«الكتاب الأبيض».. خدعة بريطانية عمرها 78 عامًا أهدت فلسطين لليهود

حسام السبكي

إعداد – حسام السبكي

على مدار العقود الماضية، ظلت القضية الفلسطينية محل تجاذبات ومناقشات متداولة بين العديد من الأطراف، والتي صبت جميعها في صالح اليهود، ومنح الشرعية لدولتهم المحتلة للأراضي الفلسطينية، والتي تتقدم كل يوم لتكسب أرض جديدة، في مسعًا منها للسيطرة على كامل التراب الفلسطيني، وتحويله إلى أرض يهودية بالكامل، ومن هذا الألاعيب “الكتاب الأبيض” وهو صنيعة بريطانيا، التي خدعت الكثير، وامتصت حماسهم، الهادف لقطع أرجل اليهود من الأراضي العربية، وإبعاد أي موطأ قدمٍ لهم فيها.

ما هو الكتاب الأبيض؟

الكتاب الأبيض، أو ما يسمى بـ “كتاب مكدونالد الأبيض”، نسبة إلى “مالكوم ماكدونالد”، وزير المستعمرات البريطاني، والذي تم إصدار الكتاب تحت سلطته وفي ظل الحكومة البريطانية آنذاك، وقد تم صدور الكتاب في السابع عشر من شهر مايو / آيار من العام 1939، وقد نص الكتاب على استقلال فلسطين، والتخلي عن فكرة تقسيمها إلى دولتين إحداهما عربية فلسطينية والثانية يهودية، بحيث تصبح دولة فلسطينية مستقلة، محكومة من قبل العرب الفلسطينيين واليهود، بناءً على نسبة كل منهما لإجمالي عدد سكان فلسطين في العام 1949.

الكتاب تعهد أيضًا لليهود بالسماح لهم بالهجرة إلى فلسطين، خلال السنوات الخمس اللاحقة على صدور الكتاب، بـ 75 ألف يهودي، خلال الفترة من عام 1940 وحتى العام 1944، على أن يُسمح بقبول هجرة 10 آلاف يهودي بشكلٍ سنوي، ويزيد ذلك العدد إلى خمس وعشرون ألفًا سنويًا.

وبعد عام 1944، تصبح هجرة اليهود إلى فلسطين مقرونة بموافقة الأغلبية العربية الموجودة على أرض فلسطين، كما يفرض الكتاب على اليهود قيودًا بشأن حقوقهم في شراء الأراضي من العرب.

موقف العرب واليهود وبريطانيا من الكتاب الأبيض

من الظاهر في الكتاب، أنه ينصف العرب والفلسطينيين على حساب اليهود، وهي الخديعة الكبرى التي سقوطها فيها، فقد أعربوا عن ترحيبهم وتأييدهم الكامل، إلى الحد الذي طالبوا فيه بتنفيذ كافة بنود الكتاب كاملة.

أما اليهود، فقد رفضوا الكتاب شكلًا ومضمونًا، وذلك لأنه ينافي ما جاء في تصريح “بلفور” البريطاني أيضًا، وبموجب الكتاب فإن آمالهم في إقامة وطن قومي يهودي على الأراضي الفلسطينية يكون قد تبخر.

الموقف البريطاني، صاحب الاقتراح بـ “الكتاب الأبيض”، جاء متمسكًا ببنوده، ليزيد من فرحة العرب، وعلى النقيض يشعل مشاعر الغضب في نفوس اليهود، إلا أن ذلك لم يلبث أن تبخر، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث شهدت العلاقات البريطانية اليهودية تحسنًا كبيرًا، خاصةً بعد مساعدة اليهود للبريطانيين في الحرب، وهو ما شجع بريطانيا على تبني مواقف مؤيدة لهم في الصراع داخل فلسطين، الأمر الذي جعل من “الكتاب الأبيض”، يبدو حبرًا على ورق، نتيجة للضغوط الكبيرة والحرب التي شنها اليهود على الكتاب الأبيض، مما جعل بريطانيا تتخلى عن تنفيذه، ليضيع أمل العرب والفلسطينيين في إقامة وطن مستقلٍ لهم، يحظى بالشرعية من قبل المجتمع الدولي.

بنود الكتاب الأبيض

نص الكتاب الأبيض في مجمله على ثلاثة بنود أساسية.. وهي:

1- الحكم الذاتي:

اشتمل الكتاب الأبيض على مناطق للحكم الذاتي، تقيمها الحكومة البريطانية، خلال عشر سنوات، تقام عليها دولة فلسطينية مستقلة، حتى يستتب الوضع ويتوطد فيها الأمن، ويتخذ خلالها تدابير، تمكن الفلسطينيين من إدارة المؤسسات الحكومية، بمساعدة مستشارين فلسطينيين، وعقب مرور خمس سنوات، على استقرار الأمن والنظام، تبحث هيئة مشتركة فلسطينية – بريطانية، مسألة وضع دستور لدولة فلسطينية مستقلة، أما إذا اقتنعت بريطانيا عقب مضي عشر سنوات، أن الظروف غير مواتية لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة، فإن الحكومة البريطانية تلجأ حينئذٍ إلى التشاور مع ممثلين فلسطينيين، ومجلس عصبة الأمم، وقادة الدول العربية، بهدف تأجيل إقامة الدولة الفلسطينية، ووضع خطة مستقبلية أخرى بدلًا منها.

2- هجرة اليهود:

كما ذكرنا سلفًا، فقد تناول “الكتاب الأبيض” مسألة هجرة اليهود إلى فلسطين، فسمح بهجرة 75 ألف يهودي لفلسطين، وذلك وفقًا لقدرة البلاد الاستيعابية من الناحية الاقتصادية، خلال السنوات الخمس التالية للكتاب، تبدأ من مطلع شهر أبريل / نيسان من العام 1940، ليصل عدد سكان فلسطين من الطائفة اليهودية لنحو ثلث سكان البلاد، وعقب مضي السنوات الخمس تلك، لا يُسمح بالهجرة اليهودية إلى الأراضي الفلسطينية، إلى بعد موافقة العرب الفلسطينيين.

3- حق تملك الأراضي والانتفاع بها:

في جانب الأراضي، أوضح “الكتاب الأبيض”، أنه لا مجال لانتقال الأراضي من العرب إلى اليهود، كما توضع قيود على انتقال الأراضي في مناطق أخرى، من العرب إلى اليهود، وذلك بهدف تمكين المزارعين العرب من الاحتفاظ بمستوى معيشتهم في ذلك الوقت، تفاديًا لحرمان بعض الجماعات العربية من أراضيهم.

سيظل “الكتاب الأبيض”، خديعة تاريخية، مكلمة لمؤامرة “وعد بلفور”، الذي وصفه المؤرخون بأنه “وعد من لا يملك، بما لا يملك، لمن لا يستحق”، وسيظل هذا الكتاب وغيره من المبادرات، مجرد تسلية وفرصة لإضاعة الوقت، ومنح اليهود المجال لتوزيع أملاكهم في الأراضي العربية، فهل يستفيق العرب والفلسطينيون من سباتهم العميق، وينجحوا في إقامة دولة فلسطينية حرة ومستقلة قبل أن يبسط اليهود دولتهم على كامل التراب الفلسطيني ؟!.

ربما يعجبك أيضا