سرقات التاريخ.. الوجه الخفي للاحتلال الأمريكي

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

في أي بلد تغزوها الولايات المتحدة أو تتحد مع حلفائها لقصف دولة ما بزعم مكافحة الإرهاب، دائمًا ما تطبع بصماتها على آثار تلك البلاد، من نهب وسرقات ومن ثم العرض مؤخرًا ضمنت مقتنياتها الأثرية، لتتكشف الحقائق واحدًا تلو الآخر عن المساعي الخفية للولايات المتحدة وذلك عندما تعلن انسحابها، فإلى جانب التدمير والتخريب تصبح هناك خفايا تقع عاتقها على جنودها من حفر وتنقيب ونقل آثار تعود لقرون، وهو ما كشفته مؤخرًا دلائل وصور حديثة عن سرقة القوات الأمريكية للآثار في أفغانستان، وسبقها سوريا والعراق.

آثار ميواند بأفغانستان

وفي هذا السياق، يمكن عرض ما تناولته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، عن نهب القوات الأمريكية للممتلكات الشخصية والمصنوعة اليدوية العسكرية من الموقع الأفغاني للمجزرة البريطانية في القرن التاسع عشر.

وبحسب الصحفية تمت سرقة القطع الأثرية العسكرية والممتلكات المدفونة إلى جانب الضحايا من موقع معركة ميواند، وذلك أثناء عمليات انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان عام 2009.

من جانبها، اعتبرت وزارة الدفاع الأفغانية، أن ما قام به الجنود الأمريكان يُعد خرقًا للقانون الدولي بعد أن تم سرقة العديد من القطع الأثرية إلى المسؤولين عن جمعها، وظهورها على الإنترنت.

كانت وزارة الدفاع قد قدمت إلى الآن إلى نظيرتها الأمريكية البيانات التي تفيد بسرقة الأمريكان ونهبهم لتلك الآثار والقطع العسكرية من منطقة ميواند جنوب أفغانستان.

شهدت تلك المنطقة ميواند أكثر الصراعات دموية بين كل من الإمبراطورية البريطانية والراج البريطاني ضد أفغانستان، وكانت نتيجتها انتصار الأفغان، وهي إحدى المعارك الرئيسية في الحرب الإنجليزية الأفغانية الثانية.

وأدت الحرب التي نشبت في 27 يوليو 1880، إلى مقتل 969 جنديًا بريطانيًا وهنديًا أثناء محاولتهم ردع آلاف من رجال القبائل.

وبحسب السجلات التاريخية، فإن الجثث دُفنت بعد فترة قصيرة من إراقة الدماء إلى جانب ممتلكات أخرى لم ينهبها الأفغان بالفعل، لكن البقايا أخذت من الأرض من قبل الجنود الأمريكان أثناء معاركهم مع طالبان.

وأكد بعض جامعي المقتنيات الأثرية أنهم اشتروا بالفعل بعض القطع، مثل المناظير والعملات المعدنية وأجزاء من بنادق من جندي أمريكي سابق عمل في أفغانسان.

تنقيب أمريكي في سوريا

على الجانب الآخر، اتهمت الحكومة السورية، القوات الأمريكية والفرنسية والتركية المنتشرة في شمال سوريا بالقيام بأعمال تنقيب “غير شرعية” عن الآثار في منبج وعفرين وإدلب والحسكة والرقة وغيرها من المناطق التي تقع تحت سيطرتها.

جدير بالذكر أن قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، والداعمة للأكراد، في مناطق شمال شرق سوريا، مثل الحسكة ومنبج والرقة، فيما تسيطر القوات التركية وفصائل موالية لها على منطقة عفرين، ولها نفوذ أيضًا على إدلب.

وبحسب مصدر بالخارجية السورية، فإن وتيرة أعمال التنقيب والنهب والسرقة تصاعدت وطالت التراث الثقافي السوري، داعية منظمة اليونسكو لإدانة مثل هذه الانتهاكات الجسيمة التي تشكل “جريمة حرب”.

وفي المقابل، نفى المتحدث باسم التحالف شون راين اتهامات دمشق، وقال: إن “التحالف موجود فقط لإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش”.

كان مدير الآثار والمتاحف في سوريا، محمود حمود، قد اتهم القوات الأمريكية والفرنسية بالقيام بأعمال حفر وسرقة في مواقع أثرية قرب مدينة منبج، مثل جبل أم السرج والمدافن الأثرية والسوق القديم.

كما اتهمت المديرية في وقت سابق، الفصائل السورية الموالية لتركيا بالقيام بأعمال “تنقيب غير شرعية وتخريب” موقع النبي هوري الأثري في عفرين، الشاهد على حقبات تاريخية مهمة مثل الرومانية والبيزنطية والإسلامية.

وتمتلك سوريا، أرض الحضارات من الكنعانيين إلى العثمانيين، كنوزًا تعود لزمن الرومان والمماليك وبيزنطة، مع مساجد وكنائس وقلاع صليبية.

ومنذ اندلاع النزاع في العام 2011، تضررت مئات المواقع الأثرية نتيجة المعارك والقصف، فضلاً عن أعمال السرقة والنهب، وأبرزها قلعة حلب وآثار مدينة تدمر مثل معبد بل وقوس النصر وأسد اللات.

آثار العراق المنهوبة 

بعد غزو العراق في 2003 بزعم وجود أسلحة دمار شامل، وقصف العديد من المدن والمحافظات لإسقاط نظام صدام حسين، جاء الدور الأمريكي للبحث عن كيفية تعويض خسائره في الحرب من خلال سرقة الآثار والنفط وهو ما بدأ يتكشف عقب إعلان الولايات المتحدة انسحابها من العراق.

واليوم، يسعى العراق لاسترداد آلاف القطع الأثرية العائدة للتاريخ القديم، بينها آثار من عاصمة البابليين، وتُقدر أعدادها بـ30 ألف قطعة أثرية سُرقت من مدينة الحلة “مركز محافظة بابل” على يد القوات الأمريكية عام 2003.

وتعتبر الحلة أرض الجنائن المعلقة أحد أبرز عجائب الدنيا السبع، ومركز محافظة بابل وسط العراق، كانت عاصمة البابليين أيام حكم حمورابي (1792- 1750) قبل الميلاد.

ووفقًا لمصادر عراقية، فإن الجنود الأمريكيين سرقوا قطعًا أثرية من مدينة الموصل أيضًا التي تعرضت مواقعها الأثرية الأقدم في العراق للنهب والتدمير على يد تنظيم داعش.

على الجانب العراقي، أُقيمت دعاوى قضائية عديدة في مختلف دول العالم لاسترجاع القطع الأثرية المُهربة والمسروقة، والتي تعود إلى عصور البابليين والسومريين والآشوريين ومن عصور مختلفة لحضارة وادي الرافدين، سواء من قبل القوات الأمريكية أو مافيا الآثار ومن قبل تنظيم داعش.

ولا تزال الولايات المتحدة تُماطل في تسليم النسخ الأصلية لآلاف الوثائق العراقية القديمة، وخصوصًا الأرشيف الذي عُثر عليه في أقبية مبنى المخابرات العراقية والخاص باليهود في العراق، وسط تأكيدات بوقوف إسرائيل وراء سرقة الأرشيف باعتبارها المُستفيد الأول من سرقته.

ويحتوي الأرشيف اليهودي العراقي على قرابة 3 آلاف وثيقة و1700 تحفة نادرة توثق للعهود التي سبى العراق خلالها اليهود، بالإضافة لآثار تعود لأزمان أبعد من العهد البابلي، أهمها أقدم نسخة لـ”التلمود” وأقدم نسخة لـ”التوراة: ومخطوطات أخرى.

ربما يعجبك أيضا