الحرب أكثر ما يقلق أوكرانيا مع تشغيل «نورد ستريم 2»

سهام عيد

رؤية

كييف – لطالما رأى معارضو أحدث خط أنابيب لـ”الغاز الطبيعي الروسي” الممتد إلى الاتحاد الأوروبي في المشروع تهديداً لاقتصاد أوكرانيا وأمنها. لكن المخاطر تغيرت خلال الوقت الذي استغرقه استكمال “نورد ستريم 2”.

يمتد الخط تحت سطح البحر بطول 1200 كيلومتر من روسيا إلى ألمانيا، ويعد مثيراً للجدل لأنه قد يسمح لعملاق الغاز الروسي “غازبروم” بتحويل صادراته من الغاز إلى أوروبا والتي تمر بأوكرانيا، بشكل لا تمر فيه عبر أوكرانيا، ما من شأنه أن يبطل شبكة النقل الضخمة التي كانت في الماضي تزود أوكرانيا بمليارات الدولارات من إيرادات الميزانية، وتحميها من ابتزاز محتمل للطاقة، وفقا لوكالة بلومبرج، اليوم السبت.

مع ذلك، فقد تراجع اعتماد أوكرانيا على الغاز الروسي منذ أن بدأ التخطيط لخط الأنابيب هذا قبل أكثر من عقد، ما يحد من النفوذ الذي ربما كان الكرملين يأمل في اكتسابه على جارته مع استمرار القتال بين القوات الحكومية الأوكرانية والمتمردين المدعومين من موسكو.

أوكرانيا، تلك الدولة التي استهلكت 66 مليار متر مكعب من الغاز في عام 2008 -أي أكثر من فرنسا، ذات الاقتصاد الأكبر بكثير- استخدمت 31 مليار متر مكعب في عام 2020. وانخفضت الحصة التي تشتريها مباشرة من روسيا إلى الصفر من 80%.

يقول يوري فيترينكو، الرئيس التنفيذي لشركة الغاز الأوكرانية المملوكة للدولة “نفتوغاز” (Naftogaz Ukrainy): “من ناحية أمن الطاقة، التهديد بات أقل. ومن ناحية الأمن الاقتصادي، بات التهديد أقل”.

لا شيء من هذا جعل “نورد ستريم 2” أقل إثارة للقلق بالنسبة إلى كييف. إذ اتهم السياسيون حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحجب الغاز عن الأسواق الأوروبية وسط ارتفاع الأسعار، وذلك للضغط على الجهات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي للسماح بسرعة ببدء تشغيل خط الأنابيب الجديد.

من جانبها قالت وكالة الطاقة الدولية يوم الثلاثاء إن روسيا “يمكنها أن تفعل المزيد” لتزويد أوروبا، على الرغم من أنها تفي بالتزاماتها التعاقدية. لكن موسكو نفت يوم الأربعاء مزاعم التلاعب ووصفتها بأنها “هراء”. ومن غير الواضح مقدار الطاقة الإنتاجية الإضافية التي يمكن أن تنشرها شركة “غازبروم” الآن.

يقول فيترينكو: إن القلق الأكبر يتمثل في الرسالة المروعة لاتفاقية يوليو الأمريكية الألمانية –التي أنهت المعارضة الأمريكية لـ”نورد ستريم 2″– والتي أرسلت للأوكرانيين إشارات حول حدود الالتزام الغربي بالدفاع عنهم.

ويشرح فيترينكو: “إن ذلك يزيد من مخاطر اندلاع حرب واسعة النطاق”. ويرى أنه “يزعزع استقرار الوضع السياسي، لأن القوى المعادية للغرب ستستخدمه في دعايتها الإعلامية قائلةً: انظروا، الغرب لا يعطيكم أي شيء، إنه فاسد وكل شيء سيء– وهنا تكمن المخاطر”.

كان رئيس قطاع الغاز الأوكراني يتحدث على هامش مؤتمر “استراتيجية يالطا الأوروبية” (YES) السنوي الذي انعقد في كييف، حيث طغى على الحدث انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، والرسالة التي بعثها ذلك إلى الحلفاء حول موثوقية واشنطن. وكانت الولايات المتحدة قد عارضت بقوة مشروع “نورد ستريم 2″، وفرضت عقوبات تستهدف بناءه، إلى أن توصلت إلى اتفاق مع ألمانيا.

