سعر البرميل الذي تنتجه إلى 16 دولارًا.

نظريًا، تراجع العقود الأخيرة لا يمسّ الخليج بشكل مباشر، بسبب الاختلاف بين السعر في خام برنت الذي يخص النفط المنتج من أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، وبين خام غرب تكساس الوسيط الذي تراجع بشكل كارثي. لكن صناعة النفط العالمية مرتبطة عموماً ببعضها بعضًا، رغم هذا الاختلاف، وهو ما يظهر في تداعي سعر مزيج برنت الذي يضمّ 13 نوعًا نفطيًا عبر العالم، بالانخفاض لأدنى مستوى في 20 عامًا.

واقعيًا، صناعة النفط عبر العالم تسجل تراجعات حادة متلاحقة جراء ما أحدثه فيروس كورونا من شلل شبه كامل بالحركة الاقتصادية، لذلك تحدق مخاوف عدة باقتصادات الخليج قد تدوم على المدى المتوسط، رغم مصدات المقاومة المتمثلة في المخزون الاستراتيجي من العملة الصعبة.

وفي هذا السياق، يشير تقرير لصندوق النقد الدولي أن دول الخليج تنفق أكثر بكثير مما تسمح به أسعار النفط المنخفضة، ما سيؤدي إلى نفاذ الاحتياطي النقدي في غضون 15 عامًا.

من أوجه ذلك نقص الإيرادات وعجز إضافي، ما سيدفع الدول الخليجية إلى تأجيل مشاريعها الضخمة أو إلى إعادة جدولتها على مدار السنوات اللاحقة، وقد تفكر في فرض ضرائب جديدة، لكن نظرًا للتداعيات الخطيرة لجائحة كورونا على الاقتصاد المحلي، فخطوة من هذا القبيل سيتم التريث فيها.

ونتيجة لظروف جائحة كورونا، وتراجع مداخيل السعودية من النفط وكذلك من السياحة الدينية، قامت السعودية قبل أيام بخفض الإنفاق في ميزانيتها الحالية بـ5%، بما يقارب 13.3 مليار دولار.

غير أن هناك ثلاثة عوامل قد تلعب لصالح السعودية في الفترة المقبلة، حسب شتيفان رول، الباحث في المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن  (SWP)، الأول توسيع حصتها في سوق النفط، فمن شأن ذلك أن يؤدي إلى دخل إضافي على المدى المتوسط والطويل، ثانيا أن حصتها من الدين الخارجي لا تزال منخفضة للغاية مقارنة مع دول أخرى وقدرتها على تصدير سندات إضافية، ثالثها أن صندوق الثروة السيادية يمكن أن يحقق أرباحًا عبر استثمارات ذكية في سوق الرأسمال الدولي.

لكن المخاطر تبقى أعلى من الفرص في السعودية؛ الوضع الحالي لو استمر فقد يساهم في أزمة حقيقية في صناعة الطاقة العالمية، ولن تستطيع الدول المصدرة الإنفاق على حقولها الخاصة بالنفط.

الوضع الحالي كان يمكن تجاوزه بيُسر لو لم تحدث جائحة كورونا التي لا يزال العالم يبحث عن طريقة ما لتجاوز تداعياتها، وبالتالي فالحلّ المؤقت الوحيد للدول النفطية لن يخرج عن تخفيض الإنتاج وعن تعاون أكبر، وهذا ما لوحت به المملكة العربية السعودية وروسيا عقب الانهيار التاريخي للخام الأمريكي، بإبداء الرغبة والتعاون في خفض نفطي إضافي لإعادة الاستقرار للأسواق العالمية.