مجلس العلاقات الخارجية| لماذا يتجمّع مهاجرون من هايتي عند الحدود الأمريكية؟

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

على مدار أسبوعين، اعتقل ضباط دورية الحدود الأمريكية أو طردوا نحو ثلاثين ألف مهاجر، غالبيتهم مواطنون من هايتي كانوا يحتمون بالقرب من منطقة “ديل ريو” في ولاية تكساس. لقد أدّت صور جرى تداولها على نطاق واسع لضباط حرس الحدود على ظهر أحصنة وهم يحاولون منع المهاجرين من عبور نهر “ريو غراندي”، لتجديد النقاش بشأن سياسة الرئيس جو بايدن الخاصة بالهجرة.

بحلول الرابع والعشرين من سبتمبر، تمكّنت السلطات الفيدرالية من إزالة معسكر كان يضم خمسة عشر ألف مهاجر من هايتي. صرّح وزير الأمن الوطني “أليخاندرو مايوركاس” أن ألفين من هؤلاء المهاجرين تم ترحيلهم إلى هايتي على متن رحلات جوية أمريكية مستأجرة، وأن ثمانية آلاف منهم عادوا طوعًا إلى المكسيك. سمحت السلطات لاثني عشر ألف مهاجر بدخول الولايات المتحدة، بحيث يباشر قضاة الهجرة بتقييم طلبات لجوئهم ومنحهم الإذن بالبقاء في البلاد. كما تتم دراسة منح خمسة آلاف آخرين الفرصة ذاتها.

إن هذه الحادثة تأتي ضمن زيادة حادة في محاولات العبور في السنة ونصف الماضية. في مارس عام 2020، متذرعة بجائحة كوفيد 19، بدأت إدارة ترامب استخدام المادة رقم 42، وهي عبارة عن أمر للصحة العامة الطارئة يسمح بطرد فوري للمهاجرين. منذ ذلك الوقت، طرد مكتب الجمارك وحماية الحدود معظم المهاجرين المعتقلين عند الحدود من دون دراسة طلبات لجوئهم، حسبما يقتضي عادة القانون الأمريكي. واصلت إدارة بايدن التمسك بالمادة رقم 42 ولا زالت تحافظ على القيود المفروضة على مكان وطريقة تقديم اللاجئين طلبات اللجوء. في يوليو 2021، أعلن مكتب حماية الحدود والجمارك عن توقيف 212.672 ألف مهاجر على الحدود، وهو أعلى رقم يتم تسجيله في 21 عامًا.

ما السبب وراء ارتفاع أعداد المهاجرين من هايتي إلى الولايات المتحدة؟

عانت هايتي مؤخرًا من حالات جديدة من الكوارث السياسية والطبيعية: في مطلع هذا العام، اغتالت مجموعة من المرتزقة الرئيس الهايتي “جوفنيل مويسي”، كما خلف زلزال أكثر من ألفي قتيل. لكن الفساد والفقر والعنف لطالما كانوا الدافع وراء الهجرة، وبالنسبة لمعظم المهاجرين الهايتيين على الحدود الأمريكية – المكسيكية، فإن وصولهم إلى هناك كانت نتيجة رحلة استغرقت أعوامًا.

عقب الزلزال المدمر عام 2010، هاجر العديد من الهايتيين إلى أمريكا الجنوبية. كانت إحدى وجهاتهم هي البرازيل، حيث وفرت الاستعدادات لكأس العالم لعام 2014 ودورة الألعاب الأولمبية لعام 2016 فرصًا واعدة لهم. لكن جائحة كوفيد 19 أدّت إلى ندرة فرص العمل، ودفعت بلدان في المنطقة لغلق حدودها. سنّت دولة تشيلي، التي كانت واحدة من أبرز وجهات المهاجرين الهايتيين، قانون هجرة جديدًا مُقيِّدًا. ونتيجة لذلك، بدأ العديد من الهايتيين رحلة خطيرة نحو الشمال.

