نيويورك تايمز | اللاجئون السوريون في إدلب.. حصار بين النسيان والفقر والعنف!

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

يعاني ملايين السوريين الذين نزحوا خلال الحرب التي استمرت عشر سنوات في سوريا من الفقر وعدم الأمان والاكتظاظ في إحدى المناطق التي تسيطر عليها جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة في شمال غرب البلاد.

ومن بين ملايين السوريين الذين فروا مع قصف الحكومة لبلداتهم ودمرت منازلهم وقتل أحبائهم، هناك 150 عائلة تعيش في ملعب لكرة القدم في مدينة إدلب الشمالية الغربية، تحتمي في خيام متهالكة تحت المدرجات أو في الفناء الصخري.

في تلك المنطقة تشح الوظائف، ويسيطر عليهم الرعب كلما مرت الطائرات فوق رؤوسهم، إذ يمكن أن تُشن عليهم غارات جوية جديدة في أي وقت. بيد أن الخوف من انتقام الحكومة يمنعهم من العودة إلى ديارهم. وهناك أكثر من 1300 مخيم مماثل تنتشر في آخر معاقل سوريا الخاضعة لسيطرة المتمردين، تلك المخيمات تلتهم الأراضي الزراعية، وتمتد على طول قنوات الري، وتملأ الكثير من الأراضي المجاورة للمباني السكنية، حيث تعيش عائلات اللاجئين في وحدات مدمرة بلا نوافذ.

وفي زيارة نادرة لمحافظة إدلب، قابلنا الكثير من الناس أكثرهم مصدومين وفقراء محاصرين في مأزق غامض وعنيف في أغلب الأحيان، وهم عالقون بين سندان جدار يمنعهم من الفرار عبر الحدود مع تركيا ومطرقة حكومة معادية يمكن أن تهاجمهم في أي لحظة، بينما يكافحون لتأمين احتياجاتهم الأساسية في منطقة تسيطر عليها جماعة مسلحة كانت تابعة للقاعدة.

في العشر سنوات الماضية منذ اندلاع الحرب في سوريا، سحقت قوات الرئيس السوري “بشار الأسد” الفصائل والجماعات التي ثارت ضده، وفرّ ملايين الأشخاص إلى حياة جديدة مليئة بعدم الاستقرار، في الدول المجاورة وأوروبا والجيوب السورية خارج سيطرة الأسد، بما في ذلك الشمال الغربي الذي يسيطر عليه المتمردون.

ولأن الرئيس السوري يرى أن هؤلاء الأشخاص لا يوافقن مع مفهومه للنصر، فمن المرجح أن يعود قلة منهم ما دام بقي في السلطة؛ ما يجعل مصير النازحين من أصعب الأمور الشائكة في الحرب المستمرة.

ومن جانبه، تساءل “مارك كاتس”، نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشئون الإنسانية لسوريا: “السؤال هو: ما مستقبل هؤلاء الناس؟” مجيبًا أنهم “لا يمكنهم الاستمرار في العيش إلى الأبد في الحقول الموحلة تحت أشجار الزيتون على جانبي الطريق”.

وطوال فترة الحرب، أصبح الشمال الغربي الذي يسيطر عليه المتمردون وجهة الملاذ الأخير للاجئين السوريين الذين لا يجدون مأوى آخر، والذين نقلتهم الحكومة بالحافلات هنا بعد تدمير مدنهم وبلداتهم، حيث دخلوا في شاحنات مكدسة بالبطانيات والفرش والأطفال، فيما وصل بعضهم سيرًا على الأقدام ومعهم القليل من الأمتعة غير الملابس التي كانوا يرتدونها.

وفي العام الماضي، دفع هجوم شنته الحكومة السورية، المدعومة من روسيا وإيران، إلى نزوح ما يقرب من مليون شخص إلى المنطقة، فيما فر نحو 2.7 مليون من أصل 4.2 مليون شخص من مناطق أخرى من البلاد إلى الشمال الغربي، وهو أحد آخر شريطين من الأراضي التي يسيطر عليها الجماعات المتمردة التي كانت تسيطر في السابق على جزء كبير من سوريا. وقد حوّل هذا النزوح قطاعًا رعويًّا من القرى الزراعية إلى تجمع كثيف من المستوطنات المؤقتة ذات البنية التحتية المتهالكة والأسر النازحة متكدسة في جميع المساحات المتاحة.

ومما يزيد من تعقيد المأزق الدولي بشأن مساعدة إدلب الدور المهيمن لجماعة هيئة تحرير الشام. وهذه الجماعة تحولت من جبهة النصرة، وهي منظمة كانت موالية لتنظيم القاعدة في بداية الحرب، وميزت نفسها باستخدامها الكثيف للعمليات الانتحارية ضد أهداف حكومية ومدنية.

وقد اعتبرت تركيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة هيئة تحرير الشام منظمةً إرهابيةً، رغم أن قادتها استقلوا بأنفسهم علانية عن القاعدة في عام 2016، ومنذ ذلك الحين قللوا من أهمية جذورهم الجهادية. كانت تلك الجهود واضحة في محيط إدلب، حيث غابت الأعلام والشارات والشعارات التي تعلن عن وجود التنظيم، ومع ذلك فإن السكان يشيرون إليها بحذر في كثير من الأحيان باسم “الجماعة التي تسيطر على المنطقة”.

وعلى عكس تنظيم داعش الإرهابي الذي حارب جميع المتمردين والحكومة السورية للسيطرة على مساحة واسعة تمتد عبر الحدود السورية العراقية؛ لا تلح هيئة تحرير الشام على قضية الإنشاء الفوري لدولة إسلامية، كما أنها لا ترسل ضباط شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لفرض قوانين اجتماعية صارمة.

خلال جولة في مواقع الجماعة في الخطوط الأمامية، نقل “أبو خالد الشامي”، المتحدث العسكري باسم الجماعة في المنطقة، المراسلين من على درج ترابي مخبأ في قبو يقود إلى نفق طويل تحت الأرض يؤدي إلى شبكة من الخنادق ومواقع إطلاق النار المليئة بالمقاتلين.

وقال: “النظام في هذا الاتجاه، أما هذا الاتجاه فيقود إلى الروس والميليشيات الإيرانية الموجودة هناك”، مشيرًا عبر الحقول الخضراء إلى المكان الذي حفر فيه أعداء الجماعة خنادقهم. وعندما سئل كيف اختلفت الجماعة عن سابقتها، التي كانت تابعة لتنظيم القاعدة، قال إنها جزء من حركة المعارضة الأوسع التي تسعى للإطاحة بالأسد.

ولإدارة المنطقة، ساعدت هيئة تحرير الشام في تشكيل حكومة الإنقاذ السورية، التي تضم أكثر من خمسة آلاف موظف وعشر وزارات، بما في ذلك العدل والتعليم والزراعة، غير أن هذه الحكومة غير معترف بها دوليًا وتعاني من أجل تلبية الاحتياجات الملحة للمنطقة.

النقاد يرفضون الإدارة باعتبارها واجهة مدنية تسمح لجماعة محظورة بالتعامل مع المنظمات الأجنبية، كما يتهمونها هي وهيئة تحرير الشام باحتجاز النقاد وحظر الأنشطة التي تتعارض مع آرائها الإسلامية المتشددة.

في الشهر الماضي، حثت “رانيا كيسار”، المديرة السورية الأمريكية لمنظمة شاين (SHINE) التعليمية، مجموعة من النساء في إحدى الاحتفاليات في إدلب على رفض تعدد الزوجات، المسموح به في الشريعة الإسلامية، وفي اليوم التالي أغلق مسلحون مكتب شاين وهددوا بسجن مديره، وفق ما صرحت به “رانيا كيسار”.

وأكد الناطق باسم الإدارة “ملحم الأحمد” أن المكتب أُغلق “حتى إشعار آخر” بعد أن اعتبر كلام كيسار “إهانة للمشاعر والأخلاق العامة”. وقال المتحدث باسم هيئة تحرير الشام إن منظمات الإغاثة والإعلام لها مطلق الحرية في العمل داخل “إطار ثوري” يحترم الأعراف ولا يتجاوز المسموح به، كما أدى تقدم القوات الحكومية العام الماضي إلى زيادة الضغط على الخدمات المتردية بالفعل في إدلب.

ومنذ العام الماضي، أوقف وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا القتال المباشر في إدلب، إلا أنه في يوم واحد الشهر الماضي، كانت هناك ثلاث هجمات، وسقطت قذيفة على مخيم للاجئين، فيما أشعلت غارة جوية مستودعًا للوقود على الحدود التركية؛ بينما أصابت ثلاث قذائف مدفعية مشفى قروي في الأتارب، ما أسفر عن مقتل سبعة مرضى، بينهم طفل يتيم، بحسب الجمعية الطبية السورية الأمريكية التي تدعم المشفى.

وبينما يكافح النازحون في المنطقة للبقاء على قيد الحياة، يحاول الآخرون توفير المتعة البسيطة، ففي مدينة إدلب، يغري أحد المطاعم زبائنه بتناول السلطات واللحوم المشوية، ونسيان همومهم بألعاب الفيديو والسيارات والهوكي الهوائي وغيرها من الألعاب.

ويستخدم المخزن في الطابق السفلي كمأوى عندما تقصف الحكومة المنطقة، ويحيطون الشرفة بأغطية بلاستيكية بدلًا من الزجاج بحيث لا تتحطم على رواد المطعم إذا ما انفجرت قذيفة  بالقرب من المكان.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا