دراسة جديدة لـ«تريندز».. الخيار العسكري للتعامل مع النووي الإيراني في ظل نظرية المباريات

ولاء عدلان

رؤية

أبوظبي – نشر مركز “تريندز للبحوث والاستشارات”، اليوم (الأحد) الموافق 26 ديسمبر 2021، ورقة بحثية جديدة  تتمحور حول إمكانية اللجوء إلى الخيار العسكري من عدمه للتعامل مع الملف النووي الإيراني، باعتباره واحدا من أكثر التحديات التي تواجه المنطقة والعالم كله.

يقول الباحث بمركز “تريندز” الدكتور محمد أبوغزله – في الورقة المنشورة تحت عنوان “الخيار العسكري للتعامل مع الملف النووي الإيراني في ظل نظرية المباريات”- إن البرنامج النووي الإيراني الذي يجري التفاوض لإحياء الاتفاق بشأنه يثير قلقاً إقليمياً وعالميا، فمع تعثر المفاوضات وعدم التوصل إلى حل نهائي، حيث تصر إيران على رفع العقوبات كلها وتطالب بتعهد أمريكي بعدم الانسحاب من الاتفاق مجددا، بينما تصرّ واشنطن على عودة متزامنة، ورفع تدريجي للعقوبات، تبدو خيارات الدول المعنية بالملف، مفتوحة على الاحتمالات كلها.

ويضيف: لطالما كان الخيار العسكري مطروحاً من قِبل واشنطن لاسيما خلال إدارة ترامب بينما لا تستبعده إدارة بايدن إذا فشلت المفاوضات، ولكن هذا الخيار مطروح بقوة من قِبل إسرائيل؛ ولا يكاد يمر يوماً لا نسمع فيه تصريحاً إسرائيلياً عن الاستعداد له؛ وبما أن مثل هذا الخيار أمر غير متوقع من دون موافقة أو حتى مشاركة أمريكية، فإن ما نقلته صحيفة “يجيروزاليم بوست”، السبت 11 ديسمبر عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي بأن الأمريكيين لم يعبروا عن معارضتهم للاستعدادات الإسرائيلية لهجوم ضد إيران، يثير الكثير من التساؤلات حول هذا الخيار.

ويتابع: السؤال المثار هنا ذو شقين: الأول ما مدى احتمالية هجوم إسرائيلي أو أمريكي على المنشآت النووية الإيرانية إذا فشلت المفاوضات، حيث يتوقع ألا تسمح هذه الدول والغرب عموماً لإيران بامتلاك سلاح نووي، والثاني، ما ردّ إيران على مثل هذا الهجوم، حيث يتوقع أن يلقي عمل من هذا القبيل ردود أفعال منها أيضاً، وهذا العامل سيكون الأكثر حسماً في اتخاذ قرار استخدام القوة العسكرية من عدمه.

ويستطرد: هنا نحن أمام معادلة صعبة تمثل في الواقع معضلة أمنية للأطراف كلها؛ وليس من السهل حلها، لكن يمكن لنظرية المباريات أن تقدم لنا تصوراً أكثر وضوحاً للخيارات المتاحة للأطراف كافة، فالتفاعل القائم بين أمريكا وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى يمكن تصنيفه على أنه يشكل مباراة.

واستعرض الباحث – خلال الورقة البحثية- مفهوم نظرية المباريات أو اللعبة وكيفية استخدامها في العلاقات الدولية لبيان إمكانية التعاون وكذلك احتمالية الصراع بين الأطراف المعنية، موضحا أنه في ضوء نظرية المباريات يمكن تقييم تفضيلات اللاعبين من خلال أفكارهم ورغباتهم والتي تدفعهم إلى التعاون، وليس بالضرورة دائماً قوتهم وقدراتهم، من هنا، لا تتطلب نماذج نظرية الألعاب أن يتم تصوير جميع الحالات على أن الانانية هي ما يحركها، فقد تتصرف الدول بإيثار -سواء كانت مضطرة إلى ذلك أم لا- حيث يتطلب تحقيق مصالح الدولة مراعاة مصالح الدولة أو الدول الأخرى، وهذا ما يوصلنا إلى حالة محورية في المباريات تتمثل في “توازن ناش” الذي تقوم فكرته على أن “صانع القرار” عليه أن يسأل عما سيفعله اللاعب المقابل مع الأخذ في الاعتبار ما يتوقع أن يفعله الآخرون.

ويرى أبوغزله أن خلاف إيران مع الغرب عموماً والولايات المتحدة ومعها إسرائيل على وجه التحديد حول برنامجها النووي حالة مثالية لاختبار نظرية المباريات؛ ومجال الاختبار هنا هو الخيار العسكري، وباستخدام هذه النظرية، نحن نفترض أن واشنطن وإسرائيل تمثلان طرفاً واحدا هو “الطرف الأول”، بحكم أنه من سيقوم بالخيار العسكري، بينما تمثل إيران الطرف الثاني.

ويفترض الباحث أن الطرف الأول يعرف أن إيران تسعى أو ترغب في امتلاك سلاح نووي، ولكن لأسباب سياسية يخشى القيام بأي تحرك عسكري ما لم تكن إيران قريبة للغاية من إنتاج سلاح فعلي، وإيران بالمقابل تدرك أن واشنطن ومن ورائها الغرب لا يرغبون في مثل هذا الخيار ولكن إلى حد معين وهو ضمان أنها ما تزال بعيدة عن عتبة السلاح النووي.

وأَضاف: في ضوء صعوبة معرفة ما تفكر فيه القيادة الإيرانية بالضبط، فإن التحليل باستخدام نماذج نظرية اللعبة يساعد على فهم خيارات كلا الطرفين، وسنختار هنا أبسط نموذج ممكن على المستوى الاستراتيجي وهو لعبة 2 × 2، هذا يعني أن علينا أن نفترض أن إيران لديها خياران: مواصلة برنامجها النووي، أو وقف البرنامج؛ ولدى أمريكا وإسرائيل خياران: استخدام القوة العسكرية أو الإحجام عن القيام بذلك.

الشكل 1 1
الفواعل والاستراتيجيات الممكنة فيما يتعلق بالخيار العسكري

ويرى الباحث أن الحل الأكثر فعالية لهذا النموذج هو تعاون كلا اللاعبين؛ إذ يجب على كلا الطرفين الابتعاد عن المنافسة، نظراً لأن محصلتها وفقاً لفرضيات المباريات ستكون صفر، حيث يفوز أحد اللاعبين فقط عندما يخسر الآخر.

وتخلص الورقة البحثية إلى أن الواقع الحالي لا يسمح لأي من الفاعلين بتعظيم مكاسبه، على حساب الطرف الآخر وإلا ستكون النتيجة كارثية على الجميع، لذا لا بد من التفكير في سيناريو مربح للأطراف كلها، وهذا يعني تنازلات محسوبة، وهي لا تبدو ممكنة من قِبل إيران ما لم يكن هناك حوافز قوية وأهمها رفع العقوبات التي فرضت بعد عام 2018 أو ربما معظمها مع تعويضات، مقابل أن توقف إيران برنامجها النووي؛ فهذه هي النتيجة التي يمكن الوصول إليها في “توازن ناش”، ومن ثم تحقيق المكاسب المطلقة من التعاون وفقاً للمنظور الليبرالي الجديد، حيث تبدو المكاسب النسبية  التي يركز عليها الواقعيون الجدد أمراً غير ممكنا فضلاً عن كونه محفوفاً بالمخاطر إذا أصرت الأطراف كافة أو أحدها عليه.

ربما يعجبك أيضا