إن الخوف من العنف، وخاصة من الجريمة المنظمة، أرشدهم إلى المكان المناسب لمحاولة العبور إلى الولايات المتحدة. انتشرت شائعات مفادها أن المنطقة حول “ديل ريو” كانت منطقة عبور آمنة نسبيًّا، وقالت تقارير إن هذا دفع مهاجرين للتجمّع في معسكرات في محيط المنطقة. لكن هذا كان مجرد جزء من موجة هجرة أوسع. أخبر مسؤولون في كولومبيا محطة “بي بي سي” أن تسعة عشر ألف مهاجر، معظمهم من هاييتي، كانوا ينتظرون للعبور الحدود إلى بنما.

ماذا وراء ردّ إدارة بايدن على هذه الأزمة؟

كانت الإدارة واضحة أن الهدف من استخدام رحلات الترحيل الجوية هو منع وصول مهاجرين في المستقبل. وصرّح مسؤولون للمراسلين بأن الأشخاص الذين جرى ترحيلهم، بمجرد وصولهم إلى هايتي، سيشاركون تجربتهم وسيقنعون مهاجرين محتملين لتجنب هذه الرحلة.

لا يزال الاعتماد على المادة رقم 42 لتنفيذ رحلات طرد جوية أمرًا مثيرًا للجدل. كما رفعت مجموعات مناصرة دعوى قضائية ضد استخدام هذه المادة، ودفع استخدام هذه المادة أيضًا “دانيل فوت”، المبعوث الأمريكي الخاص إلى هايتي، للاستقالة بسبب ما وصفه بـ “القرار غير الإنساني وغير المجدي” الخاص بترحيل المهاجرين. بالرغم من مواصلة الإدارة الدفاع عن المادة رقم 42 في المحكمة، إلا أن استخدامها للمادة يتراجع ببطء. في يناير 2020، كانت أكثر من 80 بالمائة من عمليات تنفيذ القانون عند الحدود الأمريكية – المكسيكية عبارة عمليات طرد مرتبطة بالمادة 42. وبحلول أغسطس 2021، تراجعت النسبة إلى النصف.

إن اتباع الإدارة لسياسة طرد صارمة نسبيًّا، ربما يكون أمرًا محسوبًا لترميم أوجه ضعف متصورة لديها، وهو ما أثار خيبة أمل لدى مناصري الهجرة. في استطلاعات رأي عامة، حصل بايدن حتى الآن على نسب تأييد متدنية فيما يتعلق بتعامله مع مسألة الهجرة. ومع انتقاد جمهوريين بارزين لما يرون أنه فوضى على الحدود، يجادل البعض داخل الإدارة أيضًا أن التنفيذ الخشن للقانون ضروري للحصول على دعم الكونغرس فيما يخص إصلاحات أوسع نطاقًا خاصة بالهجرة.

ما الخيارات الأخرى المتاحة أمام الإدارة؟

يمكن للإدارة أن تختار إعادة قوانين اللجوء السابقة، أو حتى توسيع الفرص أمام المهاجرين الهايتيين للتقدم بطلب لجوء. عبّرت الإدارة في هذا الصيف عن رغبتها في إجراء إصلاحات أعمق في عملية اللجوء، لكن دون دعم الكونغرس لتوفير موارد إضافية، لن يتوفر لدى الإدارة سوى خيارات محدودة. أصدر بايدن أمرًا تنفيذيًّا لضمان أن يكون نحو 155 ألف مهاجر هايتي متواجدين في الولايات المتحدة منذ التاسع والعشرين من يوليو 2021، مؤهلين للحصول على تصريحات عمل وحماية من الترحيل، وذلك عبر منحهم وضع حماية مؤقتًا.

كما يمكنه أيضًا استخدام شكل آخر من المساعدة يُعرف باسم “الترحيل القسري المؤجل”، والذي يمنع بالمثل ترحيل بعض المهاجرين لفترة زمنية محددة. في عام 1997، وسط حالة اضطراب سياسي وتداعيات التدخل العسكري الأمريكي في هايتي، استخدم الرئيس بيل كلينتون “الترحيل القسري المؤجل” لمنح إعفاء لمدة عام واحد لنحو عشرين ألف هاييتي.

للإطلاع على المقال الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا