آسيا تايمز | لمنع صدام القوى العظمى.. الآسيان بحاجة إلى تأكيد وجودها

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

يهدد تصعيد المنافسة الأمريكية الصينية للسيطرة على بحر الصين الجنوبي السلام والاستقرار ورفاهية شعوب المنطقة. وربما لا يكون الصدام العسكري بين الصين والولايات المتحدة في ذلك البحر لا مفر منه، ولكن من المرجح أن يحدث بشكل متزايد.

إن الخطر واضح وحاضر، ومن الضروري أن تسيطر حكومات المنطقة على الوضع لتجنب صراع القوى الكبرى الذي من شأنه أن ينجم عنه أضرار جانبية ضخمة على هذه الدول. ستُعقد قمة الآسيان الثامنة والثلاثون والقمم المرتبطة بها في الفترة من 26 إلى 28 أكتوبر في بروناي، تليها قمة شرق آسيا في نوفمبر، وربما تكون الفرصة الأخيرة لرابطة دول جنوب شرق آسيا كمنظمة لتأكيد نفسها وتجنب صدام القوى العظمى في بحر الصين الجنوبي.

تحتاج الآسيان إلى العودة إلى الأساسيات وبث حياة جديدة في إعلان عام 1971 لمنطقة السلام والحرية والحياد، ومعاهدة آسيان للصداقة والتعاون لعام 1976 في جنوب شرق آسيا (معاهدة بالي)، وإعلان جنوب شرق آسيا منطقة خالية من الأسلحة النووية عام 1995، (معاهدة بانكوك).

ويعدّ بحر الصين الجنوبي أحد أكثر المناطق خطورة في احتمال حدوث صراع بين القوى العظمى. وهذا ليس تخمينًا أو مبالغة، فقد كانت بكين شديدة القلق إزاء استعراضات القوة الأمريكية هناك لدرجة أن رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الجنرال “مارك مايلي”، شعر أنه يتعين عليه طمأنة الصين بأن الولايات المتحدة لا تخطط لمهاجمتها.

وأدت الشراكات الأمنية المناهضة للصين بقيادة الولايات المتحدة، سواء الحوار الأمني الرباعي (الرباعية) والآن أوكوس، إلى تعقيد الموقف وزادت من احتمال حدوث صدام بين الولايات المتحدة والصين في بحر الصين الجنوبي، وتهدف هذه التحركات الاستراتيجية في السياسة الواقعية إلى مواجهة ما تعتبره واشنطن “تهديد الصين” لهيمنتها في آسيا، ومن المرجح أن يجعل رد فعل الصين الوضع أكثر خطورة.

وقد اتخذت الولايات المتحدة وشركاؤها هذه الإجراءات جزئيًّا؛ لأن الآسيان كانت غير فعالة في التعامل مع قضايا الأمن الإقليمي مثل نزاع بحر الصين الجنوبي؛ لذلك قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بالالتفاف عليها لتشكيل هذه الاتفاقيات. ونتيجة لذلك، أُضْعِفَت رابطة دول جنوب شرق آسيا وانقسمت.

المعاهدات تحتاج إلى تأكيد

في عام 1971، أعاد الأعضاء المؤسسون لرابطة أمم جنوب شرق آسيا – إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند – التأكيد على رؤيتهم للمنطقة من خلال إعلان “منطقة السلام والحرية والحياد” وكررت ديباجتها بأن أحد أسباب تأسيس الآسيان: الحفاظ على المنطقة “خالية من أي شكل أو أسلوب للتدخل من قبل القوى الخارجية”، حيث كان القصد منه منع صراع القوى الكبرى في منطقتهم.

وبناءً على إعلان “منطقة السلام والحرية والحياد”، فقد تفاوض أعضاء الآسيان في عام 1976 على معاهدة بالي، التي تعزز “السلام الدائم والصداقة الدائمة والتعاون بين شعوب جنوب شرق آسيا”. وانضمت إليه جميع الجهات الخارجية الكبرى بما في ذلك الصين. وفي الواقع، كان هذا هو الشرط الضمني لدعوتهم إلى منتديات الأمن الإقليمية الرئيسية لرابطة أمم جنوب شرق آسيا مثل المنتدى الإقليمي لرابطة أمم جنوب شرق آسيا، وقمة شرق آسيا، واجتماعات رابطة أمم جنوب شرق آسيا.

كانت رابطة دول جنوب شرق آسيا تحاول أن تُسمِعَ صوتها، ولكن دون جدوى وبلا فائدة! ففي يونيو 2020، عندما شجب وزير الخارجية الأمريكي آنذاك “مايك بومبيو” الصين بسبب سياساتها وإجراءاتها العدوانية في بحر الصين الجنوبي، رد وزراء خارجية الآسيان بتكرار تأكيدهم على الحفاظ على جنوب شرق آسيا “كمنطقة سلام وأمن وحياد واستقرار”، ودعا جميع الدول إلى “ممارسة ضبط النفس في إدارة الأنشطة التي من شأنها أن تعقد النزاعات أو تعمل على تصعيدها”.

كما دعوا الأطراف أيضًا إلى الامتناع عن التهديد بالقوة أو استخدامها وحل الخلافات والنزاعات بالوسائل السلمية.

وقد أكد بيان صادر عن رابطة أمم جنوب شرق آسيا بناءً على طلب من إندونيسيا مجددًا على “أهمية التمسك بمقاصد ومبادئ معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا، وإعلان منطقة السلام والحرية والحياد، وإعلان قمة شرق آسيا بشأن مبادئ العلاقات ذات المنفعة المتبادلة”.

وهذه التصريحات التي أصدرتها رابطة الآسيان صريحة وواضحة، ولكنها لا تكفي لكبح جماح الولايات المتحدة والصين.

في الواقع، لم تلق مثل هذه المناشدات آذاناً صاغية، فقد أعاد وزير الخارجية الأمريكي الحالي، “أنتوني بلينكين”، التأكيد على تصريح سلفه [بومبيو] كسياسة، وبهذا يتم تجاهل تفضيلات رابطة الآسيان بكل صراحة.

حان الوقت لأن تصبح أقوى وأشد

ولحماية دولها وشعوبها من تداعيات صراع القوى العظمى في منطقتها، يتعين على رابطة دول جنوب شرق آسيا أو جزء كبير من أعضائها أن تتصرف بردود وحماسة وصراحة غير معهودة. ويجب أن تزيد من نبرة صوتها “الموحد” ومضمونه ونبرته، في تحذيرها للصين والولايات المتحدة لإظهار المزيد من ضبط النفس الدبلوماسي والعسكري. ويجب أن تعلن بشكل لا لبس فيه أنها تعارض كل من المواقف العسكرية الأمريكية والصينية في بحر الصين الجنوبي.

في الواقع، تحتاج دول رابطة الآسيان إلى الضغط على شركائها الذين تعهدوا بتعزيز السلام– تلك القوى الخارجية التي انضمت إلى معاهدة بالي. وأحد الاحتمالات هو أن تقوم مجموعة من الأعضاء الأساسيين بتوجيه نداء عام متعدد الأطراف إلى كل من الولايات المتحدة والصين لوقف صراعاتهما.

ويمكن لرابطة أمم جنوب شرق آسيا أو جزء منها أن تطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة حل تناقض جوهري في مبادئها التوجيهية بشأن المناطق الخالية من الأسلحة النووية. فهي تسمح للدول الأطراف في منطقة خالية من الأسلحة النووية بأن تقرر بنفسها ما إذا كانت ستسمح بتواجد السفن والطائرات الأجنبية في موانئها ومطاراتها، والسماح بعبور للطائرات الأجنبية مجالها الجوي، والملاحة بواسطة السفن الأجنبية داخل أراضيها أو فوق مياهها البحرية أو مياهها الأرخبيلية أو مضائقها المستخدمة في الملاحة الدولية.

وهذا تناقض جوهري مع مفهوم وهدف المناطق الخالية من الأسلحة النووية ويجعلها غير فعالة، ومجرد إثارة القضية قد يدفع الولايات المتحدة والصين إلى التوقف، وهو ما قد يوفر فرصة لإحلال السلام في المنطقة. وقد تبدو هذه الاقتراحات غير واقعية، ولكن إذا لم تفعل رابطة الآسيان أو أعضاؤها شيئًا، فمن غير الواقعي أيضًا الاعتقاد بأن يستمر السلام والاستقرار في المنطقة، ومن ثَمَّ يجب أن تحاول الرابطة ذلك بجد وسرعة.

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا