محلل سياسي روسي لـ«رؤية»: موسكو قادرة على تحقيق الانتصار على جبهات متعددة

آية سيد
دينيس كوركودينوف-روسيا

أجرت "شبكة رؤية الإخبارية" حوارًا مع المحلل السياسي الروسي، دينيس كوركودينوف، لإلقاء الضوء على التطورات الأخيرة وأهداف روسيا في هذه المرحلة من الحرب. فماذا قال؟


بعد مرور أكثر من 120 يومًا على الحرب الروسية الأوكرانية أشارت تقارير دولية، نشرت أمس السبت 25 يونيو 2022، إلى استحواذ القوات الروسية بنحو كامل على مدينة سفرودونيتسك، مع فتح الباب على مصراعيه لاحتمالات أن تشهد كراماتورسك المواجهة القادمة.

وللوقوف على آخر التطورات، أجرت “شبكة رؤية الإخبارية”، عبر  تطبيق واتساب، حوارًا مع رئيس المركز الدولي للتحليل السياسي والتنبؤ بموسكو، دينيس كوركودينوف. لمعرفة أهداف روسيا في هذه المرحلة من الحرب، وموقفها من انضمام فنلندا والسويد إلى (الناتو)، وغيرها من التساؤلات.

ما أهداف روسيا في هذه المرحلة من الحرب؟

رأى محللون أن الحرب وصلت إلى مرحلة حاسمة، قد تحدد نتيجة الصراع. في هذا الشأن، قال كوركودينوف إن هدف “الحملة العسكرية الروسية” التي بدأت في 24 فبراير لم يتغير، وهو يتمثل في “حماية سكان إقليم دونباس، الذين تعرضوا لإبادة جماعية على يد “نظام كييف” على مدار الـ8 سنوات الماضية”. وذكر أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، شدد مرارًا على هذا الهدف خلال خطبه للجماهير الروسية والدولية.

وعلى الصعيد العسكري، قال كوركودينوف إن خطة روسيا هي “نزع السلاح من مناطق زاباروجيا، وخيرسون وخاركيف في أوكرانيا، وهي مناطق مهمة استراتيجيًّا للضغط على كييف”. وأوضح أن ما يعيق التحقيق السريع لهذه الأهداف هي العقوبات الدولية المفروضة على موسكو.

ولفت إلى أن الكرملين لم يفكر مطلقًا في تنفيذ هجوم خاطف، وهو ما يرتبط بطريقة أو بأخرى بالدمار الهائل وخسارة الأرواح. وأوضح أن روسيا “مستعدة لمتابعة حملتها العسكرية بتأنٍّ لتقلل المخاطر التي يتعرض لها الجنود الروس. فروسيا لا تحتاج إلى شبه انتصار، وإنما تحتاج إلى انتصار كامل. وكي تحققه ستحتاج من 6 إلى 12 شهرًا آخرين على الأقل”.

هل ستتقدم روسيا نحو كييف؟

يخشى البعض من أن موسكو إذا حققت الانتصار في دونباس، ربما تتقدم نحو كييف. لكن كوركودينوف رأى أنه إذا ركز “نظام كييف” مجموعة القتال الرئيسة على أراضي العاصمة الأوكرانية، التي سيشن منها ضربات مكثفة ضد المواقع الروسية، ربما تشن موسكو حينها عملية عسكرية للاستيلاء على كييف.

وفي هذه الحالة، بحسب كوركودينوف، ينبغي أن يفكر المرء في استراتيجية الحرب لـ”كارل كلاوزفيتز” التي تفيد بأن الحرب تنتهي عندما تدخل القوات عاصمة العدو. واستشهد كوركودينوف بدخول الجيش الروسي برلين، عاصمة ألمانيا النازية، خلال الحرب العالمية الثانية. لذلك، قال إنه في هذه الحالة “لا يمكن استبعاد دخول موسكو أراضي العاصمة كييف”.

ماذا عنانضمام فنلندا والسويد إلى “الناتو”؟

تقدمت فنلندا والسويد رسميًّا بطلب للحصول على عضوية الناتو في 20 مايو 2022، رغم تحذير بوتين من عواقب توسع “الناتو”. وفي ما يتعلق بموقف روسيا من انضمام الدولتين إلى الناتو، قال كوركودينوف: “إن رد فعل روسيا على انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو سيكون متكافئًا مع وجود حلف الناتو في الدولتين ونوع الأسلحة التي ستُنشر هناك”.

موضحًا أن هذا هو ما أعلنته رسميًّا رئيسة مجلس الاتحاد الروسي، فالنتينا ماتفيينكو، في 19 مايو. وتابع أنه من وجهة نظر المحللين العسكريين، فإن “تكافؤ رد الفعل الروسي يعني أن موسكو قد تركز مجموعات قتالية في المنطقة المتاخمة لحدود السويد وفنلندا، وهو ما قد يخلق بدوره ذريعة لشن عملية عسكرية خارج الحدود الإقليمية لنزع سلاح الدولتين”.

هل استخدمت روسيا الغذاء كسلاح حرب؟

تواجه روسيا اتهامات باستخدام الغذاء كسلاح حرب، خاصةً بعد أن باءت جهود الأمم المتحدة لإخراج الحبوب الأوكرانية عبر ميناء أوديسا، وبمساعدة تركيا، بالفشل. إلا أن كوركودينوف نفى هذا الاتهام، موضحًا أن “روسيا لا تستخدم أبدًا الغذاء كسلاح حرب، لأسباب إنسانية بحتة”. وأضاف أن بوتين شدد مرارًا في الساحة الدولية على استعداده لتسهيل تصدير الحبوب الأوكرانية إلى دول الاتحاد الأوروبي.

وبيّن كوركودينوف، أن “نظام كييف” يرفض هذا. وأشار إلى أن الجيش الأوكراني “قطع ودمر معظم طرق النقل التي يمكن نقل الغذاء من خلالها لإبقاء المدنيين أحياء”. وقال: “الآن، تستخدم كييف الحبوب كسلاح حرب، بينما تحاول روسيا إعادة بناء سلاسل النقل التي مزقتها الحرب، لأغراض إنسانية”.

هل تأثرت علاقات روسيا بالشرق الأوسط؟

وصلت تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية إلى العالم بأسره، وتأثرت بها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بوجه خاص. وعند سؤاله ما إذا كان هذا سيؤثر في علاقات روسيا بالمنطقة، أجاب كوركودينوف: “لا تزال دول المنطقة تعتبر روسيا الشريك الاستراتيجي الرئيس، بغض النظر عن مسار الصراع الروسي الأوكراني. وفي هذا الصدد، من المستبعد أن تتدهور العلاقات مع موسكو”.

لماذا أبقت موسكو قواتها في سوريا؟

رغم حربها في أوكرانيا، لم تسحب روسيا قواتها من سوريا ولم توقف عملياتها هناك. وعن السبب وراء ذلك، قال كوركودينوف إن “موسكو لا تزال تعتبر سوريا قاعدة رئيسة في الشرق الأوسط. وبخسارة سوريا، تخاطر موسكو بخسارة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للأبد”.

وتابع: إن “روسيا لديها التزامات شخصية تجاه الرئيس السوري، بشار الأسد، والشعب السوري. لن نخون أصدقاءنا العرب أو نعرضهم لتهديد الهجمات من دول أخرى”

ما دور الأكراد في أوكرانيا؟

قال كوركودينوف إن أعضاء الشتات الكردي بأوكرانيا نظموا قناة لإمداد الأسلحة، التي تشمل منظومات أوروبية مضادة للدبابات. وأوضح أن ما يؤكد وجود أعضاء نشطين من الشتات الكردي هو “وجود منشورات حول الأنشطة العامة لجمعية المنظمات العامة الكردية (ميديا)، ورئيس هذه الجمعية هو جورجي حسنوف، وأعضاؤها بوريس ختشويان، وعبدالوهاب درويش”.

وأردف: “تعمل مجموعة من المسلحين الذين قاتلوا ضمن وحدات حماية الشعب الكردية YPG على أراضي أوكرانيا، والتي تحل مشكلة شراء الأسلحة سرًّا للأكراد”. موضحًا أن أحد الأدلة على وجود رابط هو اعتقال القوات المسلحة الروسية لآيدين أسلين في ماريوبول.

ووفق كوركودينوف: “وصل أسلين إلى سوريا في إبريل 2015، وأمضى حوالي 10 شهور في صفوف وحدات حماية الشعب. ثم عاد إلى بريطانيا في 3 فبراير 2016 وجرى اعتقاله فور وصوله. ولاحقًا جرت تبرئته وعاد إلى سوريا أواخر 2016 للخدمة مرة ثانية في وحدات حماية الشعب”.  وتابع: “بحسب بعض التقارير، توجد جالية كردية مستقرة في أوديسا. وبالتالي توجد فرص لنقل الأسلحة عبر مولدوفا ورومانيا”.

ما تأثير العقوبات الدولية في الاقتصاد الروسي؟

رأى كوركودينوف أن العقوبات الدولية كان لها تأثير سلبي كبير في الاقتصاد الروسي، موضحًا أن مستوى التضخم الحقيقي في روسيا بلغ أكثر من 300% لمعظم السلع الأساسية، وانخفضت الدخول الحقيقية للسكان بحوالي 2 إلى 2.5 مرة، مشيرًا إلى أن روسيا استطاعت سريعًا التركيز على الأسواق الآسيوية والعربية التي تسمح لها بتعويض الخسائر التي تكبدتها في الاتجاهين الأوروبي والأمريكي.

وإضافة إلى هذا، لفت كوركودينوف إلى خبرة المواطنين الروس الهائلة في النجاة وسط الظروف الكارثية، قائلًا: “لقد نجونا من الحربين العالميتين الأولى والثانية، والمجاعة والقمع، وسوف ننجو أيضًا من المرحلة الجديدة من العقوبات الدولية. سوف ننجو”.

هل تستطيع روسيا القتال على ؟بهات متعددة

في السنوات الأخيرة، وسّعت روسيا انتشارها في مناطق مختلفة من العالم، مثل ليبيا وسوريا والسودان ومالي وموزمبيق وجمهورية إفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو. وحول قدرة روسيا على القتال على جبهات متعددة في وقت واحد، قال كوركودينوف: “روسيا لديها إمكانات استراتيجية هائلة، فبلادنا (روسيا) قادرة على النجاة مع إلحاق الهزائم بالدول الأخرى في يوم واحد”.

وتابع بفضل هذه الفرصة، تستطيع موسكو الحفاظ على قواعدها العسكرية بحرية في مناطق مختلفة من العالم في حالة دفاعية، ويمكن أن تستمر هذه الحالة لفترة طويلة.

هل قامت موسكو بتسليح الميليشيات في إفريقيا؟

في ظل تواجد روسيا في منطقة الساحل وإفريقيا جنوب الصحراء، تواجه اتهامات بتسليح القبائل ومحاولة تكوين ميليشيات موالية لها، خاصةً في مالي وتشاد.

وردًّا على هذا، قال كوركودينوف وفق الإعلام الفرنسي، بداية من ديسمبر 2021، صعّدت روسيا تواجدها العسكري في مالي. وعلى وجه التحديد سُجل هذا النشاط في العاصمة المالية، باماكو، وكذلك أيضًا في وسط البلاد، وعلى الحدود مع بوركينا فاسو، وفي تمبكتو. ويُزعم أن مجموعة فاجنر هي من تعزز التواجد الروسي هناك”.

وأوضح أن بوتين أقر بوجود تنظيمات عسكرية روسية خاصة تعمل في مالي، لكنه نفى أن الكرملين له دور في أنشطتها هناك. وفي مايو أقر وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، بوجود مجموعة فاجنر في مالي “لأسباب تجارية” بحتة. ورغم هذه الاعترافات تواصل الحكومة الانتقالية في مالي، بقيادة قادة انقلاب أغسطس 2020، نفي وجود قوات فاجنر. وعليه فلا توجد أدلة موضوعية على أن موسكو تدعم أي جماعات مسلحة في مالي.

ماذا عن علاقات روسيا بالهند؟

تحافظ روسيا والهند على علاقات استراتيجية منذ عصر الاتحاد السوفيتي. لكن منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، يضغط الغرب على الهند لتتخلى عن حيادها وتتخذ موقفًا متشددًا تجاه روسيا.

وعن إمكانية استسلام الهند للمطالب الغربية، قال كوركودينوف: “في ما يخص تنظيم زيارة الدالاي لاما إلى التشيك، الذي كان من المفترض أن يزور براج من 3- 9 يوليو 2022، لأغراض مناهضة للصين، رفضت الحكومة الهندية الامتثال للإنذار النهائي للغرب، بعدم السماح للدالاي لاما بالسفر إلى العاصمة التشيكية”.

وأوضح أن هذا يشير إلى أن نيودلهي لا تزال تمتلك القدرة على مقاومة الإملاءات الغربية. لكنه رأى أن موقف القيادة الهندية في حالة روسيا “لا يزال غامضًا، فنيودلهي لا تستطيع التأكيد على ولائها لموسكو، وتحاول الحفاظ على حياد نسبي، وهو ما لا يلبي مصالح روسيا دائمًا”.

ربما يعجبك أيضا