كررت رسالة مفتوحة الشهر الماضي من الإصلاحيين الأوكرانيين، برئاسة المشرعة السابقة البارزة سفيتلانا زاليشوك، المزاعم بأن حاجة روسيا إلى حماية شبكة النقل التي تعتمد عليها صادراتها من الغاز كانت قد أعاقتها من شن غزو واسع النطاق على جارتها، منذ ضم القرم في عام 2014. وقالت الرسالة إن هذا الحاجز الوقائي المؤقت سيختفي إذا تم السماح لـ”نورد ستريم 2″ بالعمل.

وحذر معدو الرسالة من أنه “في حالة تشغيل “نورد ستريم 2″، ستفقد أوكرانيا رادعاً حاسماً ضد العدوان الروسي المتصاعد، وستكون أيدي الكرملين غير مقيدة”.

لكن هناك بصيص أمل على تلك الجبهة. إذ أقر مجلس النواب الأمريكي هذا الأسبوع تعديلاً من شأنه أن يعيد فعلياً فرض العقوبات التي تم رفعها مؤخراً على الأشخاص والشركات المشاركة في بناء أو تشغيل “نورد ستريم 2”. وإذا وافق مجلس الشيوخ على هذا التعديل، ستكون العقوبات إلزامية.

في غضون ذلك، لا يزال هناك احتمال بوقوع حرب شاملة: إذ حشدت روسيا أكثر من 100 ألف جندي على حدود أوكرانيا هذا العام. ومع ذلك، في ظل وجود خط الأنابيب الآن جاهزاً، فإن الخطر الأمني الأكثر إلحاحاً هو الحافز للتخريب.

قال سيرخي ماكوغون، الرئيس التنفيذي لـ”مشغل نظام نقل الغاز في أوكرانيا” (Gas Transmission System Operator of Ukraine)، إن الكرملين سيقول: “انظروا، نحن جاهزون لضخ الغاز عبر أوكرانيا، لكن لديهم شيئاً معطلاً، لذا دعونا نطلق “نورد ستريم 2″ قبل حصوله على تصديق حتى لا يعاني المستهلكون الأوروبيون”. ويرى ماكوغون أن “هذه البطاقة الرابحة، لم تكن متاحة قبل إنشاء نورد ستريم 2”.

في يوم الأربعاء، قبل المنظم الألماني مشاركة الشركة “البولندية لتعدين النفط والغاز” (PGNiG) في عملية التصديق، وهي شركة الغاز البولندية التي تسيطر عليها الدولة، والتي قالت إنها ستسعى إلى وقف التصديق. إذ تجادل الشركة “البولندية لتعدين النفط والغاز” بأن شركة “نورد ستريم 2” (Nord Stream) لا تفي بمتطلبات الاتحاد الأوروبي لاعتمادها كمشغل نقل مستقل.

من جانبها قالت شركة خطوط الأنابيب “نورد ستريم 2″، التي تمتلك فيها “غازبروم” حصة 51%، إن تدفقات الغاز ستلتزم باللوائح الألمانية ولوائح الاتحاد الأوروبي، وإنها ستحصل على التصاريح المطلوبة.

يرى ماكوغون، أن أمن الشبكات أصبح مصدر قلق دائم، إذ يقول: “بالطبع عززنا إجراءاتنا الأمنية، لكن من المستحيل حماية 33 ألف كيلومتر من خطوط أنابيب الغاز”.

وتنفي روسيا نيتها القيام بغزو أوسع لأوكرانيا في أي وقت من الأوقات، أو أن “نورد ستريم 2” يحمل هدفاً سياسياً. إذ أنها تصف خط الأنابيب بأنه مشروع تجاري بحت. وتقول “غازبروم” إن سعة النقل الإضافية البالغة 55 مليار متر مكعب في السنة، ستعزز أمن الطاقة في أوروبا من خلال المساعدة في تلبية الطلب المستقبلي.

لكن حتى لو كان النقّاد محقين بشأن أهداف روسيا، فإن الحجج المالية قد تلاشت.

أدى انخفاض الاستهلاك والتحول إلى شراء الإمدادات من أوروبا إلى تبخر اعتماد أوكرانيا على الغاز الروسي. يقول سيمون بيراني، باحث أول في معهد “أكسفورد لدراسات الطاقة” إن هذا يعد “نصراً غير عادي”، ويضيف: “لقد أوقفوا اعتمادهم، والشيء الوحيد الذي يحصلون عليه الآن هو رسوم العبور”.

وأشار بيراني إلى أنه ينبغي أن يكون لشركة “غازبروم” الآن مصلحة تجارية في استمرار تشغيل الشبكة الأوكرانية لتوفير الدعم خلال فترات ذروة الطلب بمجرد انتهاء العقد الحالي.

علاوة على ذلك، أصبحت رسوم العبور أقل أهمية أيضاً. جعل بوتين تقليص اعتماد روسيا على أوكرانيا لنقل الغاز إلى أوروبا أولوية خلال معظم فترة حكمه الممتدة عقدين، حيث كان “نورد ستريم 2” هو الأحدث من بين عدة خطوط أنابيب جديدة تعبر بحر البلطيق والبحر الأسود. في العام الماضي، تم تخفيض النظام الأوكراني الذي كان في يوم من الأيام يرسل 120 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوروبا سنوياً ليصل إلى 56 مليار متر مكعب، ولقد تم التعاقد عليه ليرسل 40 مليار متر مكعب حتى عام 2024.

لا تتجاوز رسوم العبور الآن أكثر من تغطية تكلفة المليار دولار لصيانة وتشغيل الشبكة، وفقاً لماكوغون. ويتوقع بيراني الباحث من أكسفورد حجم عبور يتراوح بين 20 مليار متر مكعب وصفر بعد عام 2024، يمكن أن تتقلص الرسوم الروسية -التي تبلغ قيمتها 7 مليارات دولار عن عقد الخمس سنوات الحالي- أكثر من ذلك بكثير. لكن الولايات المتحدة وألمانيا تقولان إنهما ستسعيان إلى ضمان استمرار تدفق الإيرادات على أوكرانيا.

لقد ثبت أن التحول الاستراتيجي لأوكرانيا إلى الموردين الأوروبيين مكلف وسط ارتفاع الأسعار. فوفقاً لشركة “نفتوغاز” الأوكرانية، دفعت أوكرانيا متوسط 520 يورو (610 دولارات) لكل 1000 متر مكعب من الغاز في النصف الأول من سبتمبر، مقارنة بـ 202 دولار في يناير.

لا تزال هناك مخاطر على أوكرانيا في نظام النقل الخاص بها. فبينما هي تشتري الآن غازها من أوروبا، لا يزال معظمه يأتي من روسيا. تستخدم عملية إعادة البيع مقايضات افتراضية لتجنب الحاجة إلى انتقال الوقود فعلياً عبر خطوط أنابيب معكوسة من دول وسط أوروبا الأخرى.

هذا يجعل من تكرار ما يسمى بحروب الغاز في عامي 2006 و2009 -عندما أوقفت شركة “غازبروم” إمدادات الغاز الأوكرانية خلال الخلافات السياسية والسعرية في منتصف الشتاء- أقل احتمالاً، ولكنه ليس مستحيلاً. ووفقاً لماكوغون، تمتلك سلوفاكيا القدرة من ناحية خط الأنابيب لتوفير الإمدادات المادية إذا لزم الأمر، على الرغم من أنها لا تمتلك كميات كافية لتلبية احتياجات أوكرانيا في منتصف الشتاء.

لكن بالنسبة إلى فيترينكو من شركة “نفتوغاز”، يمكن أن تأتي المشكلة الأكبر في حال حافظت شركة “غازبروم” على الحد الأدنى من تدفق الغاز العابر، بدلاً من إنهائها أعماله بشكل تام، أي عبر استخدام أوكرانيا كمورد متأرجح لسعة النقل، إذ يرى فيترينكو أن الأحجام المنخفضة ستخلق تحديات تقنية لنظام مصمم لنقل ما يصل إلى 146 مليار متر مكعب سنوياً.

ربما يعجبك أيضا