ظاهرة التحرش.. بين إلقاء اللوم على ملابس المرأة والانتصار لحرياتها

عاطف عبداللطيف

كتب – عاطف عبداللطيف

التحرش ظاهرة خطيرة تهدد الأمن الاجتماعي والشخصي خاصة للسيدات، وفي المجتمعات الشرقية ذات الطبيعة المحافظة تحجم الكثير من السيدات والفتيات ومن يتعرضون للتحرش عن إبلاغ الشرطة ما يفاقم المشكلة ويزيد من خطورتها، ولعل البلاغات التي انهالت تتهم الشاب المصري “أحمد بسام زكي” بالتحرش وهتك عرض والتحرش بعشرات الفتيات بينهن فتيات بالجامعات تقرع ناقوس الخطر.

وقفزت قضية أحمد بسام زكي المتهم بالتحرش واغتصاب الفتيات على السطح، بعد تداول مواقع التواصل الاجتماعي لها، أعقبها نجاح الشرطة المصرية في ملاحقة الشاب والقبض عليه، حيث حجزت القضية مساحات كبيرة في وسائل الإعلام ومواقع ومنصات التواصل الاجتماعي.

وخلال الساعات الماضية، ارتفعت الأصوات المطالبة الضحايا بسرعة التوجه للجهات المعنية لتقديم بلاغات ضد المتهم، حتى يتم التحقيق في كل واقعة على حدة. واندلعت الصدامات على مواقع التواصل متطرقة إلى أسباب التحرش فالبعض يلقي باللوم على ملابس النساء كونها محفزًا على التحرش واتجاه آخر يرى أن غض البصر واجب شرعي.

اقتراح جديد

تقدمت النائبة البرلمانية هالة أبوالسعد، وكيل لجنة المشروعات الصغيرة بالنواب المصري، باقتراح برغبة بشأن إصدار قرارًا إداريًا من وزارة الداخلية بقصر تقديم الشكوى بشأن جرائم التحرش وهتك العرض والاغتصاب على وحدات مكافحة العنف ضد المرأة بالأقسام لتشجيع الفتيات المتحرش بهن على الإبلاغ.

وأوضحت وكيل المشروعات الصغيرة، أن جريمة التحرش منظمة وفقًا لنص المادة 306 من قانون العقوبات وما تم عليها من تعديلات، وهي من ضمن الجرائم التي لا يتم تحريك الدعوى فيها إلا بناء على شكوى شفهية أو كتابية من المجني عليه، وبالتالي هذا يعني أنه على الفتاة صاحبة واقعة التحرش أن تذهب إلى أحد أقسام الشرطة، وتقوم بالإدلاء بالوقائع وبشهادتها وبملابسات الموضوع، وأيضًا الاستدلال على الواقعة من خلال إحدى وسائل الإثبات.

وأكملت عضو البرلمان: “أن جزءًا كبيرًا من إحجام الفتيات عن الإبلاغ عن وقائع التحرش يرجع إلى أن من يباشر التحقيقات من الرجال في أقسام الشرطة، وأن الفتيات يخشين التعرض لبعض المواقف المحرجة، ومن هنا وجدنا أنه إذا ما تم إقصار الإبلاغ على وحدات مكافحة العنف ضد المرأة فقط، بما أن هذه الوحدات كلها من الضابطات، فبالتالي سيتم رفع الحرج عن المتحرش بها، فإن هذا القرار سيؤدي إلى إقبال الكثير من الفتيات المتحرش بها للإبلاغ.

ومن أجل حصول كل سيدة تعرضت للتحرش ولا تستطيع ماديا مقاضاة المتحرش، دعم الفنان المصري مصطفى درويش الفتيات اللاتي تعرضن للتحرش في قضية التحرش الأخيرة، والتي أثارت جدلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدا أنه سيتكفل بأتعاب المحاماة الخاصة بأي فتاة لا تستطيع تحمل تكاليف رفع قضية لأخذ حقها.

حملة توعوية إلكترونية

أعلن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف عن إطلاق حملة توعوية إلكترونية يشارك فيها وعاظ وواعظات الأزهر، لمواجهة ظاهرة التحرش التي انتشرت بين فئة تفتقد لمعاني الإنسانية والشهامة والمروءة، وتمثل جريمة مجتمعية تنشر الفوضى والفاحشة في المجتمع وتحول دون تحقيق السلام والأمان النفسي بين الناس، وذلك بعنوان: “التحرش.. جريمة أخلاقية”، وذلك في إطار توجيهات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب – شيخ الأزهر الشريف، بتكثيف الحملات التوعوية التي تواجه الظواهر السلبية في المجتمع وتمنع انتشارها وتقدم الحلول المناسبة للقضاء عليها.

وقال الدكتور نظير عيّاد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن الإسلام حرم التحرش بكل أشكاله وصوره، بل وحرم كل ما يؤدي إليه فقال صلى الله عليه وسلم: “لَا تُتْبِعِ النَّظَرَ النَّظَرَ، فَإِنَّ الْأُولَى لَكَ وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ”، فالتحرش ظاهرة وآفة تنشر الرذيلة في المجتمع وقد تؤدي إلى التناحر وإراقة الدماء نتيجة لارتباطها بالأعراض، كما أنها تتنافى مع الفطرة السوية والبناء المجتمعي القويم.

غض البصر

وكانت دار الإفتاء المصرية، قالت إن إلصاق جريمة التحرش النكراء بقَصْر التُّهْمَة على نوع الملابس وصفتها؛ تبريرٌ واهمٌ لا يَصْدُر إلَّا عن ذوي النفوس المريضة والأهواء الدنيئة؛ فالمسلم مأمورٌ بغضِّ البصر عن المحرَّمات في كل الأحوال والظروف.

وتابعت: الـمُتَحَرِّش الذي أَطْلَق سهام شهوته مُبَرِّرًا لفعله؛ جامعٌ بين منكرين: استراق النظر وخَرْق الخصوصية به، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: “إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ”، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: “فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا”، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: “غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ” (متفق عليه).

المرأة المبتذلة

على النقيض من ذلك، حمل الشيخ حاتم الحويني نجل أبو إسحاق الحويني المرأة جزءًا من مسؤولية التحرش بها بسبب لباسها الذي تخرج به، حيث قال عبر حسابه على موقع التدوينات المصغرة “تويتر”: “راجل حط مليون جنيه في سيارة وتركها مفتوحة، فجاء لص وسرق المال.. مين اللي غلطان.. صاحب السيارة مستهتر ومفرط ولم يكن على قدر المسؤولية.. اللص فعله محرم ولا يوجد له مبرر لا شرعًا ولا عرفًا.. كذلك المتحرش فعله لا يبرره شرع أو عرف مهما كان، لكن المرأة المبتذلة شاركت في هذا بلباسها”.

واتفق معه، الداعية عبدالله رشدي حول ملابس المرأة، قائلًا إنها حين تكون غير محتشمة تكون سببًا من أسباب التحرش الجنسي بها.

وكان بعض الفتيات والسيدات قمن بتدشين صفحة على تطبيق انستجرام تشكين فيها من قيام شخص يدعى (أحمد بسام زكي) باغتصاب البعض منهن وهتك عرض والتحرش جنسيًا بالبعض الآخر. هذا وتتضمن الصفحة التي يتابعها الآلاف من المتابعين رسائل نصية وصوتية خادشة للحياء قام هذا الشاب بإرسالها إلى العديد من الطفلات والفتيات بهدف التهديد والابتزاز.

فيما طالب المستشار رضا محمود السيد، المتحدث باسم نادي القضاة، من وسائل الإعلام والرأي العام عدم الخوض في التحقيقات بشأن قضية تحرش الطالب بالفتيات، موضحًا أن القضية حاليًا في يد النيابة العامة والتي هي أمينة عليها.

وتابع السيد، خلال مداخلة هاتفية لبرنامج الحكاية، تقديم الإعلامي عمرو أديب، أمس الأحد، قائلا: “أرجو من الجميع الالتزام بالصمت حتى ظهور التحقيقات، كما يجب الصمت عن القضية لأنها حاليًا قيد التحقيقات القضائية ولا يجوز الحديث عنها، موضحًا أنها الآن تجري بميزان العدل وليس ميزان فيس بوك”.

وأكمل متحدث نادي القضاة، أن المشهد أصبح عبثيا بسبب الخوض في التحقيقات، كما أن النائب العام يتخذ الاحتياطات اللازمة في إظهار الحقيقة للجميع.

وتصل عقوبة جريمة التحرش طبقًا لنص المادة 306 مكرر من قانون العقوبات للحبس مدة لا تزيد عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد عن عشرين ألف جنيه.